قرأت الصحف الصادرة صباح الخميس الثامن عشر من فبراير 2016 كأني أتجرع السم. كنت أحاول أن أري كيف حملت الأخبار خبر رحيل من صنع لنا المانشيتات والعناوين في صحافتنا منذ فبراير 1942 عندما دخل مهنة الصحافة لأول مرة. وحتي رحيله عن الدنيا في السابع عشر من فبراير .2016 وهكذا أصر الرجل أن يمضي من الدنيا. ولكن يترك لنا المانشيتات التي تتحدث عنه حتي بعد رحيله.
جريدة الأهرام التي يعد هيكل المؤسس الثاني لها. صدر العدد أسود اللون. المانشيت الكبير الأحمر لم يعد له وجود. وربما لم يصدر الأهرام هكذا مند العدد الذي أصدره يوم 29 سبتمبر سنة 1970 وهو اليوم التالي لرحيل عبدالناصر. وقال لي نجيب محفوظ إن الأهرام صدر هكذا في اليوم التالي لرحيل سعد باشا زغلول.
كانت المانشيتات الرئيسية: الأهرام ينعي للأمة الأستاذ هيكل. مصر تودع فقد الصحافة المصرية والعالمية إلي دار العودة. يستأذن في الرحيل. مصر تودع فقيد الأمة من مسجد الحسين. الرئيس ينعي الأستاذ: فقدنا علما ارتقي بالأهرام العريقة لتصبح إحدي أكبر الصحف في العالم. ويكتب المقال الافتتاحي للعدد محمد عبدالهادي علام, رئيس تحرير الأهرام: دراما رحلة الصعود والانصراف الأخير, أنور عبداللطيف: رحيل أحد أصول الوطن, محمد حسين. هيكل هكذا كانت البداية, لمحمد التابعي. لقاء آجل في رحاب الله, دكتورة هدي عبدالناصر.
مازلنا مع مانشيتات الأهرام الصادر بعد الرحيل. الأزهر: ساهم في تشكيل وعي الكثيرين. والإفتاء: شاهد علي الأحداث. وزير الثقافة: سيحيا خالدا في ذاكرة الوطن. حزب المصريين الأحرار يدعو للحفاظ علي أرشيف هيكل. سامي متولي يكتب: أستاذي الذي علمني الإخلاص في العمل. حزب مصر الحديثة: وفاته ستحدث فراغا كبيرا. رئيس الوزراء المهندس شريف إسماعيل: أثري الحياة الفكرية بكتاباته. عمرو موسي: كان رمزا سياسيا كبيرا وكاتبا صحفيا بارعا.
نكمل مانشيتات الأهرام: الدكتور علي عبدالعال, رئيس مجلس النواب: تربي علي عرش الصحافة. مفيد شهاب: سياسي بارع من الدرجة الأولي. زويل: قامات فارقة في تاريخها. فاروق إسماعيل: صاحب روية استراتيجية. الرئيس الفلسطينيي يعزي السيسي في وفاة غالي وهيكل. الإعلام الفلسطيني يبرز خبر وفاة الكاتب الكبير. رئيس البرلمان العربي, أحمد بن محمد الجروان: صاحب التحليلات السياسية القيمة. نبيل العربي, أمين عام جامعة الدول العربية: علامة فارقة في التاريخ المعاصر. نقابة الصحفيين: الأقدر علي الوصول للمعلومات.
جريدة الأخبار: رحيل أسطورة, مصر تودع هيكل أهم صحفييها ومفكريها وأبرز صناع الأحداث. السيسي: فقدنا علما قديرا وشاهدا علي تاريخ مصر والأمة. ياسر رزق يكتب: راح الذي لا يعوض. مع العدد ملحق 12 صفحة صدر تحت عنوان: أوان الانصراف. وبداخل الملحق مسقط رأس هيكل يكتسي بالسواد. الدكتورة أمل الصبان. أمين عام المجلس الأعلي للثقافة تصدر بيانا لوداع هيكل. وتعد لاحتفالية كبري لهيكل. الكتاب والصحفيون العالميون: أهم صحفي ومحلل في العالم العربي. وسائل إعلام عربية وعالمية تنعي أيقونة الصحافة. جهاد الخازن: هيكل كان دائما مستعدا للحوار. وزير الإعلام اللبناني ينعي هيكل. المجلس الأعلي للصحافة في مصر: كان نموذجا للصحفي الوطني.
ونكمل مانشيتات الملحق الخاص الذي أصدرته جريدة الأخبار في اليوم التالي لرحيل هيكل: كاتب وملك و6 رؤساء. صديق الزعماء والمشاهير. عاش الساعات الأخيرة لنهرو وروي له أينشتين أسباب رفضه رئاسة إسرائيل. تنبأ بثورتي 25 يناير و30 يونيو ورفض وصف انتفاضة الشعب بالمؤامرة. طارق الطاهر يكتب: الجورنالجي. وتكتب نادية البنا: هيكل مراسلا حربيا بين النيران حين يبلل الدم زهور البرتقال. ويكتب محمد سرساوي: معركة هيكل مع أيزنهاور: عفوا سيدي فبيانك أعور.
ونشر الملحق فصلا من كتاب ياسر رزق الحواري مع الأستاذ هيكل ويأخذ منه الآتي: الأستاذ في أول وأخطر حوار للأخبار بعد عام علي ثورة يناير: مبارك روج للتيار الإسلامي كنقيض فجعله هو البديل. المصائر لا تتقرر تحت الضغوط والتقدم لا يتحقق بالهرب إلي الأمام. وكتبت بركسام رمضان: مواقف مشهودة ومقالات لا تنسي. وكتبت سمر نور: الأستاذ ناقدا أدبيا. وكتبت راوية عبدالباري: هيكل قامة فكرية نادرة. وكتبت أماني ضرغام: أستاذ الأجيال. وكتب المؤرخ جمال شقرة: أضاء الطريق للمؤرخين. وكتب محمد الشماع: الأستاذ أكسب المناصب التي تولاها قيمة ومكانة. وكتب طارق الطاهر: لماذا قاطع هيكل معرض الكتاب 21 عاما؟ النار قريبة من الحطب. آخر عباراته لجمهور المعرض. وكتب محمد سرساوي: صائغ المعاني كلمات بطعم الأدب.
الصفحة الأخيرة من ملحق الأخبار المتميز. والذي يعد من الناحية الصحفية المهنية البحتة تناولا صحفيا أكثر من نادر. ينشر مقالا لروبرت فيسك. أعدته للنشر ياسمين السيد هاني. والمقال عنوانه: محمد حسنين هيكل الرجل الحكيم في الشرق الأوسط. يبدأ مقاله هكذا:
ـ السيجار لا يمكنني أن أتخيل الصحفي المصري العظيم. وفي الواقع الكاتب الأشهر في الشرق الأوسط, دون دخان السيجار الأزرق الكوبي يتحرك أمام وجهه القوي.
وينهي روبرت فيسك مقاله المهم والخطير هكذا:
ـ دروس من الرجل العظيم. وأيضا سيجار عرضه علي. قمت بتدخينه في أنحاء الغرفة, وأنا أعد أغراضي للمغادرة.
وهذا المقال نشر في 10 أبريل في صحيفة الإندبندنت.
لكن أهم ما جاء في هذا الملحق أنه أعاد نشر يوميات الأستاذ هيكل التي كان يكتبها في خمسينيات القرن الماضي. ومن المعروف أن هيكل علي مدي ثلاث سنوات: 1957/1956/1955, نشر في جريدة الأخبار يومياته. وهذه هي اليوميات الأولي له. وقد نشرت بتاريخ 23 يوليو 1955, والأيام التي يكتب هيكل يومياتها الاثنين, الثلاثاء, الأربعاء, الخميس, الجمعة.
وفي يوميات الخميس يكتب:
ـ لم أكن أسمع ما يقوله عن بعد. إنما كنت أري تأثيره في السامعين الذين وقفوا حوله حشدا كبيرا. وتعلقت أبصارهم به. كان الرجال يتطلعون إليه ويتحولون أمامه إلي أطفال. وكانت النساء ممسكات بالمناديل ويجففن الدموع.
وكنت أستطيع أن أتخيل الكلمات الملتهبة التي يلقيها إليهم كبيللي جراهام, الواعظ الشهير المتعصب. يخطب في حديقة ليزوفيف في جينيف. ووجدت خيالي. يبتعد بي عن الحديقة السويسرية الخضراء الخصبة إلي تلال كوريا القاحلة وخنادقها الرهيبة. حيث التقيت ببيلي جراهام لأول مرة, وكنت قد سمعت عن الرجل قبل أن ألقاه.
ما أعجب الدنيا.
وما أعجب كتابتك ياهيكل حتي عندما كنت في الثانية والثلاثين من العمر.
ندون للتاريخ, كان تاريخ ميلاده: 23 سبتمر 1923 وتاريخ وفاته: 17 فبراير .2016