(1) ورد وسط المائدة
تزوجت إحدي فتيات الأسرة منذ وقت قريب, وكانت تحب الأزهار جدا, لكن زوجها لم يكن يهتم بالزهور. وكانت تحس بشيء من عدم الراحة بسبب ذلك.
ذات ليلة جلست مع زوجها إلي مائدة العشاء, ففوجئت بباقة من الورد في وسط المائدة. وأشرق وجهها بالسعادة, فقد عرف زوجها شدة حب زوجته للورد والزهور, فعمل عملا بسيطا كان له أثره الكبير عليها, فأضاء وجهها وقلبها بنور وبهجة غامرة. قلت لنفسي: هذا زوج صاحب بصيرة وذكاء, إنه حريص علي أن يعرف الأشياء الصغيرة التي تدخل السرور إلي قلب من يحب, وحريصعلي أن يعمل تلك الأشياء…
(2) وهكذا سافرت !
عندما كانت ماري كوري عالمة الطبيعة المشهورة في السابعة عشرة من عمرها, كانت تحلم بالسفر من موطنها الأصلي من بولندا إلي باريس, لدراسة الطبيعة في جامعة السوربون, لكن أحوال الأسرة المالية لم تمكنها من تحقيق حلمها. وكانت لماري أخت أكبر منها تحبها كثيرا اسمها برونيا, تحلم أيضا بالسفر إلي باريس لدراسة الطب, لكنها هي أيضا لم تجد وسيلة لتحقيق حلمها هذا.
ذات يوم قالت ماري لأختها: لقد وجدت لك طريقة تستطيعين بها تحقيق آمالك. سألتها برونيا بدهشة: كيف؟ قالت ماري: لقد اتفقت مع أبي علي أن تسافري إلي باريس, ونرسل لك بعض النقود بين حين وآخر من أجل مواصلة الدراسة. وبعد أن تنتهي من دراسة الطب وتصبحي طبيبة, يحل دوري وأذهب أنا لأبدأ دراستي, علي أن تقومي بإرسال النقود التي ستساعدني علي مواصلة الدراسة. وامتلأت عينا برونيا بالدموع عندما سمعت هذه الكلمات من أهتها, وسألتها: ولكن منأين ستحصلين علي النقود التي ستساعدينني بها؟ قالت ماري: سأعمل مربية أطفال لدي إحدي العائلات, وبذلك أوفر الطعام والمأوي, وأحتفظ بكل أجري لأرسله إليك. قالت لها برونيا: لماذا أذهب أنا أولا باريس؟! يمكنك أن تذهبي أنت في البداية وسأقوم أنا بمساعدتك. أجابت ماري: لا.. إنك في العشرين من عمرك, أما أنا فمازلت في السابعة عشرة.. وأنا واثقة من أنك عندما تصبحين طبيبة غنية, فسوف تغرقينني بالذهب!!.
وهكذا سافرت الأخت الكبري تحت إلحاح الأخت الصغري, ثم لحقت ماري بأختها, حيث حققت في باريس أكبر إنجازاتها باكتشاف الراديوم, وأصبحت واحدة من شهيرات العالم.
(3) هل أنت في حالة تسمح لك باتخاذ قرار ؟!
يحكي أن مدير إحدي الشركات الكبري كان يتصف بالهدوء والصبر, لكن إذا غضب فإن ثورته تكون شديدة عنيفة. ذات يوم ذهب معه زوجته إلي حفل زفاف, حيث قابل أحد كبار موظفيه. وانساق ذلك الموظف مع جو الحفل المرح, فأفلت لسانه ببعض العبارات التي شعر مدير الشركة أنها تنتقص من كفائته ومن قدرته علي إدارة العمل. وعاد المدير تلك الليلة إلي بيته ثائرا, وظل يتقلب في فراشه طوال الليل. وتوجه في الصباح إلي مكتبه ودماؤه لاتزال تغلي, ثم أمر سكرتيره أن يوصله هاتفيا بذلك الموظف الذي انتقده في الحفل, وبينما كان السكرتير يحاول الاتصال بالموظف, وضع رئيس الشركة يده في جيبه يبحث عن مفكرته الصغيرة, فخرجت في يده ورقة مكتوبة بخط يد زوجته تقول فيه: إنك في حالة لا تسمح لك بإصدار قرار. وفي الحال ألغي المدير المكالمة الهاتفية!
(4) وجدت دليلا محسوسا ..
لي صديق كان يحس أنه لا يتقدم في الحياة إلا ببطء شديد, وبدأ يشعر بالفشل والإحباط, ووجدت زوجته أ كلمات التشجيع التي تقولها له أصبحت بغير فائدة, لذلك لجأت إلي أسلوب جديد. ففي عيد ميلاده, كتبت بيانا عما حققه زوجها من نجاح في السنة الماضية, وعددت فيه ما حقق من توفيق في كثير من نواحي عمله. ولم تكتف بذلك, بل ذكرت أيضا ما قدمه لها ولأولادهما: مساعدة الزوجة في أعمال البيت عندما تكون متعبة.. معاونة الابنة في الاستعداد لامتحانها العام حتي نجحت بتفوق.. شراء أجهزة صيد السمك التي كان الابن الأكبر يلح في طلبها.. الاهتمام بالجار المريض الذي يعيش وحيدا حتي أصبحت صحته أحسن. وكم تغيرت نفسية صديقي بعد أن قرأ هذا البيان, فقد وجد دليلا محسوسا علي أن زوجته وأولاده وجيرانه يقدرونه خير تقدير, وأنه كثيرا ما ينسي أشياء صغيرة لكنها مفيدة ومهمة, يقوم بها كل يوم لعدد كبير من الناس الذين يحبونه.
(5) أعادت كلماته الثقة إلي نفسي ..
حكت خبيرة أدب الأطفال, التي تشغل منصبا مرموقا في إحدي دور النشر الكبري, قالت: كنت في السنة الأولي بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية, وقبل نهاية العام بيومين توفي والدي, وكانت الصدمة بالغة القسوة. ذهبت لأداء أول الامتحانات في مادة الجغرافيا وأنا لم أفتح كتابا. وتسلمت ورقة الأسئلة فوضعتها أمامي أحاول أن اقرأها. فجأة وجدت بجواري أحد أساتذتي العظماء يسألني أنا الطالبة الصغيرة, في أبوة صادقة: مالك يا ابنتي؟ انهمرت دموعي, وقالت زميلة تجلس بجواري: توفي والدها أول أمس. قال أستاذي بصوته المطمئن العميق: ليس هذا نهاية الدنيا يا ابنتي.. هيا.. اكتبي أي شيء.
وظل واقفا بجواري حتي بدأت أكتب.. وكلما تخاذلت يعود ليشجعني علي أن أواصل الكتابة وهو يقول: أنا أعرف أنك من أفضل طالبات الدفعة.. لا تضيعي مجهود عام كامل تحت تأثير صدمة عارضة.. الحزن مرض لابد أن نعالجه ونتغلب عليه. المهم أن تبدئي, وبعد ذلك سيكون كل شيء سهلا. وكم أعادت هذه الكلمات الثقة إلي نفسي القلقة, فانطلقت أكمل الإجابة وكلي تصميم علي النجاح! وأديت بقية الامتحانات, وكنت من الناجحات بتقدير امتياز!
يعقوب الشاروني
E.mail: [email protected]