افتقدنا في المحروسة ثقافة المناقشة كنا نتميز بها ويشار إلينا بالبنان بين الأمم ــ في وقت ليس ببعيد عن قدرتنا كشعب وكمثقفين علي احترامنا للرأي والرأي الآخر!
فالنقاش حول رأي أو حول موضوع هو حوار بين أفكار وحوار بين أطرف سواء كان موضوع المناقشة رأي وطني, أو رأيا دينيا أو رأيا حول موقف ما!
وكانت الصالونات التي تجري فيها المناقشات متعددة وأشهرها في الخمسينيات صالون العقاد والذي قرأنا عن أحداثه وأهم رواده من أستاذنا ومؤرخ هذا الصالون الأستاذ أنيس منصور!
كما كانت هناك صالونات متعددة سواء كانت تعقد في المنازل أو في القهاوي وأشهرها صالون (ريش) وصالون (قهوة البورصة) وصالون (قهوة ماتاتيا) وصالون قهوة الفيشاوي)!! ولم نسمع أو نقرأ بأن أحد هذه الصالونات قد إنتهت المناقشة فيه إلي أي من أقسام البوليس أو تحرير محضر بين المختلفين في الرأي.
ولم نسمع أو نقرأ بأن من كان يشارك في هذه الصالونات قد انقلبوا أعداء يقطعون بعضهم بعضا علي صفحات الجرائد أو علي شاشات الفضائيات التي لم تكن موجودة) أو في الإذاعة أو التليفزيون الأبيض والأسود!!
ثقافة النقاش يجب أن تعود إلي مثقفي الأمة إلي المصريين الحدثين!!
فاليوم نشاهد ونسمع ونقرأ في المحروسة أن مجرد اختلاف وجهات نظر بين اثنين من المثقفين حول موضوع أو موقف إلا وانقسم المجتمع إلي فريقين يأخذ كل منهما أطراف الحبل لكي يبدأ بالشد والجذب إلي أن يقطع فتصل الأحوال إلي التشابك بالأيدي بعد ترك الأقلام وتنتقل العملية إلي النيابة العامة حيث يأخذ طرف علي الآخر نصا قانونيا يخضع أو يطول أحد الأطراف نتيجة قول شارد أو كلمة دون وعي أو خيبة من أحد الأطراف المتناقشة والمتنازعة حول رأي وفي الغالب هو رأي لا يؤدي ولا يجيبوتنتهي المناقشة في القضاء ـ تحت طائلة القانون (سب وقذف)!!
إن ما يحدث بين مثقفي الأمة علي صفحات الجرائد والتلميح والتلميز والتلقيح كلام واضح وضوح الشمس والشخصيات المستهدفة في هذه التلقيحات والإيحاءات معروفة!
والإيعاز بأن المختلف بالرأي هو صاحب العزة وصاحب الثقافة وصاحب المقدرة الأكاديمية ومالك العلم الغزير وياأرض إتهدي ما عليك قدي!
كل هذا لا ينطلي علي القاريء المصري المتلقي لهذه المهاترات فالمصريون المحدثون والمثقفون منهم يعرفون جيدا ويفهمون جيدا ويستطيعون التفريق بين الغث والسمين!!
ياسادة لابد من عودة ثقافة النقاش ولابد من الالتفاف حول بعضنا البعض فليس هناك من أمل لهذا الوطن إلا تحرير عقول مثقفيه من الشذوذ ومن الاهتمام بالمصلحة الذاتية والاهتمام بالمصلحة العامة.
ووضع مصر وملامحها الثقافية والتراثية والتاريخية ودورها في الإقليم في وضعها الصحيح وعودة الريادة الفعلية لثقافة ومثقفي مصر بين عالمها العربي علي الأقل لا أجد غير كلمة عيب إن فهمنا معناها!!