يحثنا القديس يوحنا قائلا:من زعم أنه في النور وهو لايحب أخاه لم يخرج من الظلام(1يو2:9).سأل أحد المعلمين تلاميذه:كيف نكتشف الخيط الفاصل بين انتهاء الليل وبداية النهار؟ أجابوه:عندما نستطيع أن نميزمن بعيد بين الرجل والمرأة,بين النخلة وشجرة التينفتمتم المعلم نافيا:لا.ثم سألوه:كيف إذا؟ أجابهم قائلا:عندما أري في كل شخص أتقابل معه أخا أو أختا لي,وخلاف ذلك سأعيش في ظلام دائم مهما كانت الشمس مشرقة.
نستطيع أن نستنتج من هذه الأمثولة أن عددا غير قليل من الناس مازال يعيش في الظلام لأنه لايتمكن من رؤية الآخرين كإخوة له.فالمحبة أنواع:محبة الوالدين لأبنائهما ومحبة الأخوة بعضهم لبعض ومحبة الأصدقاء ومحبة العشاق,ولكن أصعب من هذه كلها محبة الذين لايبادلوننا نفس الحب ويقاوموننا في أعمالنا وحياتنا اليومية.إذا فماذا نفعل تجاه هؤلاء؟هل نبادلهم نفس شعور البغض والكراهية أم نحبهم حتي نغير من تصرفاتهم؟يقول الزعيم الهندي غاندي:الإنسان تهدمه: السياسة بدون مبادئ,الغني بدون عمل,الحكمة بدون سلوك,العمل بدون ضمير وأخلاق,العلم بدون إنسانية,الدين بدون إيمان,والحب بدون تضحية وبذل الذات.
نلاحظ من كلام غاندي أنه لم يؤكد علي أن نقصان الطعام أو الصحة أو العيش الرغد هي التي تدمر حياة الإنسان,لكن فقدان المبادئ والأخلاق والأمانة والإنسانية الإيمان والسخاء والحب.فالمحبة هي الكنز الوحيد الذي ينمو ويزداد بالعطاء والمشاركة مع الآخر,فإذا أردنا أن نقيم الحب بمعادلة الربح والخسارة لن نحب أبدا,ومن ينتظر من الآخر أن يعامله بالمثل فيما يفعله ويقدمه له,لا يعرف معني الحب,لأن المحبة لاتسعي إلي منفعتها عندما سأل أحد النبلاء الأم تريزا دي كالكوتا مؤسسة راهبات المحبة قائلا لها:لو أعطوني مليونا من الدولارات لن أجاذف أبدا وأتقرب من مرضي الجذام.
أجابته بابتسامة:وأنا أيضا لن أفعل نفس الشيء حتي لو منحوني مليونين من الدولارات.
لكنني أقوم بهذا بكل سرور بدون مقابل ومن أجل محبة الله والآخر نجد التناقض بين الأم تريزا والمليونير الذي يحاورها في مبدأين:من أجل المال ومنأجل الحب.لا يوجد حب حقيقي تحت مسمي:من أجل المال لكن الأعمال العظيمة النابعة من المحبة هي مجانية وبلا مقابل ومن أجل محبة الله والإنسان.نستشف الحب الصادق الحقيقي من علاقة الوالدين بأبنائهما.
نحن نعلم بأن الابن لا يحب أباه علي نفس الدرجة والمستوي ونقول نفس الشيء للابنة لأن حب الوالدين مجاني وكلاهما يتوقعان أن يخذلهما الأبناء في حبهما ويقابل ذلك بجفاء وبرودة تجاه كل ما يفعلانه,ومع هذا لم ولن يتوقف أحدهما عن حبه لهم.
لأن من يحب حقا سيتألم كثيرا.أيضا يتوقع الوالدان المفاجآت الكثيرة من أبنائهما,فالبرغم من الجينات الوراثية وأنهم علي صورة الله ومثاله,إلا أنهم يتحلون بطباع ومزاج مختلف تماما.يقول المؤلف الفرنسي جيلبرت سيسبرون:أنا أحب…إذا أنا موجود لأن من لايحب فهو لايساوي شيئا وكلما انطفأت نار المحبة في قلوبنا صرنا أمواتا:هناك ثلاثة أفعال هامة في مسيرة الحب وهي:أخذ وفقدان وعطاء,كلها تساعد علي نموه والانتقال من الامتلاك إلي العطاء,ويجب أن نمر بهذه المراحل الثلاث:ففي المرحلة الأولي نشعر بسعادة الأخذ والامتلاك,وفي الثانية نمر بألم الفقدان,ولكن في المرحلة الأخيرة نتغني بالغبطة الحقيقية الناتجة عن العطاء.
لكن هذه المسيرة تحتاج إلي استمرارية ومثابرة وهي بمثابة النجمة التي تضيء لنا وتقودنا في طريق الحب.وهذا يوضح لنا فشل الكثيرين في الحب في يومنا هذا,لأنهم يختصرون الحب علي لقاء سريع أو حوار مبتور وفي أوقات قصيرة لذلك لا يستطيع المحبون أن يتعرفوا علي بعضهم البعض ويكتشف كل منهم الآخر وتصبح النتيجة موت الحب الحقيقي وعدم تحمل نقائص وعيوب الآخر وصعوبة التعايش تحت سقف واحد.ما أكثر الذين يتوهمون بأن المحبة هي أننحب لا أننحب! كل من يتخيل الحب هو امتلاك ضل الطريق,ولانستطيع أن نطلق كلمة حب علي شيء لايتحلي بالتضحية والعطاء والمجانية.إذا أفضل حب هوالذي يتقلص فيهالتملك ويتطهر من الأنانية.ونختم بالكلمات الرائعة للقديس أغسطينوس:أحبب وافعل ما تشاء.