عندما تشتعل الحرب الروحية بين الشيطان والأب الراهب، يهب له السيد المسيح جناحي النسر ليحلق في سماء الحرية (رؤيا 14:12) وذلك دون ان يطلب، كما طلب معلمنا داود حين قال:
“لَيْتَ لِي جَنَاحًا كَالْحَمَامَةِ،فَأَطِيرَ وَأَسْتَرِيحَ !!!هأَنَذَا كُنْتُ أَبْعُدُ هَارِبًا،وَ أَبِيتُ فِي الْبَرِّيَّةِ.” (مزمور 6:55)
بل يسمع لمشورة إرميا النبي القائلة: “اهْرُبُوا نَجُّوا أَنْفُسَكُمْ،وَ كُونُوا كَعَرْعَرٍ فِي الْبَرِّيَّةِ” (إرميا 6:48)
ويا للعجب!! بل وكل العجب!! لهذا الراهب المطيع الذي نفذ الوصية بمجرد سماعها بصوت أبينا اسحق القائل له: “فَالآنَ يَا ابْنِي اسْمَعْ لِقَوْلِي وَ قُمِ اهْرُبْ” (تكوين 43:27) حقاً يا أبي الراهب أوغريس، مستحق، لأنك عشت راهباً قبل أن ترتدي زي الرهبان، فكان سكناك الدير مجرد إعلان لقداسة سيرتك وبساطة إيمانك.
مع كثرة عدد مرات هروب أبونا أوغريس، صار خبيراً بهذه المهنة، واستغل جناحي النسر اللذان أعطي له، فبرع في الهروب متشبهاً بذاك الطفل الملك الهارب: “إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لِيُوسُفَ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: قُمْ وَ خُذِ الصَّبِيَّ وَأُمَّهُ وَاهْرُبْ إِلَى مِصْرَ” ( متي 13:2)
نعم.. هرب من بحر العالم و نجي بإمتياز في ميناء الرهبنة وذلك عندما سمع لقول معلمنا بولس الرسول:
“أمَّا الشَّهَوَاتُ الشَّبَابِيَّةُ فَاهْرُبْ مِنْهَا، وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالسَّلاَمَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ الرَّبَّ مِنْ قَلْبٍ نَقِيٍّ”
(تيموثاوس التانية 22:2 )
لقد نجح أبونا أوغريس في هروبه ولم تعيقه دموع أمه تلك التي كانت تصرخ قائلة: “آه أَوْهِ يَا بَنِيَّ لِمَاذَا ارْسَلْنَاكَ فِيْ الْغُرْبَةِ يَا نُوْرَ ابْصَارَنَا وَ عُكَّازَةُ شَيْخُوَخْتِنا وَ عَزَاءً عَيَّشَتْنا وَ رَجَاءً عَقِبُنَا.لَقَدْ كَانَ لَنَا فِيْكَ وَحْدَكَ كُلِّ شَيْءْ فَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِيْ لَنَا انْ نُرْسِلُكَ عَنَّا” (طوبيا 4:10)
أبونا الراهب أوغريس الأنبا بيشوي.. يبقي لي سؤال بلسان حال والدتك، لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هكَذَا؟ هُوَذَا أَبُوكَ وَأَنَا كُنَّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْنِ !!
وها هو يجيب مع السيد المسيح قائلاً: “لِمَاذَا كُنْتُمَا تَطْلُبَانِنِي؟ ألَمْ تَعْلَمَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَكُونَ فِي مَا لأَبِي؟” (لوقا 49:2)
أبي الراهب مبروك.. لقد أتممت المهمة بإمتياز وفي وقت قصير جداً.. أذكرني واذكر العالم كله.. فليعطنا الله يقظة روحية لنحقق ما قد خرجنا لأجله.