من أهم التحديات التي يفرضها مجتمع المعلومات والمعرفة الإلكترونية علي لغتنا العربية, أنه لأول مرة في التاريخ, توضع قيود علي استخدامنا للغتنا في حياتنا, فقد اعتاد أسلافنا أن يستخدموا اللغة العربية في محيطهم من أجل التواصل مع مجتمعهم, الذي كان محميا بمحيط جغرافي تستخدم فيه اللغة العربية كلغة أساسية في التعامل, إلا أنه من أهم ما واجهنا به مجتمع المعلومات, كسر الحواجز الجغرافية بين الدول والأقاليم, لقد تم اختراق الحماية والحدود .
ولما كانت السلعة الأساسية في مجتمع المعلومات هي المعلومة, فقد أصبحت اللغة التي تقدم بها هذه المعلومة, هي اللغة التي سيتم فرضها علي طالب هذه السلعة ومستخدمها وفي مجتمع المعلومات, إذا كانت السلع بغير لغة الأمة, فإن هذه الأمة ستذوب وتنصهر ضمن المجموعة التي تستخدم تلك اللغة, وهي ليست العربية, ومن هنا, فإن العمل علي توفير محتوي إلكتروني عربي ضمن مجتمع المعلومات, يقدم ويوفر احتياجات العرب من المعلومات المتنوعة بلغتهم العربية, يعتبر عنصرا أساسيا وحاكما في الحفاظ علي الوجود العربي في العصر الحالي.
إن القاء الضوء علي واقع المحتوي الإلكتروني العربي, يبين مدي الخطر الذي تتعرض له أمتنا العربية في مجتمع المعلومات والمعرفة, إذا لم يتم بسرعة وعلي مستوي المرتبة الأولي من اهتمامنا, اتخاذ التدابير التي تتيح للغرب أن يكونوا منتجين للمعلومات التي تهم مواطنيهم, فالتقديرات العالمية عن المحتوي الإلكتروني العربي تتراواح بين 0.5% و 1% من المحتوي العالمي, حسب تقديرات نشرها مؤتمر ذاكرة العالم العربي يراجع كتاب المحتوي الرقمي العربي علي الشابكة-الإنترنت نشر المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
ولإعطاء فكرة أفضل بالأرقام, نستشهد بموقع الموسوعة الحرة ويكيبديا: فقد بلغ عدد المقالات المنشورة باللغة الإنجليزية3 ملايين و413 ألف مقال, أما باللغة البولونية التي يستخدمها أقل من40 مليون نسمة فبلغ 728 ألف مقال- في حين بلغت عدد المقالات المنشورة إلكترونيا باللغة العربية100 ألف مقال فقطوعدد سكان العالم العربي حوالي 300 مليون. إن هذا الأرقام تدل علي تواضع المحتوي العربي علي الإنترنت إذا وضعنا في الاعتبار عدد السكان, بل عدد الناطقين باللغة العربية, وكذلك مدي إمكانات الدول العربية مجتمعة 22 دولة أنها أرقام مخيفة,تدق ناقوس الخطر علي وجودنا كأمة,إذا لم نتحرك بغير إبطاء لاحتواء هذا الموقف قبل فوات الأوان.
وهناك إحصاء تم في عام 2009, تبين منه أن اللغة العربية يستخدمها حوالي 292 مليون شخص, لايستخدم منهم شبكة الإنترنت إلا حوالي49.6 مليون شخص بنسبة 17% تقريبا من عدد الناطقين بالعربية يمثلون 2.9% ممن يستخدمون الإنترنت في العالم وذلك في مقابل عدد من الناطقين بالإنجليزية تبلغ نسبتهم 27.6% ممن يستخدمون الإنترنت في العالم, في مقابل عدد من الصينيين تبلغ نسبتهم 22.1% ممن يستخدمون الإنترنت في العالم, أما في إسرائيل فتبلغ نسبة من يستخدمون الإنترنت 72.8 من عدد السكان- وفي إيران 48.5 – وفي تركيا 34.5% – وفي الولايات المتحدة وكندا معا 74.2%.
وهنا لابد من مراجعة كتاب: المحتوي الرقمي العربي علي الشابكة الصادر عن المنظمة العربية للعربية والثقافة والعلوم, ففيه يوجد تفصيل للتجربة الكورية الجنوبية في تنمية المحتوي الرقمي, ومن المهم دراسة هذه التجربة لأن كوريا الجنوبية كانت تواجه منذ عقود قليلة نفس مشكلة البلاد العربية من قلة المحتوي الإلكتروني الخاص بلغتها.
وهناك تقرير أطلقته عام 2013 مؤسسة الفكر العربي عن المرصد الإحصائي مأدب وهو أول مرصد للمحتوي العربي الرقمي علي الإنترنت, وقد شملت هذه الدراسة فترة زمنية تمتد من عام 1990 حتي عام 2011, وتغطي المحتوي الرقمي المكتوب باللغة العربية, والمنتج من 22 دولة عربية صحيفة الأهرام ملحق الجمعة 15 مارس2013 واتضح من التصنيف الموضوعي للمحتوي العربي, أن مقدمي المحتوي أصحاب المواقع والمدونات والمنتديات, والمتلقين للمحتوي من الجمهور بمختلف شرائحه. يغلب عليهم الميل نحو المحتوي الرقمي الاستهلاكي الترفيهي سطحي النزعة وأن المحتوي الرقمي العربي يركز في معظمه علي العناصر والمواد التي يمكن توظيفها في الاستهلاك السريع, وفي مقابل ذلك, يخفت إلي حد كبير إنتاج واستهلاك عناصر المحتوي التي تساعد في بناء المعرفة وتنمية العقل وترشيد التعامل مع التحديات الكبري والحاسمة علي الساحة العربية وفهمها, أو التي يمكن القول: إن العلاقة فيها تنتقل بين المنتجين والجمهور من مستوي المنتج – والمستهلك السلبي إلي مستوي الشريك, والشريك الإيجابي الذين تقوم بينهما علاقة تفكيبر وفهم مشترك للواقع العربي ومستقبله.
ومن المشكلات الحادة التي كشفها التقرير مشكلة جودة المستوي فقد وجد أن نسبة المحتوي الأصيل المتفرد غير المتكرر في المحتوي الرقمي العربي, يصل إلي 20.5% فقط- أما الباقي فهو يعاني من التكرار والنسخ والنقل, ووجد أن 90.4% من المواقع العربية غير متوافقة مع شروط ومتطلبات محركات البحث, ومن ثم فهي عرضة لأن تكون غير مربية, أو تواجه صعوبات وعقبات في الوصول إليها عن طريق محركات البحث.
Email: [email protected]