برئاسة وحضور نيافة الحبر الجليل الأنبا مارتيروس أسقف عام منطقة شرق السكة الحديد، عقد اللقاء الشهرى بمركز “بى لمباس”، بكنيسة السيدة العذراء بمهمشة، حيث استضاف المركز الدكتورة مرفت صليب مدير عام مكتب رئيس قطاع المشروعات بالمجلس الأعلى للآثار والتى القت محاضرة هامة وشيقة عن العمارة الديرية في مصر.
بدأ اللقاء بصلاة افتتاحية قادها نيافة الأنبا مارتيروس ثم رحب نيافته بالحضور الكريم وقام المهندس اشرف موريس منسق اللقاءات بالمركز بتقديم الدكتورة مرفت صليب.
وفى مقدمته عن العمارة الديرية قالت الدكتورة مرفت صليب، العمارة هي الفن العلمي لإقامة المباني على أن تتوافر فيها شروط المتانة والانتفاع والجمال وتفي بحاجات الإنسان المادية والنفسية والروحية والاقتصادية والفنية الفردية والجماعية، في حدود أوسع الإمكانيات وبأحسن الوسائل في ظروف العصر.
من الحقائق الثابتة أن العمارة كانت دائماً في العصور الماضية هي الصورة الصادقة والتعبير الدقيق لحضارة الإنسان وتطوره، وسارت معها العمارة في تطور هادئ رزين لا يفارقها طابعها المميز، وكانت العمارة دائمًا تتميز بصفتين متلازمتين لا يمكن فصلهما، فإلى جانب الوجود المادي المستمد من مواد البناء وطرق الإنشاء، هناك المحتوى الحسي المبني من صفات فنية، وهي الغرض والوظيفة بأسلوب خاص وتعبير معين.
وقد ظهرت الرهبنة بقوة مع بداية المسيحية، بصورة منظمة، وكان لها أثر كبير في تاريخ المسيحية، ولا زالت لها تأثيرها حتى يومنا هذا.
يوحنا المعمدان حتى وهو يُعمد معمودية التوبة كان يعيش فى البرية، وهذه كانت بداية للرهبنة في فجر المسيحية، وايضا بولس الرسول قضى ثلاث سنوات في الصحراء العربية.
وحددت الدكتورة مرفت صليب الجماعات النسكية السابقة للرهبنة
جماعة الأسينيون وهم جماعة من اليهود، جزء كبير منهم يعيشون حياة تشبه حياة الرهبنة وكانوا يعيشون حول البحر الميت، واستمروا حتى بعد مجيء السيد المسيح إلى أن هجم تيطس الحاكم الروماني على اليهودية والبلاد المحيطة بها فتبددت هذه الجماعة، لكنهم تركوا لنا مخطوطات الكتب المقدسة وبعض الكتب الأخرى في مغاير قمران موضوعة في قدور من الفخار، اكتشفت عام 1947م.
جماعة السرابيوتاي وكان تجمعهم عند بحيرة مريوط في الوجه البحري وهدفهم تنقية الروح من الشوائب بالتقشف وكانوا متأثرين بالفلسفة اليونانية ويعيشون منعزلين في اكواخ.
حبساء السرابيوم في العصر البطلمي كانت وجهة النظر التقليدية حتى القرن التاسع عشر الميلادى، هى أن الرهبنة المسيحية مستقل في أصلها ولكن كان أول من تحدى هذا الاعتقاد فينجارتن، عندما أشار الي بيت للحبساء (كاتوخي) وقد هجروا ممتلكاتهم وعاشوا على الخبز الذي يقدم لهم من جيرانهم، وذلك في العصر البطلمي بالسرابيوم بممفيس.
وكان هؤلاء الرجال يحبسون ذواتهم داخل قلالى، وكانوا لا يتصلون بالآخرين إلا من خلال نافذة ضيقة فقط، وكانوا يستعملون ألفاظ “أب” و”أخ” بمعنى روحي، مثلما فعل الرهبان الاقباط.
كهنة هليوبوليس وهم جماعة شبه رهبانية تعيش في شركة وكان هدف هذه الشركة هو تحقيق ضبط النفس والاحتمال أو الجلد.ومن أجل هذه الغاية، جحدوا سائر الاهتمامات العالمية، وكرسوا أنفسهم للتأمل في الالهيات.
مجموعة “الجمنوسوفست“ بمصر العليا فى القرن الأول الميلادى
وقد تأسست هذه الجماعة بالقرب من طيبة بالقرب من تل علي النيل، وقد دعي هذا المكان «مكان للتأمل» «a place of reflection «يعيشون بلا ماوي ويكتسون بملابس زهيدة وثقافتهم هلينية ونسكياتها موجهه الي المثل الفكرية.
مجموعة الثيرابيث أي الشافيين في القرن الأول الميلادى
ويصفهم فيلو بأنهم موجودين في الاسكندرية وانشأوا موقعهم في مكان صحي بالقرب من ماريا، وكانت تضم الرجال والنساء وعملهم هو ممارسة شفاء النفس من الأمراض، مِثل المسرات، والشهوات والأوجاع والمخاوف والتي تؤثر عليها في حياتها المعتادة ، وكانوا يمارسون التأمل لمدة ايام وينسون الطعام لايام كثيرة متصله والتي تصل الي ستة ايام ويجتمعون بعدها للصلاة ثم لتناول وجبه جماعية بعدها.
وعرفت الدكتورة مرفت صليب كلمة “رُهْبان”
هى جمع “راهِب” مشتق من الرٌهبْة أو الجزع الذى يتولى ذلك الطراز من عًباد الرب , عندما يدخل فى مرحلة فحص الضمير وإمتحان النفس ومعرفتها على حقيقتها خصوصاً عندما يصل إلى بعض الإشراق الباطنى ويشرف على مرحلة الشخوص فى الأنوار العليا فتتولاه الرهبة وجزع “.
ولخصت الدكتورة مرفت صليب عناصر الرهبانية الى ثلاث
أولا : إعتزال العالم للتعبد
الرهبنة ليست هربا من مسئوليات الحياة , الرهبنة هدفها العمل الناجح والتفرغ للتعبد وانقطاع الإنسان للرياضيات الروحية والعقلية , هي انصراف للتأمل والتصوف , وخلود إلى السكون , والوجود الدائم في حضرة الرب الإله والتفكير الدائم فيه والإتحاد به وفى إرضاؤه والتفكير في عمل الخير دائماً .
ثانياً : نذر التبتل للرب
يقتضى من طالب الرهبنة نذر التبتل للرب, والبتوليه هي حياة العزوبة الاختيارية مدى الحياة.
” فإن غير المتزوج يهتم فيما للرب وكيف يرضى الرب, أما المتزوج فيهتم للعالم كيف يرضى امرأته, إن بين الزوجة والعذراء فرقاً, غير المتزوجة تهتم فيما للرب لتكون مقدسة في الجسد وفى الروح, وأما المتزوجة فتهتم فيما للعالم كيف ترضى رجلها (1كو 7: 32- 34).
وليس نذر البتوليه هو القضاء على الجنس البشرى لأن هذا الطريق هو طريق ضيق جداً ويسميه القديسين طريق القلة وهذا واضح من قول السيد المسيح : ” ليس الجميع يحتملون هذا الكلام إلا الذين وهب لهم (مت 19: 11).
ثالثا إختيار حياة الفقر(الفقر الاختياري)
قال الرب يسوع : ” لا يقدر أحد أن يخدم سيدين الرب والمال ” وملخص الخبرة الإنسانية أن محبة المال هي أصل لكل الشرور لهذا اشترطت قوانين الرهبنة اختيار العيش في حياة الفقر طواعية ويقنع الإنسان بحياة الكفاف مكتفياً بالضروريات فقط ويأكل من عمل يديه , ولهذا تشترط قوانين الرهبنة قبل الاعتزال في الدير تنفيذ وصية الرب القائلة : ” إن كنت تريد أن تكون كاملاً فاذهب و بع كل شيء لك وأعطيه للمساكين فيكون لك كنز في السماء وتعال وأتبعني ( متى 19: 21).
وإذا حدث أن توفر المال للراهب من عمل يديه فقد نصت قوانين الرهبنة أن يصير هذا المال ملكاً للدير أو الكنيسة من بعد حياته طبقاً للفكر الرهبانى : ” أنه إذا كان الراهب قد مات عن طلب الحياة في العالم بإيثاره واختياره , فمن كان ميتاً لا يرث ولا يورث , بل أنه لا يملك لنفسه شيئاً لأنه قد وهب حياته كلها للرب “
وحددت الدكتورة مرفت صليب نظم الرهبانية فى
أولاً : نظام العباد المتوحدين:
بدأ نظام الرهبنة بنظام التوحد وأول نظام أتبع في الرهبنة وسار عليه أول من ترهب مثل الأنبا بولا السائح والأنبا أنطونيوس , وهذا النظام الرهبانى هم الرهبان الذين يعيشون متفرقين منفردين كل واحد فى مغارة أو كهف فى الصحارى والجبال, ويتبعون نظاماً خاصاً فى صلاتهم وأصوامهم وعبادتهم وتأملاتهم , وحتى الأنبا باخوميوس الذي وضع نظام الشركة للرهبان الكثيرين الذين تبعوه , عاش هو نفسه على نظام العباد المتوحدين وكانت له مغارته البعيدة عن الدير , وعاش المتوحدين بالقرب من أديرتهم فىي مباني خاصة فيما بعد عرفت هذه المبانى بالمنشوبيات.
وفى نظام التوحد لا يضم المغارات ولا الكهوف ولا المنشوبيات سور واحد , و كان على الأنبا أو اب الدير أو رئيسه يتفقد الرهبان واحداً واحداً يرشدهم ويوجههم ويسأل عن سلامتهم وإحتياجاتهم ويجيب على أسئلتهم والدير بهذا المعنى يسمى موناستيريون ومعناه المكان الذي يضم مجموعة مغارات متناثرة كل منها مونا (وحدة) مستقلة بذاتها.
ثانياً : نظام الشركة أو الرهبانية الإشتراكية:
بدأ نظام الشركة فى الرهبنة عندما أجتمع حول القديس أنطونيوس عدد كبير من الشباب يريدون أن يتبعوا طريقه فى الرهبنة ولكنه تجاهلهم لمدة 20 سنة, ولما بلغ بهم الضيق اقتحموا بابه عنوة فإضطر يخرج إليهم, وكان على الانبا أنطونيوس حينئذ ” أن ينتقل دائماً كأب بين جماعات أولاده من مكان إلى مكان ” وعلى هذا المنوال تكون اول نموذج نظام الرهبانى القبطى ” أب يرعى أسرة روحية من ألأبناء المحبوبين المخلصين للطريق”.
وهكذا تكون أول نظام ” الرهبنة الأنطونية ” تلقائياً إنما بتمهيد روحى لا يعرف سر بدايته وسر نموه إلا من عاشه .
نظام الشركة الباخومى
نظام الشركة الباخومى هو صورة منظمة متقدمة فقد وضع هذا النظام الأنبا باخوم بكتابة قوانين ولهذا عرف هذا النظام باسمه ” النظام الباخومى” ,وعرف الأنبا باخوم فيما بعد بأسم “أبى الشركة” وهذا النظام فى الحقيقة يرجع إلى النظام الإشتراكى المسيحيى الذي وضعته الكنيسة الأولى حسب ما جاء نصه:
” وكان جميع المؤمنين معاً وكان كل شئ مشتركاً بينهم ” ( أع2: 44)
” وكان كل شئ مشتركاً بينهم … ولم يكن فيهم محتاج لأن كل الذين كانوا يملكون ضياعاً أو بيوتاً كانوا يبيعونها ويأتون بأثمانها … فيوزع لكل واحد حسب احتياجاته “( أع 4: 32- 34(.
وقد وضع الأنبا باخوم قوانين لهذا النظام الإشتراكىي ويسير الرهبان في خضوع لنظام صارم دقيق موحد فى يقظتهم ونومهم وصلواتهم , وأصوامهم , وطعامهم , واجتماعاتهم وعملهم , وللدير وظائف فنية وإدارية وهندسية … ألخ يعهد بها للرهبان الأكفاء وعلى الباقيين التعاون معه لأجل إكمال هذا النظام في تواضع وبذل آخذين نظامهم من المعيشة المشتركة التي كان التلاميذ يحيونها مع المسيح , وهذا النظام الإشتراكىي التعاوني البسيط وكل واحد له حقوق وعليه التزامات , ولا يسمح لأحد الخروج على النظام العام المرسوم ومن يخرج عليه توقع عليه عقوبة صارمة رادعه .
وعن أهم التجمعات الرهبانية اضافت الدكتورة مرفت صليب
التجمع الرهباني في نتريا (وداي النطرون حاليًا) في أقصى الشمال بقيادة الاب آمون.
التجمع الأساسي وقاده الأنبا أنطونيوس أبو الرهبان وكان في وسط الوادي (برية البحر الأحمر) في الصحراء الشرقية.
والأنبا بولا السائح الذي عاش قرابة تسعين عامًا في البرية دون أن يرى وجه إنسان حوالي( 250-341م(.
التجمع الثالث كان في طبناسين (جنوب الأقصر حاليًا) في أقصى الجنوب بقيادة الأنبا باخوم أبو الشركة ومؤسسها.
وتكونت أولى الجماعات الرهبانية في منطقة القلالى (نتريا ثم كيليا) حول قلاية القديس آمون، وبعدها جماعة القديس «مكاريوس» فى «بترا» بالقرب من دير أنبا مقار العامر في الفترة من (٣٨٤-٣٩٠م)، ومجموعة أخرى حول قلاية القديسين «مكسيموس ودوماديوس» حوالي سنة ٣٣٤م.
و خلال الفترة بين (٣٧٥- ٣٨٥م) تكونت مجموعة رهبانية لكل من يوحنا القصير والأنبا بيشوى في وسط شيهيت، وهذه التجمعات الأربعة كان لكل منها مجموعة من القلالى وكنيسة في الوسط لها كاهن أعظم، تطورت وكونت الأديرة الحالية.
ويعتبر الدير القبطيّ عبر الزمن أيقونة الحضارة القبطيّة المسيحيّة، لكونه حصن التراث الكنسيّ القبطيّ وخزانة النتاج الفنّيّ الثقافيّ والعلميّ الحضاريّ والمعماريّ القبطيّ على مرّ العصور ومنها أديرة وادي النطرون ودير الأنبا أنطونيوس في البحر الأحمر، ودير مار مينا العجائبي في الإسكندرية، ودير سانت كاترين في سيناء بالإضافة إلي العديد من الأديرة والمغاير الحالية والمندرسة .
كما ألقت الدكتورة مرفت صليب الضوء على المنشوبيات حيث تزايدت أعداد المنشوبيات «مسكن الرهبان»، خلال عهد الملك زينون، ومن بين الأديرة المندثرة بوادي النطرون، دير الأرمن الذي شهد خلال عهد الدولة الفاطمية، حينما تولى بدر الدين الجمالي – أحد الأرمن – منصبا وزاريا، وكان تكوين «دير الأرمن» على مساحة ثلاثة آلاف و٢٥٠ مترا، ودير إلياس «دير الأحباش» على مساحة ثلاثة آلاف و٣٠٠ متر، ومن الناحية الشرقية «دير الأنبا نوب» على مساحة ألفين و٧٠٠ متر، و«دير الأنبا زكريا» على مساحة فدان و٤ قراريط، و«يوحنا القصير» – الذي هدمه النمل الأبيض- كان على مساحة ١٦ ألف متر.
القلالى المتفرقة هي منشوبيات يقيم بها المتوحد (الشيخ) وتلميذه
ونظام الرهبنة فى مصر متنوع ففيه رهبان يسكنون الدير ورهبان متوحدين يسكنون في قلالى متفرقة حول الدير, ورهبان يسكنون نقر الجبال وكهوفها , ورهبان سائحون ليس لهم مكان .
ونحن هنا نتكلم عن المتوحدون الذين يسكنون فى قلالى حول الدير تسمى منشوبيات . – المنشوبية هي عبارة عن بيت صغير في الصحراء يحيط به سور عال يفصل المتوحد عن العالم الذي حوله , وقد لجا الرهبان إلى بناء هذه المنشوبيات لأن المنطقة التي تحيط بديرهم منطقة صحراوية ليس بها أحجار, ولا تقل المسافة بين منشوبية وأخرى عن 20 متراً حتى لا يرى المتوحد الآخر الساكن بالقرب منه, وباب المنشوبية في العادة بكون في الحائط القبلي, ويواجه الداخل فناء فسيح وفيه يوجد بئر ليشرب منه المتوحد ويروى مساحة الفناء أو خارجه، يقوم المتوحد بالعمل اليدوي والعمل في الأرض حتى يأكل من عمل يديه حسب قوانين الرهبنة المصرية, وتقع دورات المياه في الركن القبلي الشرقي من الفناء ضد اتجاه الريح حتى تأخذ الريح الروائح الكريهة بعيداً عن المكان, وفى المدخل الشرقي الذي يتركز فيه مباني المنشوبية ندخل على صالة المدخل وبجوارها حجرة للزوار وبجانبها حجرة للتلميذ وبجوارهما المطبخ ثم حجرة الصلاة والتعبد التي تكون دائماً صغيرة و ومن باب آخر في الصالة يؤدى إلى جناح المتوحد وبه حجرة كبيرة للعمل اليدوي ( مقاطف – حصير أو غيره ) وآخري مخازن وحجرة الصلاة بها حنيات توضع بها قناديل وكتب وصور أو أيقونات.
ويوجد نموذجين للمنشوبية
النموذج الاول: منشوبية المتوحد وتلميذة ويحيط بها سور عالي يفصلة عن العالم الخارجي وعن باقي المنشوبيات المنتشرة حولة وتتكون من مدخل وفناء فسيح به بئر ومساحة صغيرة مزروعة خضروات ودورة مياه وتتكون المنشوبية من ثلاث اجزاء جزء للراهب المتوحد بها غرفة خاصة تعرف بالمحبسة وجزء لتلميذه وبه غرفة محبسة وجزء للضيوف والذي يقع بالقرب من المدخل.
النموذج الثاني: المنشوبيات الكبيرة (مباني الشركة) ويعرف بالدير الصغير ويسكنه المتوحد الكبير وحولة تلاميذه وتوجد صالة اجتماعات والصلاة والطعام وحجرات خدمة وذكر تاريخ البطاركة أن المنشوبيات الكبيرة عرفت بأسماء الأباء الكبار أو بأسم البلد الذي ينتمي اليه الاباء قبل رهبنتهم.
مبانى الشركة الرهبانية المنشوبيات الكبيرة
وفي هذا النوع من المباني يسكن فيها متوحد كبير يتتلمذ على يديه رهبان أو طالبي الرهبنة يطلق عليهم في قانون الرهبنة أبناؤه وهذه المنشوبية الكبيرة عبارة عن سور ومبنى عليه حجرات هي قلالي للرهبان وفى الوسط فناء غير مسقف وفى جهة من المبنى صالة كبيرة تسع جميع الرهبان في المنشوبية الكبيرة وغالباً ما كانت تسمى باسم الآباء الشيوخ الكبار أو باسم البلد الذي كان ينتمي إليه الآباء قبل رهبنتهم.
كنائس منطقة القلالى
وكانت منطقة القلالى بها الكثير من الكنائس التي بنيت فى القرن الرابع والخامس حيث يذهب الرهبان المنتشرين فى المنطقة إلى الصلاه الجماعية فى القداسات، ويظهر انها كانت صغيرة الحجم تسع أعداد قليلة من الرهبان الساكنين فى المنشوبيات الكبيرة، وهذه الكنائس الصغيره مبنية على الطراز البازليكى (الطراز البازيليكى هو القاعة الملكية يتميز بصفين من الأعمدة تستخدم للأحتفالات الملكية) .
وهذه الكنائس بها ثلاث أجنحة وبها مذبح واحد على جانبيه حجرتين يفتحان على الهيكل الأوسط فقط, ويوجد على الجانب القبلى من باب الهيكل إنبل صغير أعلى من ارضية الكنيسة بثلاث درجات كما يوجد مصطبة ملاصقة للحائط الغربى لجلوس شيوخ الرهبان عليها, وعند المدخل الغربى للكنيسة يوجد حائطين بارزين لحماية مدخل الكنيسة من الرمال والرياح والعواصف الرملية التى كثيراً ما تهب على هذه المنطقة .
أما عمارة الأديرة في مصر فتذكر الإشارات التاريخية عنها أنها بدأت في فترة بطركية البابا ديوناسيوس (244–256م) حيث بدأها الراهب أنطونيوس والذي وصف بأنه أول من بدأ عمارة الأديرة في البراري وأنزل بها الرهبان.
منطقة كيليا (القلالي):
امتدت القلالي إلي حوالي 12 ميلًا وهي المسافة بين جبل نتريا وكيليا، ويرجع الفضل في تأسيس منطقة نتريا الي الاب امون ومنطقة كيليا إلي الاب أمون والأنبا انطونيوس .
إن ازدهار هذه المنطقة وامتلائهما بجماعة الرهبان وازدياد عددهم في عصر أمون يوضح لنا مدي اهتمام القديس انطونيوس، بذلك المركز الجديد الذي بلغته الرهبنة، ويبين أيضا اتساع المنطقة التي كانت خاضعة لإشراف الأب أمون الذي كان مع ذلك دائم الاتصال بالأنبا انطونيوس لطلب مشورته، وامتدت سلطات الأب آمون وأصبحت هذه المنطقة ذائعة الصيت وكانت معروفة للقديس مكاريوس الكبير، كما أن بعض الإخوة من اسقيط مكاريوس كانوا يقدمون إلى الأب آمون طلبا للمشورة، ذاك الذي كان متضعًا في طلب مشورة الآخرين في حياته – لذلك أهل لأن يكون صاحب مشورة.
تأسيس منطقة القلالي: (ورد في كتاب أباء الصحراء)
أتى القديس أنطونيوس مرة إلى جبل نتريا (الاسم القبطي) أو جبل البرنوج (الاسم اليوناني) لزيارة الأب آمون، وبعد أن تقابلًا قال الأب أمون له:
(أنه ببركة صلواتك قد تكاثر عدد الأخوة وأصبح من الضروري بناء عدد وفير من القلالي، فإلي أيه مسافة من هنا تنصح ببناء هذه القلالي، أجاب القديس انطونيوس دعنا نتناول طعامنا في الساعة التاسعة(تعادل الساعة الثالثة بعد الظهر حاليا) وبعدئذ نستطيع أن نتوغل في الصحراء ونحدد المكان، وإذ سار الاثنان معا حتى مغيب الشمس، قال القديس انطونيوس له: (دعنا نصلي ونرفع الصليب في هذا المكان حتى أن الذين يريدون بناء قلالي جديدة يمكن أن يبنوها…وحتى يتمكن الرهبان الذين يرغبون في زيارة هذا المكان من إتمام الزيارة بعد تناولهم الطعام في الساعة التاسعة قبل قيامهم للزيارة، وهكذا يفعل الرهبان الذين يسكنون هذا المكان ويرغبون في زيارة الرهبان في نتريا… وهكذا يتزاور الفريقان بدون انزعاج، فاندهش القدس أمون من حكمة الأنبا انطونيوس).
منطقة نتريا:
منطقة نتريا أو جبل برنوج هي تل أثرى مجاور لقرية ما زال يطلق عليها حتى الآن قرية البرنوجى في محافظة البحيرة، وهذه المنطقة الأثرية تبعد حوالي 8 كم غرب مدينة دمنهور وقد تأثرت هذه المنطقة من المذابح التي قام بها العرب المسلمون على مختلف العصور وأسمها كما قال لنا آباؤنا مشتق من أسمين عربيين هما (الدم + نهور) أو (تمن حور أي ارض الاله حور أو هور) وأندمج الأسمين فيما بعد وأصبحوا أسماً واحدا وهو دمنهور هذا الاسم خلد دماء الأقباط التي سفكت على أرض مصر من أجل تمسكهم بالمسيح .
وكان يعتقد أن أديرة نتريا والقلالى والأسقيط هي ثلاث أماكن تتواجد كلها في منطقة وادي النطرون, ولكن بعد البحث في هذه المنطقة أثبتت الحفائر والإكتشافات أن هذه هي منطقة نتريا المشهورة في التاريخ القبطي.
ومن أشهر مؤسسي الرهبنة في هذه المنطقة فيها هو القديس أمونيوس (أمون).
ويذكر تاريخ الرهبنة في مصر أن الأنبا أنطونيوس أب الرهبان أثناء زيارته للأنبا أمونيوس في منطقة نتريا شكا له من ضيق المكان وكثرة عدد الرهبان .. فسارا سوياً تاركين نتريا حوالي ثلاث ساعات حتى وصلا إلى منطقة لينشئ فيها ديراً للرهبان وقد أطلق علي هذه المنطقة فيما بعد أسم القلالى أو المنا.
منطقة القلالى – المنا – كيليا:
الاسم العربي لهذه المنطقة هو “المني” من الكلمة اليونانية “موني ” ومعناها “قلاية أو مغارة للتعبد والصلاة ”، ولقد ظلت هذه المنطقة طي النسيان حتي جاءت زيارة ايفلين هوايت للمنطقة نحو عام 1930 فبدأ إلقاء الضوء علي هذه المنطقة، ثم جاءت أبحاث العالم دي كوسون الذي عاين المنطقة عام 1936 وقام بعمل حفائر فيها ونشر نتيجة أبحاثه عن هذه المنطقة في كتاب بعنوان ”مدينة الصحراء في المني ”.
وعلى هذا يمكن القول أن الذي أسس منطقة القلالى-المنا- كيليا هو الأنبا أنطونيوس أب الرهبنة في العالم, وتقع منطقة القلالى بين بلدتي أبو المطامير وحوش عيسى شمالا وبلدة الدلنجات جنوباً وهى عموماً المنطقة الواقعة بين دمنهور ووادي النطرون وإتساع هذه المنطقة يبلغ مسافة 20 كم طولاً – 5 كم عرضاً وهى تحتوى على ما يقرب من 2500مبنى رهبانى ( منشوبية) ولكثرة هذا العدد أطلق عليها منطقة القلالى.
وعندما فحص القلالي وجدوت مبنية من الرمال المخلوطة بالطين مع نسبة من الأملاح الموجودة في البيئات شبه القاحلة، ثم تخلط بعض الماء وتضرب في بعض الأحيان علي هيئة قوالب طوب صغيرة .
ولقد انقسمت القلالي من حيث مساحتها إلي ثلاثة أنواع :
النوع الأول وهو الصغير ولا يتسع إلا لراهب واحد.
النوع الثاني وهو المتوسط ويتسع حتي خمسة رهبان.
النوع الثالث وهو الأضخم فيتميز بوجود قلاية لشيخ كبير في الجزء الشمالي الغربي، وبقية قلالي التلاميذ الصغار في الجزء الجنوبي .
والأسلوب المميز لعمارة القلالي في منطقة كليا هو القباب المنخفضة والتي أطلق عليها ظهر السلحفاء.
ومن أشهر القديسين الذين ذكرهم التاريخ وكانوا رهباناً فى منطقة القلالى هم القديس مكاريوس الإسكندرانى (ويعد هو مؤسس القلالي), والقديس إيفاجريوس (مار أوغريوس).
منطقة كيليا:
موقعها: يحدد العلماء موقعها في المنطقة بين بلدتي ابو المطامير وحوش عيسي شمالا وبلدة الدلنجات جنوبا وهي الواقعة حاليا بين دمنهور ووادي النطرون (15 كم جنوب دمنهور).
زار منطقة كيليا عدد كبير من الرحالة نذكر منهم الأب “يوحنا كاسيان ” الذي زارها حوالي عام 390-400م . كذلك الرحالة “بلاديوس ” الذي زار المنطقة خلال الفترة من 388 – 399 م . كذلك زار المنطقة القديس “جيروم ” وكان ذلك عام 381م . كما زارها أيضا الرحالة “روفينوس ” وكان ذلك حوالي عام 371م.
– ومما قاله عن هذه المنطقة ” يعيش في هذه المنطقة ( أي منطقة القلالي ) خمسة آلاف رجل بطرق حياة متنوعة،كل يعيش حسب قدراته واشتياقاته، فيسمح للشخص أن يعيش منفردا أو في شركة مع الآخرين . ويوجد سبعة خبازين في المنطقة يخدمون احتياجات هؤلاء الرجال واحتياجات المتوحدين في البرية القاحلة البالغ عددهم ستمائة متوحد، وفي أعماق البرية الداخلية توجد كنيسة عظيمة، وبجوارها ثلاث نخلات، وبجوار الكنيسة يوجد بيت ضيافة حيث يستقبل الضيوف القادمين لزيارة القلالي حتى يرحلوا بكامل حريتهم، ويسمح لهم أن يقضوا أسبوعا بلا عمل، أما بعد ذلك فيلتزمون بالعمل أما في الحقل أو المخبر أو المطبخ .
يتكوّن الدير القبطيّ عامة من بناء رباعيّ، تدخّلت الطبيعة الجغرافيّة الصحراويّة القاسية بشكل جوهريّ في خصائصه المعماريّة، ويتجلّى هذا في السور الضخم العالي العازل للحرارة والبرودة المحيط به، واستخدمه الرهبان كذلك كحصن دفاعيّ لصدّ هجمات البربر. لهذا السور مدخل واحد إلى الفناء الداخليّ الذي يضمّ عادة مجموعة من الأبنية العالية شبه المتلاصقة ببعضها، والمفصولة بممرّات مكشوفة ضيّقة، تؤمّن ظلًّا يحمي المارّة والمباني من الحرارة الشديدة، وتقلّل من تعرّضهم لأشعة الشمس المباشرة
يخبرنا تاريخ الأنبا مكاريوس أنه كان في آخر أيامه أربعة أديرة عامرة بالرهبان وهي دير البراموس و دير الأنبا مكاريوس و دير يحنس القصير و دير أنبا بشوي
وأنه لما كثرعدد الرهبان عند الأنبا مكاريوس بنى لهم كنيسة هي موضع دير برموس، ولما رأى أنها قد ضاقت بالمصلين بنى لهم غيرها هي موضع دير الأنبا مكاريوس الآن، وأما عن ديري يحنس القصير وأنبا بشوي فقد جاء عنهما في تاريخ الأنبا مكاريوس ما يأتي:
«وكان كثيرون يترهبون عنده … رسم لهم بهذه المساكن وجعلها تسمى بأسمائهم فبعضها كان يسمى دير الأب يحنس (القصير) وداخل منه دير أنبا بشيه (بشوي) وعاش الأب مقاره حتى ابصر الأربعة أديرة عامرة».
هذا ولقد تزايد عدد الأديرة حتى بلغ في أيام الأنبا بطرس البطريرك (٣٤) ستمائة دير للرهبان وجاء عن ذلك في تاريخه:
«وكان خارج مدينة الاسكندرية ستمائة دير للرهبان والراهبات عامرة مثل خلايا النحل سوى اثنتين وثلاثين صنيعة للراهبات أيضًا وكلهم ارثوذكسين».
وكان البطريرك يدبر الكل في أحوالهم وقد هدمها الفرس ايام البطريرك اندرونيقوس ولم تتجدد إلى اليوم، ثم بلغت في وادي النطرون مائة دير كما روى المقريزي وفي سنة ٥٧٥ بنى دير يوحنا كاما الشهير بالسوريان وصارت في أيام البطريرك شنوده (٥٥) سبعة وهي دير الأنبا مكاريوس و دير السوريان و دير الأنبا بشوي و دير يوحنا كاما و دير البرموس و دير أنبا موسى و دير يوحنا القصير
وهي التي كانت قائمة حوالي سنة ١٠١٥ في أيام ابن فضل الله العمري صاحب كتاب «مسالك الابصار في ممالك الامصار» بعد أن كانت حوالي المائة أيام الفتح العربي.
وقد زارها ايام السلطان الناصر فقال: «الديارات السبع» وهي في الوجه البحري وهو سفلى مصر ممتدة غربًا على جانب البرية القاطعة بين بلاد البحيرة والفيوم
ويذكر المقريزي هذه الأديرة السبعة بعد ابن العمري باكثر من قرن فيقول. «وادي هبيب وهو وادي النطرون ويعرف ببرية شيهات وبرية الاسقيط وميزان القلوب، فانه كان بها في القديم مائة دير صارت سبعة ممتدة غربًا على جانب البرية القاطعة بين بلاد البحيرة شمالا والفيوم جنوبًا» وكانت ثمانية في سنة ٩٢٥ش أي سنة ١٢٠٩م وهي كما ذكرها أبو المكارم المؤرخ القبطي في كتابه (الكنائس والديارات) دير الأنبا مكاريوس و دير السوريان و دير الأنبا بشوي و دير يوحنا كاما و دير سيدة برموس و دير أنبا موسى و دير الاسقيط الذي ترهب فيه القديس أرسانيوس معلم أولاد الملوك و دير يوحنا القصير
وقد تهدم ديرا يوحنا القصير ويوحنا كاما وبقيت الاربعة اأديرة وهي:
(ابو مقار- البراموس – السوريان –الانبا بيشوي)
العناصر التي يتكون منها الدير:
الاسوار والابواب والكنأئس والحصن والمعبرة والمائدة والقلالى والطافوس والمنارات وبئر المياة والمعصرة والجو والطاحونة والمكتبة والفرن
وبعد انتهاء المحاضرة استمع الحضور لكورال ثيؤطوكوس التابع لكنيسة العذراء مريم بمنطقة مهمشة بقيادة الشاعر كمال سمير ، حيث قدم ترنيمة “انا ريشة فى ايديك ياربى”.
ومن المعروف ان مركز (بي لمباس) يختص بدراسة أنشطة التراث القبطي والرحلات العلمية وورش عمل، وتبنى أبحاث علمية جديدة لتدريب صغار الباحيثن على الدراسة والبحث فى مجال القبطيات بالإضافة إلى كورسات خاصة بدراسة اللغة اليونانية ، لمدة ساعة ، ومناقشة نصف ساعة ، وذلك بقاعة مجهزة خاصة بمقر نيافة الأنبا مارتيروس وسيحاضر نخبة من السادة الأساتذة المتخصصين في التراث القبطي ، كالتاريخ والفن والآثار ، والأدب القبطي ، والموسيقي القبطية ، وتاريخ الرهبنة ، والمخطوطات ويقيم المركز محاضرة شهرية تقام فى الساعة السادسة والنصف من الجمعة الأولي من كل شهر.