السيدة العذراء أم النور هي حامية لبنان والقديس شارل مخلوف هو أشهر قديسي لبنان.
ولد يوسف، شاربل المستقبل، لأسرة مارونية متواضعة الحال لأب وام وقورين وكان أخر طفل للأسرة واحد من خمسة ولدين وثلاث بنات. السنة 1828 في قرية بقاعكرا أعلى قرية في لبنان بين غابات أرز لبنان 140 كيلو شمال بيروت. كان والده يقتني قطعة صغيرة من الأرض بالكاد تعول عائلته. كانت العائلة في سلام حتى أجبر أنطون مخلوف، الوالد، ان يسخر هو ودابته للجيش العثماني الذي كان يحارب إبراهيم باشا وكان يوسف في الثالثة من عمره. ذهب الوالد ولم يرجع من هذه السخرة.
القديس شاربل يتعبد – منحف الشمع – جبيل
بعد سنتين من وفاة زوجها تزوجت الأم من رجل تقي صار كاهنا بعد مدة وجيزة.
ذهب يوسف إلى مدرسة القرية وتعلم اللغة الأرامية، اللغة التي كان يتكلمها السيد المسيح. تعلم يوسف الصلوات والمزامير وخدمة القداس. كان يوسف أيضا يعمل بالحقل ويرعى بقراته وأغنامه. كان يوسف قد عثر على مغارة وضع فيها صورة العدرا وكان يرتاد هذه المغارة للصلاة.
كان ليوسف خالين راهبين حبيسين في دير مارأنطونيوس بقزحيا (على اسم القديس أنطونيوس الكبير أبو الرهبان).
كان يوسف يتردد عليهما ليتعلم منهما طرق الرهبنة والنسك مما دفعه للاشتياق للسير في نفس الطريق.
عندما وصل يوسف 23 سنة من العمر قرر أن ينضم لسلك الرهبنة. ذهب إلى دير سيدة ميفوق وأختار اسم “شاربل” وهو اسم قديس شهيد من كنيسة أنطاكيا استشهد سنة 107. ودرس الاب شاربل في دير مار قبريانوس ويوستينا بجوار قرية كفيفان وفي هذا الدير رسم كاهنا وكان سنه 31 سنة.
ثم أنتقل صاحب السيرة إلى دير عنايا حيث استقر إلى حين انتقاله. ومن العجب أن وضع حجر أساس دير عنايا كان في سنة 1828 نفس سنة مولد قديسنا. كان شاربل مواظبا على صلاة القداس واختار الطريق الضيق، طريق التقشف.كان يتناول وجبة واحدة في اليوم. كان لايحب أن يمتلك مالا حتى لو كانت حسنة مقدمة له شخصيا.
عائلة القديس شاربل – دير عنايا (الطفل يوسف علي شمال الصورة)
قضى مارشاربل 47 سنة في الرهبنة منها 23 سنة نسكية في محبسه. وعندما أتته الدعوة الي النسك وكعادة الرهبان أفصح بها لرئيس ديره ليأخذ موافقته لأنه لايمكن أن يصير متوحدا إلا بعد هذه الموافقة.
تردد رئيس الدير في منح الموافقة وكان شاربل ينتظر رد رئيسه. لم يكن القرار من الرئيس بل من أعلى. وهنا يجب سرد الحادثة التي أدت إلى موافقة رئيس الدير ليس فقط لاهميتها وشهرتها بل لأنه يوجد نظير لها في تاريخ كنيستنا القبطية في تاريخنا الحديث.
أهم ثلاث ركائز لروحانية مار شاربل: الانجيل – القداس– التشفع بأم النور
في أحد الأيام قرر رئيس الدير أن جمبع الرهبان لا يوقدوا أسراجهم ويسهروا حتى يستطيعوا أن يشتركوا جميعهم في صلاة نصف الليل. كان شاربل يعمل بالحقل عندما أذاع رئيس الدير هذا القرار. وعندما رجع شاربل إلى الدير ودخل قلايته لم يستطع إضاءة سراجه لفراغ الزيت منه.
طلب شاربل من المسؤول أن يملئ سراجه زيتا. لعبت في رأس الخادم فكرة ماكرة، ورغم أن زميله حاول أن يقنعه بعدم تنفيذها إلا أنه مضى وأتمها. مليء الخادم السراج ماء بدل الزيت وأخذه إلى قلاية شاربل. كان الخادم يريد أن يمتحن ما سمعه أن “روح الله مع شاربل”. انتظر الخادم وزميله خارج غرفة شاربل ليعلما ماذا سيحدث. ولدهشتهما رأيا نورا يخرج من غرفة شاربل. كان شاربل يقرأ ويصلي في قلايته على نور السراج. وحيث أنهما لم يعرفا مصدر هذا النور تحادثا سويا ما عسى أن يكون مصدر النور.
دير مار مارون في عنايا حيث أمضي مار شاربل معظم فترة رهبنته
ولدهشتهما صار صوتهما عاليا. أدت هذه الشوشرة إلى إيقاظ رئيس الدير الذي سألهما عن الأمر. أفصحا للرئيس ما قد قاما به من ملئ سراج شاربل بالماء. كان فكر رئيس الدير أولا كيف يكسر شاربل أمره وهذه أول مرة لا ينفذ شاربل أي أمر.
قرع رئيس الدير باب شاربل وبادره قائلا أنها أول مرة شاربل لا يذعن لأمر من رئيس الدير. أعتذر شاربل أنه لم يكن يعرف بالأمر وطلب مغفرة رئيسه. عندما خرج رئيس الدير من الحجرة ألح عليه الخادمان أن ما في سراج شاربل ماء وليس زيتا. دخل الرئيس مرة ثانية حجرة شاربل ودلق محتوى السراج على يده وتأكد أن ما به هو ماء وليس زيتا. هنا طلب رئيس الدير الغفران من شاربل. وافق رئيس الدير أن شاربل يصير متوحدا حبيسا.
المثوي الاخير لمار شاربل – دير عنايا
(في تاريخ كنيستنا القبطية موقف شبيه لما حدث لشاربل أعلاه. معروفا عن القديس الانبا أبرام أسقف الفيوم والجيزة الأسبق أنه كان جزيل العطاء. يحكي أنه حضر له يوما أحد من أبروشيته وشكا له أنه لايستطيع زواج ابنته لقلة امكانيته المادية لتجهيزها. قال له أنبا أبرام أن يأخذ طاقم الجلوس الخاص بالأيبرشية. فاخذه الرجل. وهنالك الكثير من أمثال هذه الحادثة. أدى ذلك إلى أن مندوبين من الإيبرشية سافروا إلى القاهرة ليشتكوا أسقفهم على هذه التصرفات لدى البابا كيرلس الخامس. أرسل البابا طالبا مجئ الانبا إبرام إلى البطريركية بالقاهرة، البطريركية القديمة في الازبكية. لم تتضمن رسالة البابا سبب الاستدعاء. ذهب الانبا إبرام لمقابلة البابا. كانت حجرة البابا مظلمة وكان نظر الانبا إبرام ضعيفا. خلع الانبا إبرام المعطف الذي كان مسافرا فيه. كان هناك خرم صغير في شباك الحجرة مرت خلاله شعاع رفيع من أشعة الشمس.
بعض الاظرف لرسائل مرسلة لدير عنايا
تهيأ للانبا إبرام أن هذا الشعاع المخترق الحجرة المظلمة ما هو إلا حبل بطول الحجرة. قام أنبا إبرام بوضع معطفه وعلقه على “الحبل” الذي رأه. بقي المعطف معلقا علي خيط الشعاع. عندما سأل الانبا إبرام عن سبب طلبه لحضرة البابا أجابه البابا أنه لنيل البركة من الانبا إبرام.)
أمضي شاربل 23 سنة في محبسه في الصلاة والتأمل. كان مواظبا على التقديس بلا انقطاع. عاش حياة التصوف نظره فقط إلى أعلى، إلى الله. الناسك هو حبيس أو أسير باختياره. كان عنده وكذا كان مكتفيا بأقل القليل.توجد الكثير من القصص عن حياة القديس شاربل منها:
الحية: سردها رئيس شاربل الاب نعمة: في موسم فلاحة الكرم ذهب الاب نعمة مع جمع من الرهبان للعمل. بينما يعملون اذ بافعي تخرج من الأدغال. كانت تدور أمامهم تفح فحيحا وترفع ذنبها طورا وتارة رأسها. عبثا حاولوا قتلها بالحجارة والعصى. عندما دب الخوف في قلوبهم نادوا على الأب شاربل. أتى الاب شاربل واتجه نحوها وقال لهم “تركوها . تركوها”. ثم اتجه إلى الأفعى التي تجمدت في مكانها وأشار لها بيده أمرا: “روحي من هون”. فسارت الأفعي في المسار الذي أشاره واختفت.
الجراد: سردها الأب سمعان الهمجي: في عام 1885 دهمت أسراب من الجراد حقول عنايا والقرى المجاورة. كانت هذه الأسراب بكثافة تكاد تحجب الشمس. أمر رئيس الدير الأب شاربل أن يصلي على ماء وأن ترش به الحقول. كل حقل رش بالماء نجا من فتك الجراد.
المجنون: سردها بطرس طنوس موسى: كان مجنونا يدعي جبرائيل سابا من قرية اهمج وقد صار خطرا على حياته وعلى آخرين. بجهد جهيد استطاعوا أن ياخذوه لعنايا. أخبروا الأب شاربل الذي أمر المريض بالذهاب إلى الكنيسة. أمره أن يجثوا ويتكتف فاطاع. قرأ الأب شربل على رأس المريض الإنجيل. أشار الاب إلى من احضروه أن يعودوا به إلى بيته. عاد هادئا معافي. سافر جبرائيل إلى أمريكا وتزوج وانجب.
تنيح الأب شاربل يوم عيد الميلاد سنة 1898. شاهد رهبان نورا حول وجهالمتنيح الحبيس شاربل. عقب دفنه شاهد العديد من أهالي القرية نورا يسطع من قبره.
منزل مار شاربل
أصدر الفاتيكان في سنة 1977 مرسوما أن مار شاربل رفع لمقام “القديس”وذلك في حبرية البابا بولس السادس.
منذ نياحته تحدث الآف المعجزات ببركات القديس شاربل. وصل لديره 21000 – 22000 رسالة من نيف وأربعين دولة محدثة بالمعجزات التي تمت عقب الصلاة والتشفع بالقديس. عدد كبير من أغلفة هذه الرسائل معلقة على حائط بالمزار.
الرحلة إلى دير القديس رحلة مباركة.
المرجع الاساسي:
شربل: انسان سكران بالله. ألاب بولس ضاهر. دير مارمارون – عنايا – جبيل – لبنان. أول طبعة 1966.
كاتب هذا الموضوع:
الدكتور أحمس لبيب باهور طبيب مصرى مقيم بالمملكة المتحدة له دراسات فى التاريخ واللغة القبطية. تتضمن مؤلفاته كتب عن تاريخ الطب خاصة فى العصر الفرعوني، التاريخ القبطى، معجم اللغة القبطية للاستخدام اليومي، وكتابان عن جده اقلوديس بك لبيب ووالده لبيب باهور عالما المصريات والقبطيات
الكنيسة في قرية بقاعكرا مولد القديس
دير مار انطونيوس بقزحيا حيث كان خالي القديس
دير سيدة ميفوق
دير مار قرياقوص ويوستينا – كفيفان