يحدث كلما تقدم العمر وتسرب الشيب إلى الرؤوس أو باعدت الأيام أو فرقت الأقدار بيننا وبين من كانوا جزءًا أصيلا من مخزون ذكرياتنا .
إنه الحنين إلى الماضي الجميل، ذلك الشعور بالاطمئنان الذي يغمرك عندما تذهب إلى بيتك القديم، أو تقلب أوراق ذكرياتك أو تطالع صورك مع الأهل والأصدقاء، وتسترجع شريط الذكريات وكيف كانت حياتكم اليومية في المدرسة والشارع والجامعة، وكيف كانت وأصبحت عادات الناس وأخلاقهم ..
كل منا يحن لهذا الماضي.. زمن الطفولة والشباب الخالي من المسئوليات والمخاوف.. كل منا يراها أيامًا دافئة في عمق العلاقات بين الأهل والأصدقاء والجيران.. كل منا عندما يرى من كانوا جزءًا من أيام طفولته وشبابه حتى ولو لم يكن يتفاعل معهم، لاشك يسعد بهم فجميعهم جزء من ماضيه الجميل ..
والحنين إلى الماضي قد يمتد للماضي البعيد الذي لم نعايشه أصلا، يدفعنا إليه تلك الصورة التي نراها في صور وأفلام الأبيض والأسود أيام الزمن الجميل .. روح الود بين أبناء القرية والحارة المصرية، وأخلاق وشهامة المصريين، والحياة الراقية والذوق الرفيع في الأدب وفى أشياء كثيرة، الحياة الهادئة والشوارع النظيفة الفارغة، والنفوس الطيبة الصافية، والترابط الأسري، والوجوه الجميلة بلا مساحيق.. إنها الحياة النظيفة !
ويشتعل الشوق إلى الماضى حينما نرى أو نتحدث إلى من كانوا أطرافا وشاهدي عيان على الماضي الجميل، وسرعان ما يتبادلان حوارا لا يخلو من كلمات “فاكر لما كنا..فينك وفين ذكرياتك الحلوة طمني عليك”
صحيح أن بعض الأنفس قد تغيرت وأعمتها المصالح والكراسي، وأن الحضارة ألبست الناس أرقى أنواع الملابس، لكنها جردت البعض من القيم الإنسانية!! وأن التكنولوجيا جعلت من وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف المحمولة أقرب من أي شئ، لكنها قطعت عمدا التواصل المباشر مع رفاق الماضي والحاضر ..
وبرغم ذلك لا ينبغي أن يأخذنا الإسراف في الحنين إلى الماضي إلى الحد الذي يُفقدنا التعامل مع الحاضر ..
فالذكريات جميلة والماضي مبهج، ولكن الماضي لنتذكره وليس لنعيش فيه إلى الأبد !..