سجلت ريشة الوحي على صفحات الكتاب المقدس العديد من الأسماء والألقاب للرب يسوع، من هذه الألقاب الجميلة ما سطره الرائي في (رؤ22: 13) “أنا هو الألِفُ والياءُ، البَدايَةُ والنِّهايَةُ الأوَّلُ والآخِرُ”. هذا الإعلان الرائع في صيغته البلاغية البديعة من الكلمات المترادفة، والمعاني المتشابهة يحمل في طياته العديد من المعاني الرائعة أذكر منها الآتي:
صاحب الكلمة النهائية
نعم! من أساسيات إيماننا المسيحي أن إلهنا هو “الضابط الكل” كما نقول في قانون الإيمان.
ياه! كم هو مثير ومزعج عندما نتخيل أن قوى الشر والطغيان هي التي تتحكم في عالمنا وننسى أن إلهنا كما قال دانيال هو ” مُتَسَلِّطٌ في مَملكَةِ الناسِ “(دا4: 25). وكما قال يهوشافاط “يارَبُّ إلَهَ آبائنا، أما أنتَ هو اللهُ في السماءِ، وأنتَ المُتَسَلِّطُ علَى جميعِ مَمالِكِ الأُمَمِ، وبيَدِكَ قوَّةٌ وجَبَروتٌ وليس مَنْ يَقِفُ معكَ؟ “(2أخ20: 6).
وكما قال الحكيم في سفر الجامعة “إنْ رأيتَ ظُلمَ الفَقيرِ ونَزعَ الحَقِّ والعَدلِ في البِلادِ، فلا ترتَعْ مِنَ الأمرِ، لأنَّ فوقَ العالي عاليًا يُلاحِظُ، والأعلَى فوقَهُما”(جا5: 8). ما أحوجنا أن نتطلع إلى إلهنا بإعتباره الضابط الكل. فمكتوب: ” الرَّبُّ في العُلَى أقدَرُ” (مز93: 4).
لقد أصدر الملك نبوخذ نصر أمراً بإلقاء الفتية الثلاثة في أتون النار المحمى سبعة أضعاف لعدم خضوعهم لأوامره … لكن الكلمة النهائية لم تكن للملك بل للرب الذي حفظهم، وشعره واحدة من رؤوسهم لم تحترق … ورائحة النار لم تأت على ملابسهم. (دا3: 27).
أصدر الملك داريوس حكماً بالإعدام على دانيال، فطرحوه في جب الأسود لأنه لم ينفذ أمر الملك، لكن الكتاب المقدس يخبرنا أن حكم الملك لم يكن الكلمة النهائية في القضية، وخرج دانيال من الجب دون أن تمسه الأسود الجائعة المفترسة بأي أذى، وأخذ يشدو ” إلَهي أرسَلَ مَلاكَهُ وسدَّ أفواهَ الأُسودِ فلم تضُرَّني، لأنِّي وُجِدتُ بَريئًا قُدّامَهُ، وقُدّامَكَ أيضًا أيُّها المَلِكُ، لم أفعَلْ ذَنبًا”. (دا6: 22).
دع القضاء يقول كلمته، لكن الكلمة النهائية للرب، ألم يتم القبض على يوسف بتهمة باطلة؟ وطرحوه في السجن؟! لكن طالما الرب لم يقل كلمته النهائية بعد، لذلك نرى يوسف ينتقل من الأسر إلى القصر ، ومن القيد إلى القيادة فمكتوب ” ثُمَّ قالَ فِرعَوْنُ ليوسُفَ:”انظُرْ، قد جَعَلتُكَ علَى كُلِّ أرضِ مِصرَ”. (تك41: 41- 44).
ألم يحكم هيرودس على بطرس وألقاه في السجن؟! .. لكن الكلمة النهائية كانت للرب الذي فك قيوده .. وفتح أبواب السجن أمامه (أع ص12)؟!.
ألم يُلقي بولس وسيلا في سجن فيلبي، وكانت عليهم حراسة مشددة؟! ومع ذلك كانت الكلمة النهائية للرب الذي أحدث زلزلة عظيمة وفتح لهم أبواب السجن (أع16: 26).
لم نسمع إطلاقاً عن إمرأة في سن التسعين قد أنجبت، أو مولوداً أعمى قد نال نعمة البصر، أو مريضاً بالبرص قد نال نعمة الشفاء بالتمام، والعديد من الأمراض التي وقف الطب عاجزاً عن شفائها لأن الكلمة الأخيرة لم تكن للطب إنما كانت للرب القدير، رب المعجزات(راجع تك21،يو9: 6 مت8: 3).
حتى الشيطان إذا أراد أن يحاربنا ويدمرنا، فإيماننا أن الأحداث التي يصممها الشيطان لأبناء الله لابد أن يعرضها أولاً على الله لكي يحصل منه على تصريح بها، وإذا لم يصّرح له الله بها، فمن المستحيل أن ينفذ شيئاً منها، والمؤمن يعلم جيداً أن الله قبل أن يعطي مثل هذا التصريح للشيطان، لابد أن يجري تعديلاته، ويضع لمساته الشخصية على الحدث، وهو الذي يحدد شكله وحجمه وأبعاده بدقة متناهية، حتى لا يفعل الشيطان بالمؤمن أكثر أو أقل مما حددته حكمة الله.
فالحدث قبل أن يأتينا لابد أن يمر على إلهنا أولاً ليأخذ منه تأشيرة جواز مروره ووصوله إلينا، أليس هذا ما حدث مع أيوب؟! فمكتوب ” فقالَ الرَّبُّ للشَّيطانِ: “هوذا كُلُّ ما لهُ في يَدِكَ، وإنَّما إلَيهِ لا تمُدَّ يَدَكَ”. … “ها هو في يَدِكَ، ولكن احفَظْ نَفسَهُ”(أي1: 12، 2: 6). ولقد أدرك أيوب هذا بالرغم من قسوة التجربة فنراه يقول:” عُريانًا خرجتُ مِنْ بَطنِ أُمِّي، وعُريانًا أعودُ إلَى هناكَ. الرَّبُّ أعطَى والرَّبُّ أخَذَ، فليَكُنِ اسمُ الرَّبِّ مُبارَكًا”(أي1: 21).
أليس هذا ما حدث مع الرسول بولس؟! فلقد أصابته تجربة مريرة فنسمعه يقول:” ولِئلا أرتَفِعَ بفَرطِ الإعلاناتِ، أُعطيتُ شَوْكَةً في الجَسَدِ، مَلاكَ الشَّيطانِ ليَلطِمَني، لِئلا أرتَفِعَ. مِنْ جِهَةِ هذا تضَرَّعتُ إلَى الرَّبِّ ثَلاثَ مَرّاتٍ أنْ يُفارِقَني”(2كو12: 7، 8).
لقد أدرك أن شوكته صناعة شيطانية لكنها بسماح من الله لأن جواز مرورها إليه يحمل توقيع الرب، ولو كان الله لا يريد هذا ما كانت قد وصلت إليه أبداً، ولقد كشف له الرب عن سر شوكته حتى لا يرتفع من فرط الإعلانات، وفي نفس الوقت لم يتركه بل وعده بالمزيد من النعمة ليعرف كيف يتعامل مع الشوكة.
نعم! ما يطمئنا أن إلهنا هو[الألف والياء] هو صاحب السلطان .. صاحب الكلمة الأخيرة، الخير صناعته، والشر بإذن منه، ومهما كان مصدر الشر إنساناً أو شيطاناً فهو دائماً لخيرنا … وسيفاجأ ويُذهل الشرير عندما يرى أن شره بنا قد تحول لخيرنا.
حتى الموت بكل سلطانه وصولجانه لم تكن، ولن تكون له الكلمة النهائية، فلقد أقام الرب يسوع شاباً وحيداً لأمه محمولاً في نعشه إلى مثواه الأخير(لو7: 14)، وأقام ابنة وحيدة لوالديها بعد أن كانت قد ماتت، والجميع يبكونها(مت9، مر5)، وأقام آخر بعد أن انتن في قبره(يو11)، وقام هو نفسه بعد أن ُصلب ومات ودفن متحدياً الموت (مت27: 60)، وقريباً سيأتي اليوم الذي فيه يقوم كل الراقدين في المسيح.( أع1: 11).
كيف لا ومكتوب عن إلهنا ” عِندَ الرَّبِّ السَّيِّدِ للموتِ مَخارِجُ”(مز68: 20). وهو الذي قال: “أنا هو القيامَةُ والحياةُ. مَنْ آمَنَ بي ولو ماتَ فسَيَحيا”(يو11: 25)، ولعل هذا ما دعا بولس يشدو قائلاً:” الذي نَجّانا مِنْ موتٍ مِثلِ هذا، وهو يُنَجِّي. الذي لنا رَجاءٌ فيهِ أنَّهُ سيُنَجِّي أيضًا فيما بَعدُ”(2كو1: 10).
عندما أدرك صاحب المزامير أن البشر مهما علت مكانتهم وسلطاتهم لن تكون لهم الكلمة النهاية لذلك شدا قائلاً بأغنيته الجميلة ” الرَّبُّ لي فلا أخافُ. ماذا يَصنَعُ بي الإنسانُ؟”(مز118: 6).
لأنه أصبح لا يخشى ما يقرره البشر، فمَنْ ذا الذي يقولُ فيكونَ والرَّبُّ لم يأمُرْ؟”(مرا3: 37).
يا له من أمر يطمئنا عندما نعلم أن إلهنا هو الذي يقرر النهاية كيف تكون؟ ومتى تكون؟
نعم! قد يصرح الأطباء بخطورة المرض ويرون إستحالة الشفاء منه بحسب النظريات العلمية، وقد يصدر القضاء حُكمه النهائي والبات في قضية ما، وقد يدبر الأشرار مؤامراتهم في الظلام مع سبق الإصرار والترصد، وقد يرى الناس الصورة ضبابية وهم يتابعون الأحداث، لكن الحقيقة أنه طالما الله لم يقل كلمته النهائية بعد، فلا يمكن أن تكون النهاية بعد، إذ أنه هو وحده (الياء، والنهاية، والآخِر) وكلمته هي الكلمة الأخيرة والنهائية والخاتمة.
–