قيل إنهم ملائكة أرضيون, أو إنهم بشر سمائيون..
الله يريدك أن تشابه الملائكة.
يريد هذه الأرض تسمو في طبيعتها, حتي تتحول إلي سماء.. وهي سماء في الحقيقة, مادام الله فيها.
وفي أعماق الإنسان طاقات كبيرة لم يكتشفها بعد ولم يستغلها. وإنه لصغر نفس أن نشعر أن طبيعتنا البشرية أقل من مستوي الوصية!
لما احترم الإنسان عقله ومرنه علي النمو باستمرار, وجدت في هذا العقل طاقات تستطيع أن توصله إلي القمر, وإلي كواكب أخري, وهذه الطاقات البشرية هي من صنع الله, وضعها في الإنسان.
والله قد وضع في الإنسان أيضا طاقات روحية عجيبة, يمكن أن توصله إلي قامات عالية جدا..
غير أن الإنسان لو عاش في المادة وتركها تسيطر عليه..
وإذا الإنسان اهتم بحواسه الجسدية فقط, وأهمل روحه, وأهمل تدريب طاقاتها الكامنة فيها, ولم يعط الروح مجالا للانطلاق من قيود الجسد ومن قيود المادة.
حينئذ, بسبب إهماله لروحه تضعف روحه, ويري وصية الله صعبة, ويري تنفيذها ضربا من الخيال.
ووصية الله ليست كذلك..
ليس العيب في الوصية, إنما العيب فينا, إن أهملنا أرواحنا, حتي تصبح في مستوي أضعف من أن ينفذ وصية الله, وأضعف من أن يتجه نحو الكمال..
وحتي إن كان الإنسان ضعيفا, فلا يجوز أن يركن إلي ضعفه, وإنما يتجه إلي قوة الله, لتقويه.
إن داود النبي يقول: قوتي هو الرب. وقد صار لي خلاصا.
لا يجوز لنا أن نسير في حياتنا, ومفاهيمنا بأنصاف الحقائق..
ربما نصف الحقيقة أن طبيعة الإنسان ضعيفة. ولكن النصف الآخر, هو أن هذه الطبيعة البشرية ليست واقفة وحدها, بل قوة الله معها.. وبقوة الله تستطيع هذه الطبيعة البشرية أن تفعل العجائب.
إننا لا نستطيع أن نفصل الحياة الروحية عن المعونة الإلهية.
لا نستطيع إطلاقا أن نتصور الإنسان واقفا وحده في الحياة, بدون الله وبدون نعمته..
فهذا لا يتفق مع محبة الله للإنسان ولا يتفق مع عدل الله الذي يعرف تماما ضعف البشر وقوة أعدائهم الشياطين..
إننا لا نعمل مطلقا بمفردنا بل الله يشترك معنا في العمل.
وكل عمل لا نشعر أن الله مشترك معنا فيه, لا نعمله, ولا نسمح لأيدينا أن تمتد إليه.
روح الله يعمل في الإنسان. وبروح الله يصبح الإنسان قوة عجيبة.
هذه هي شركة الروح القدس أي شركة روح الله مع الإنسان في العمل. وهنا يظهر سمو الإنسان, الذي يعمل الله فيه, ويعمل الله معه, ويعمل الله به أحيانا..
والله إذا أعطي للإنسان وصايا غير سامية, فمعني ذلك أنه يريد له الاستمرار في الضعف.
كمثل مدرس لا يعطي تلاميذه سوي مسائل سهلة, فينشأون ضعفاء, لم تتدرب عقولهم علي حل الصعاب وعلي حل المشاكل..
إنما الله يعطينا الوصية في سموها ويعطينا معها القوة علي التنفيذ.
وكلما ارتفعنا درجة من درجات الروح, يكشف لنا الله درجات أعلي من الكمال نتجه نحوها, حتي يستمر نمونا قائما, وتقوي طبيعتنا, وترتفع قامتنا الروحية, فتصل إلي وضعها الأصلي (صورة الله).
الله أعطانا روحه القدوس يعمل فينا, وأرسل ملائكته يعملون لأجلنا ومنحنا نعمته نعمل بها..
إذن نحن لسنا وحدنا في الحياة. والله لم يترك الإنسان ضعيفا, أمام وصايا صعبة, وأمام هجمات الشيطان القوي. فكل هذا لا يتفق وعدل الله.
هوذا وعد الله في الإنجيل تلبسون قوة من الأعالي, تنالون قوة متي حل الروح القدس عليكم, وحينئذ تكونون لي شهودا, لستم أنتم المتكلمين, بل روح أبيكم, أعطيكم فما وحكمة لا يستطيع جميع معارضيكم أن يقاوموها.
مبارك هو الرب في كل وعوده, ومبارك هو في كل معونته..
روح الله الذي معنا غير مرئي, ولكننا نراه بالإيمان. وكذلك الملائكة الذين يحيطون بنا, هم أرواح غير مرئية, ولكننا نراهم بالإيمان, ونوقن بقول الكتاب عنهم: أليسوا جميعا أرواحا خادمة, مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص (عب 1:14) وأيضا ملاك الرب حال حول خائفيه وينجيهم.
إذن لا تنظر إلي نفسك كمجرد إنسان مطالب بالكمال, دون أن تقرن ذلك بأنك هيكل لله وروح الله يعمل فيك..
هناك قوي روحية كثيرة تعمل من أجلك دون أن تدري أنت, ودون أن تراها, ولكنك بالإيمان تعرف أنك في الحفظ الإلهي, وفي العون الإلهي, وأنك لست وحدك.
آمن بيد الله التي تمسكك
وقل له كما في الترنيمة امسك يدي وقدني, كما تشاء..)
وإن ضعف إيمانك في يوم ما, قل مع إليشع النبي: افتح يارب عيني الغلام, ليري أن الذين معنا أكثر من الذين علينا.
نعم, إن روح الله, ونعمة الله, وملائكة الله, وأرواح القديسين الذين يصلون عنك وعن سائر المجاهدين لأجل البر, هم أكثر بكثير مما يحاربك في حياتك.
إذن اشكر الرب الذي يسندك وافرح بمعونته حتي إن لم ترها..