أنطون سيدهم .. ومشوار وطني
أنطون سيدهم .. والسياسة الداخلية
** أصابت هزيمة يونية 1967 عمق كبريائنا بل وجودنا.. وما أبعد الصورة اليوم بجلالها وروعتها عن ملامحها في تلك الأيام بمرارتها وسوادها وهوائها.
** طوال السنوات الماضية.. كنت أزور أوروبا, وكم كان يحز في النفس أن نجد صورة مصر قد اهتزت بعد سقطة 1967..
وكنا نحن المصريين نحس بالهوان بعد أن استغل العدو الإسرائيلي انتصاره في يونية, وأخذ في حملات مركزة ضاربة يشكك في قدراتنا ومعنوياتنا, وكيف استطاع الكيف الإسرائيلي أن يدمر الكم العربي في ستة أيام!.. وكيف تمكن الفكر الإسرائيلي المتقدم أن يحول العرب الذين لا يجيدون سوي صناعة الكلام أن يبعثرهم إلي أشلاء في ساعات!
ولم نكن نستطيع إزاء هذه الحملات المسعورة أن نغير شيئا من القناة التي سيطرت علي أذهان الأوروبيين. إننا عجزنا عن الدفاع عن أنفسنا ونحن نملك القوة البشرية وترسانات الأسلحة التي نملأ الدنيا صياحا بقدراتها التي تستطيع أن تلقي بعدونا في البحر!
هوان ما بعده هوان.. صورة مصر الرائعة صاحبة تاريخ مجيد عمره ستة آلاف سنة.. تاهت بل تمزقت.. وتمزقت معها الكرامة والكبرياء..
وفي الجانب الآخر.. إسرائيل تبدو أمام العالم في صورة براقة.. ولم لا؟!.. ألم تصبح المنطقة العربية تحت رحمتها؟.. وفي متناول يدها الطويلة التي تستطيع أن تضرب في كل مكان؟..
لقد سيطر علي الفكر العالمي والأوروبي فكرة أننا متخلفون حضاريا وصناعيا واجتماعيا, وأن إسرائيل هي واجهة الحضارة الأوروبية المتقدمة بكل مكوناتها.
وجاء 6 أكتوبر ليرفع عار السنوات العجاف التي تجرعنا فيها الإهانات, وليرد عنا حملات الزيف والأباطيل ويمحو نظرات الاستخفاف التي كانت تصفعنا ونحن نواجه أو نتعامل مع العالم.
لقد وضعتنا حرب أكتوبر في مكاننا الصحيح, وأعادت تأكيد وجودنا وإنسانيتنا, وبدأ العالم يصحو علي حقائق جديدة مسخت كل النظريات والحسابات, وعاد للإنسان المصري اعتباره وقدره, واستردت مصر وزنها السياسي والحضاري والدولي.
لقد غيرت الساعات الست من يوم 6 أكتوبر الصورة الدامية التي خلفتها هزيمة يونية.. ولمست -وأنا في الخارج- مدي التغيير في المعاملة, ومدي التقدير الذي اكتسبته مصر بحربه الماجدة التي كانت في نظرهم في حكم المستحيلات.
لقد نسف الجندي المصري الدعايات التي نفث العدو سمومها عنه.. وكم أسعدتنا تعليقات الصحف العالمية.. تقول التايمز: إن العرب حققوا الانتصار وبرهنوا علي أن قواتهم تستطيع أن تقاتل وأن تستخدم الأسلحة المعقدة بنجاح كبير, كما أثبت القادة أنهم يقودون ببراعة.
وكنت في عواصم أوروبا في سبتمبر الماضي أتابع ما كتبته الصحف والإذاعات عن اتفاقية فض الاشتباك الثاني.. وقد أجمعت الآراء علي أن الاتفاقية خطوة عظيمة نحو السلام.. وأشادت بموقف الرئيس أنور السادات وما يتصف به من حكمة وصبر وموضوعية.
ففي باريس أعلن المتحدث باسم قصر الإليزيه أن الرئيس الفرنسي والحكومة الفرنسية يشعران بالاغتباط حيال ذلك الاتفاق الذي يشكل بلا أدني شك عاملا مهما يدعم السلام, وأعلنت صحيفة لورور اليمينية الراديكالية, الاتفاق يمثل بداية لمسار السلام, وتحولا مهما في الاتجاه يقضيان تماما علي خطورة حدوث تحول فجائي للنزاع ليشمل القوتين العظميين.
وفي لندن قالت الصحف الإنجليزية إن الحكومة البريطانية تلقت نبأ توقيع الاتفاق المصري- الإسرائيلي بارتياح, وأصدرت وزارة الخارجية بيانا بأن الاتفاق يعتبر خطوة جديدة علي الطريق المؤدي إلي تسوية عادلة ودائمة في الشرق الأوسط.
وبعد.. فإن مصر رغم كل ما قدمت من تضحيات وجهود.. ورغم ما تحمل شعبها من غالي العطاء.. ومن دماء أبنائها وقوتها وعلي حساب اقتصادها القومي.. ورغم ما حققته في حرب أكتوبر سياسيا وعسكريا واقتصاديا للعرب.. وما كان يمكن أن يتحقق ذلك لولا قرار الحرب الذي أصدره الرئيس أنور السادات.. فلا حرب بدون مصر.. نقول رغم كل ذلك فمازالت الطعنات والهجمات والمزايدات.. ومن الذي يطعن؟.. إنهم رفاق السلاح!!.. وقد تحملنا الأهوال من أجلهم ومازلنا نتحمل..
ولكن السادات يسير.. والقافلة تسير.. ومصر بخير وفي غني عن كل وصاية من الحمقي والجهلاء والمغرضين وأصحاب الماضي الطويل في الابتزاز..
إن مصر تعي مسئولياتها.. وتعرف تماما طريقها.. وهي بكل ما تملك من طاقات الحب والتأييد تعطي ابنها السادات.. المزيد من الثقة.. والمزيد من الاعتزاز.. وليوفر الجاحدون المضللون أراجيفهم وأباطيلهم..
وحيا الله أكتوبر المجيد.