نظم المركز الثقافي اليوناني ندوة أعقبها حفل توقيع كتاب the Greeks and the making of modern Egypt وذلك بحضور نيكولاوس جاريليدس Nikolaos Garilidis سفير اليونان بمصر، خرستوس بابديس، رئيس الجمعية اليونانية بالقاهرة، وخرستوس ابوستولوبولس، المستشار الإعلامي بالسفارة، ويني ميلاخرينوديس، المستشار الثقافي بسفارة اليونان.
الكتاب يتحدث عن تاريخ الجالية اليونانية في مصر منذ عصر محمد علي حتى عصر جمال عبد الناصر ودورهم في تاريخ مصر. وهو صادر بالإنجليزية ويقوم المركز القومي حاليًا بترجمة الكتاب حيث من المنتظر طباعة النسخة العربية خلال عام 2020 تحت عنوان “جاليات جامحة”.
في بادية الندوة، عقد أ.د. الكسندر كيترويف، أستاذ التاريخ بجامعة هارفارد، ومؤلف الكتاب مقارنة بين العلاقات البريطانية الأمريكية وبين العلاقات المصرية اليونانية، لافتًا إلى التقارب الشديد بين الدولتين في كل حالة منهم، مشيرًا إلى العلاقات التاريخية الوطيدة بين بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية والتقارب من خلال عناصر عدة منها اللغة والقيم الأنجلوساكسونية والسياسة الخارجية.
وقال: “كان لدي تواصل مع اليونانيين في مصر من خلال طريقين، الأول شخصي والثاني أكاديمي، أما الشخصي فهو عندما غادر جدي الأكبر ألسكندر كيترويف اليونان وجاء إلى الإسكندرية وتزوج من سيدة يونانية كانت تعيش هناك، وكان ذلك في نهاية القرن التاسع عشر، وعاشت عائلتنا في مصر حتى غادرها جدي في ستينات القرن العشرين وكنت أنا أول جيل يولد في أثينا. وقد نشأت على القصص التي كانت يحكيها جدي وجدتي ووالدي عن الإسكندرية.”
وتابع كيترويف قائلًا: “عندما بحثت في الأوراق الخاصة بعائلتنا وجدت العديد من الوثائق بلغات متعددة وهو أمر ساحر، منها على سبيل المثال، شهادة ميلاد جدي والتي كتبت بالفرنسية والعربية، وشهادة عماده التي كتبت باليونانية. وخطابين أحدهم باللغة اليونانية والآخر باللغة العربية يفيد أنه تم توظيفه في شركة في مصر. تلك الوثائق توضح الكثير عن حياة كوزموبوليتانية (تعددية ثقافية) والموجودة في مصر.”
وذات مرة زرت –عائلتي وأنا- شاطئ للصفوة في أثينا، وكان هو أول شاطئ للصفوة في أثينا، وكانت هذه أول مرة أزور فيها شاطئ كهذا. وعندما عدت للمنزل حكيت لجدتي –والتي كانت تعيش في الإسكندرية قبل مجيئها لليونان- عن ذلك جمال هذا الشاطئ وفخامته، فقالت لي؛ ليتك رأيت شاطئ ستانلي، وهو الشاطئ الذي كان يعتاد الأوربيين زيارته بالإسكندرية، ثم حكيت لي قصصًا رائعة عن جمال الشاطئ وعن زواره من الأوربيين والمصريين والتواصل اللطيف بينهم، وعن الدفء الذي كان يشمل تلك العلاقات.
وتطرق الباحث إلى البعد الأكاديمي والذي يتمثل في الدراسة الموجودة في هذا الكتاب والتي بدأها في نهاية التسعينات، مشيرًا إلى أن اليونانيين في مصر يمكن رؤيتهم من خلال عدة صيغ أو رؤى من بينها أن اليونانيين في مصر استطاعوا أن يكونوا صورة مصغرة من اليونان وأن اليونانيين لهم دور في تشكيل مصر الحديثة. لافتًا إلى أن اليونانيين في الإسكندرية شكلوا في الفترة التي شملتها الدراسة أكبر تجمع لليونانيين بعد إسطنبول.
وألمح إلى أن هناك العديد من نقاط التقارب بين الشعبين، أهمها أن الشعبين لديهم قدرة على التواصل مع الشعوب المنفتحة على الآخر. وتطرق إلى التقارب الديني أيضاً بين الشعبين فالكنيسة اليونانية هي كنيسة أرثوذكسية وأيضًا الكنيسة المصرية هي كنيسة أرثوذكسية، بل أن هناك كنيسة يونانية أرثوذكسية ثانية في مصر، وكانت كل من الكنيستين اليونانية الأرثوذكسية والقبطية بالإسكندرية، وكلاهما تشير في تاريخ نشأتهما إلى القديس مرقس الرسول.
وقال كيترويف: ” من الأمور التي عمل فيها اليونانيين أيضا هي الجانب الاقتصادي، حيث كانوا يعملون في عدة مجالات من بينها القطن، وكان اليونانيين يسيطرون على ثلث تجارة القطن، والذي كان يعتبر عصب الاقتصاد المصري آنذاك. ولم يقتصر عملهم في مجال القطن على تصديره فقط بل عملوا على تحسينه، أيضًا وهناك أنواع من القطن بأسماء يونانية. وكان النوع الأفضل يحمل اسم “ساكيل” وهو على اسم يني أو جون ساكيليس. ومن الأمور اللافتة هنا هو أن البريطانيين لم يرضوا عن تطوير القطن لأن ذلك كان يجبرهم على تطوير مصانعهم، حيث كانت آلات تصنيع القطن مقسمة إلى أنسجة تتواءم مع أنواع بعينها، ولهذا بدأت لانكشاير في الضغط على مصر لمنع تطويره، لكن المصدرين المصريين والمهتمين بتحسين جودة المنتج المصري رفضوا ذلك واستمر متطوري القطن المصري في عملهم. وبسبب الانفتاح الاقتصادي الذي أدت له صناعة القطن أسس اليونانيون لصناعات الشكولاتة والتبغ والمياه الغازية، وهو أمر ليس بالسهل تأسيس صناعات كهذه.”
ولفت إلى أن الجانب الأدبي والثقافي كان أحد الأمور التي عملت على التقريب بين الشعبين، طارحًا مثال هو تسريكاس وهو أحد الكتاب اليونانيين الذين كتبوا عن مصر، وهو كان أمر مختلف لأنه كان يعيش في صعيد مصر وألف كتاب عن فلاحين مصر، كما ألف رواية بعنوان “نور الدين بومبة” وهي تتحدث عن ثورة 1919.
وتحدث كيترويف أيضًا عن جورج سكليروس والذي جاء إلى مصر بعدما أنهى تعليمه بسبب إصابته بالسل وعاش في مصر حتى توفي فيها عام 1919. اسمه الحقيقي جورج كونستانتينيديس، بينما كتب باسمه المستعار “سكليروس”. ولد في طرابزون عام 1878 وتلقى تعليمه بين طرابزون (تركيا) وأوديسا (روسيا حينذاك) ثم موسكو وينا (ألمانيا) حيث حصل على شهادته في الطب. ويعتبر سكليروس هو الأب الروحي للشيوعية في اليونان. كما كان لوجوده في مصر تأثير على الحركة الشيوعية في مصر، حيث كان لليونانيين دور مهم في الحركة الشيوعية في مصر. وهنا من المهم أن نذكر أن الشيوعية في ذلك الوقت كانت من أكثر الأفكار تقدمية وحداثة.
ثم تحدث عن اليونانيين في بورسعيد والسويس قائلًا: “عند الحديث عن الجالية اليونانية بمصر نتحدث عن الإسكندرية، فبالرغم من أنه كان لليونانيين في بورسعيد والسويس دور مهم، فقد تم استجلاب اليونانيين للعمل في حفر قناة السويس من عدة جزر يونانية، كما عمل اليونانيون ضمن العديد من الجنسيات كمرشدين في القناة وعندما تم تأميم القناة بقي اليونانيون للعمل إلى جانب المصريين. كما تعاون اليونانيين مع المصريين جنبًا إلى جنبًا في الكفاح ضد الاحتلال الإنجليزي.”