هذا شيء واضح مثل الشمس, تماما مثل واحد زائد واحد يساوي اثنين.. هذه عبارة شائعة, كثيرا ما ننهي بها مناقشاتنا. لكننا في نيويورك وجدناهم يعلمون الأطفال شيئا آخر. فعندما دخلت أحد فصول السنة الثانية الابتدائية في زيارة مع أحد كبار رجال التربية, رأيت علي السبورة المسألة التالية: إذا كان مع نانسي (19) قطعة حلوي, بعضها أحمر وبعضها لونه أصفر, فما عدد القطع من كل لون التي يمكن أن تكون مع نانسي؟ ثم كتبت المعلومة: يمكن أن تكتب سبعة حلول علي الأقل لهذه المسألة…
بعد لحظات رفعت تلميذة صغيرة يدها لتقول في دهشة: أنا كتبت ثماني إجابات, ثم أشارت إلي الصبي الذي يجاورها وقالت: لكن جيمي كتب سبع إجابات تختلف كلها عن إجاباتي!!. ابتسمت المعلومة وهي تلقي نظرة علي إجابات الصبي والصبية, ثم قالت: لكن كلها إجابات صحيحة.
هكذا تعلم الصغغار منذ طفولتهم أنه أحيانا يمكن أن تكون للمسألة الواحدة أكثر من إجابة صحيحة, وأنه يمكن أن تكون إجابات الآخرين مختلفة عن إجاباتي لكن يمكن أن تكون صحيحة أيضا! إنهم يتعلمون احترام الرأي الآخر, وأن الصواب قد يكون له أكثر من وجه.
(2) الشمبانزي يضحك
في حديقة الحيوانات, وقف الدب الأبيض تحت رشاش الماء المتساقط فوقه من سقف القفص الواسع. وشاهد في القفص المجاور له دبا ضخما أسمر اللون, فصاح به: ما الذي غير لونك إلي هذا اللون الداكن؟ أجاب الدب الأسمر: بل هو لوني الذي أحبه, ولولاه لما استطعت أن أعيش. قال الدب الأبيض: بل اللون الأبيض هو الذي يحمي الدب فيعيش.. إن لوني الأبيض يخفيني بين الثلوج فلا يراني الصيادون.. كما يخفيني عن الصيد الذي أصطاده فأستطيع أن أجد طعامي.
في تكاسل جلس الدب الأسمر, وقال: أما أنا فأعيش في الغابات, واللون الأسمر يخفيني بين ظلال الأشجار فلا يراني الصيادون, وأستطيع أن أتخفي فأصيد ما أشاء. ابتعد الدب الأبيض وهو يقول: هذا غريب.. فأنا مؤمن أنه بغير اللون الأبيض لا يمكن للدب أن يعيش! وفي إصرار قال الدب الأسمر: بل أنا واثق أنه بغير اللون الأسمر, لا يمكن للدب أن يعيش!.
سمع الشمبانزي هذا الحوار الغريب, فضحك في أسف, وهو يقول لزوجته: أجسام ضخمة, وعقول ضعيفة, فكل واحد منهما لا يريد أن يتصور نفسه في بيئة الآخر, فتجمد خياله وتعطل تفكيره.
(3) ليس مهما أن يوافقني!!
ذات مرة كتب قارئ ساخط علي أحد الكتاب الصحفيين, خطابا وجهه إلي ذلك الكاتب, يقول فيه: أنا لا أوافق إطلاقا علي ما كتبته في مقالك الأخير.. وفي نهاية الخطاب, أخذ يصف الكاتب بصفات غير لائقة ويوجه إليه مختلف الاتهامات. لكن الكاتب الذي اعتاد مثل هذا الأسلوب في رسائل بعض القراء, أرسل إلي القارئ خطابا قال فيه: يسعدني أن تزورني في مكتبي, لنبحث معا هذا الموضوع, وأستمع إلي آرائك بتفصيل أكثر.
وعندما قام ذلك القارئ بزيارته فعلا, استمع الكاتب إلي آرائه وتفهمها, وكذلك استمع القارئ إلي آراء الكاتب وفهم وجهة نظره. قال الكاتب: لم يكن من المهم أن يقتنع بوجهة نظري, ولا أن أوافقه علي وجهة نظره.. الشيء المهم أن كل واحد منا استطاع أن يفهم الآخر, وأن يدرك كل واحد منا أن الثاني قد كون رأيه نتيجة اقتناعه به, وليس تحت تأثير أية دوافع خارجية, أو لمجرد ترديد آراء آخرين!!.
(4) فوق الرمال
انطلقت سمكة من أسماك القرش خلف سمكة من أسماك التونة, تطاردها وتريد أن تقضي يعليها. لكن سمكة التونة كانت تسبح بسرعة وقوة, فطالت المطاردة. وبذلك سمكة القرش جهدا كبيرا, فأوشكت أن تمسك بسمكة التونة. وحاولت هذه الأخيرة أن تنجو, لكن قوة اندفاعها أثناء هربها دفعت بها إلي رمال الشاطئ! وبسبب عنف المطاردة, اندفعت خلفها أيضا سمكة القرش. وهكذا ارتمت السمكتان علي الشاطئ الرملي خارج الماء, وبدأت الحياة تتسرب منهما.
لما رأت التونة عدوتها تقترب من الموت مثلها, قالت: لو عرف المعتدي أن عدوانه كثيرا ا يقضي عليه هو نفسه, لتردد ألف مرة قبل أن يرتكب الأذي!!.
(5) نختلف بغير أن نتخاصم
ذهبت أزور صديقا في بيته. أثناء الزيارة ثارت مناقشة حامية بينه وبين زوجته: هو يريد السفر للعمل في أحد البلاد العربية, وهي تعارض سفره بشدة, لأنها حريصة أن يظل الأبناء تحت إشراف الأب ورعايته, وتؤكد أنه قادرة علي تدبير ميزانية الأسرة بغير حاجة إلي ابتعاد الأب عن أولاده.. أخذت أتدخل مرة بعد أخري لأهدئ من حدة الحوار إلي أن انتهت الزيارة بغير أن يصلا إلي اتفاق, وقد تصورت, بسبب حدة المناقشة, أن الخلاف بينهما سيتسع ويفسد علاقتهما.
لكن ما إن جاء وقت انصرافي, حتي تغير مجري الحديث تماما, وتبادل الزوجان كلمات مرحة وهما يطلبان مني تكرار الزيارة!! عندئذ اصطحبت الزوج معي إلي مسافة من الطريق, وسألته وأنا في أشد حالات الحيرة والقلق: لقد حسبت أن الخلاف استحكم بينكما, وأنه لا أمل في السلام بعد الآن!! ضحك صديقي ضحكة صافية مجلجلة وهو يقول: لا تخف.. لقد تعلمنا كيف نختلف بغير أن نتخاصم!.
Email:[email protected]