* تأكيد ثقة الفتاة بنفسها, وأنها قادرة علي حل المشكلات, وتقديم العون المعتمد علي التفكير والمعرفة
لعل من أسباب إقبال المراهقات بوجه خاص علي قراءة سلسلة روايات هاري بوتر, ما تتميز به بطلة الرواية بتقديم العون الفكري, المعتمد علي الدراسة والقراءة, لزميليها إنها كلمات واجهت الأبطال الثلاثة الرئيسيين, مشكلة, فإنها هي التي تعود إلي المكتبة, تبحث فيها, إلي أن تنجح في العثور علي الحل أو التفسير أو التوجيه.
وبهذا أصبحت الكتب والمكتبة بطلا رابعا دائما لأبطال الرواية, عن طريق استخدام البطلة الفتاة قدراتها في هذا المجال.
ولابد أن نلاحظ الأثر النفسي للقراء عندما يعثر الأبطال علي حل مشاكلهم الكبري عن طريق اللجوء إلي المكتبة والكتب. إن هذا يؤكد في وجدان القاريء أهمية القراءة للتقدم والنجاح في الحياة والتغلب علي المشكلات).
* الحاجة إلي الإحساس بالعدالة والمساواة في المعاملة
كما نلاحظ أن طلبة مدرسة السحر يهتمون جدا بمراعاة ما وضعته المدرسة من قواعد للسلوك, مثلا عدم الخروج خارج بنايات المدرسة ليلا بدون إذن.
وعندما يكسر أي طالب هذه القواعد, يكون الجزاء خفض درجات تقييمه في نهاية العام الدراسي, مهما كانت إنجازات من خالف القواعد أو قانون المدرسة.
وفي مقابل هذا, فإن كل فعل فيه شجاعة أو تضحية بالنفس أو إبداع أو ابتكار يكافأ صاحبه بعدد إضافي من الدرجات.
وبهذا تلبي روايات هاري بوتر حاجة القراء من المراهقين إلي أن يشعروا بأنهم يعيشون في عالم تسوده العدالة والمساواة, بغير قسوة ولا اضطهاد ولا تجاهل ولا محاباة في إنزال العقاب العادل المناسب عند ارتكاب الخطأ, أو المكافأة والتشجيع عند الإقدام علي أي تصرف يستحق التشجيع والمكافأة.
* الحاجة إلي الشهرة والاحترام
وتشبع روايات هاري بوتر حلم الشباب الصغير في الشهرة التي تعطيه الاحترام وتحميه من العقاب. فهاري بوتر يولد شهيرا, وفي كل مكان يذهب إليه يجد الناس يتعرفون عليه بسهولة, ويغفرون له الأخطاء, وتفتح له الأبواب بسبب شهرته. وبهدا يحقق القاريء من خلال ما يتمتع به هاري بوتر من شهرة, حلما من أكثر الأحلام إلحاحا علي عدد كبير من المراهقين.
* الوقوف بنجاح في مواجهة التسلط العائلي
أما الوقوف بنجاح ضد التسلط العائلي, فإن كل رواية من روايات هاري بوتر تؤكد عليه بإلحاح.. والقضية هنا ليست قضية طفل يتيم, بل إن أي فتي أو فتاة في بداية سن المراهقة يشعر أن الذين حوله من الكبار لا يفهمونه, بل يتصور أنهم يضطهدونه. ومن السهل جدا أن يجد الملايين من الشباب الصغير إشباعا لرغباتهم في الانتصار أثناء صراعهم مع تسلط الكبار, من خلال تغلب هاري بوتر الدائم علي تسلط الكبار من أفراد الأسرة التي يعيش معها.
* حلم الثروة
أما حلم الثروة, فهو حلم يداعب كل مراهق, ليحقق رغباته التي يعيق تحقيقها واقع أحوال أسرته المادية.. وهنا نجد هاري بوتر يفتح خزانة ميراثه في بنك السحرة, فيجد دائما كل ما يحلم به من ثروة الذهب التي تفوق الكنز الذي وجده علي بابا, فيتقمص القاريء شخصية هاري بوتر ويشاركه التمتع بثروته.
* حاجة الإنسان إلي إشباع الحاجة إلي الطعام
ولعل من أكثر المشاهد التي تتكرر في سلسلة روايات هاري بوتر, مشهد طلبة مدرسة السحر وهم يجلسون أمام الأطباق الفارغة في أوقات الطعام, والتي تمتليء فجأة بكل ما يخطر أو لا يخطر علي البال من أنواع الأطعمة والحلوي والفاكهة. [وقد أكدت الأفلام التي تم إخراجها عن روايات هاري بوتر, علي مشاهد موائد الطعام الباذخة المذهلة].
هل يمكن القول إن هذا المشهد المتكرر يداعب أحلام الإنسان في أن يتناول ما يشاء كلما أراد؟ إنه مشهد يتكرر كثيرا في الحكايات الشعبية التي تحقق فيها الأداة السحرية رغبة البطل في أن يجد أمامه في أية لحظة موائد أفضل من موائد الملوك والسلاطين!!
* انتصار الخير علي الشر
هذا بالإضافة إلي الموضوع الرئيسي في معظم قصص المراهقين والأطفال, وهو انتصار الخير علي الشر والأشرار, وهو موضوع تدور حوله كل روايات هاري بوتر, وفي أجواء جديدة أتاحتها الحياة في مدرسة السحر
* شكل الرواية البوليسية
وبجوار إشباع سلسلة روايات هاري بوتر لكل هذه الأنواع المختلفة الأساسية من رغبات وأحلام المراهقين, فإنها تستخدم أكثر الأساليب تشويقا, وهو أسلوب الروايات البوليسية, التي تتوزع فيها الاتهامات, تواجه البطل الأخطار, ثم يتضح في النهاية أن الجاني آخر شخص كنا نفكر فيه.
* سلسلة من أحلام اليقظة الجاهزة
إن قدرة الكتابة الفذة علي إشباع كل هذه الأحلام معا, كانت بغير شك وراء كل هذا النجاح غير المسبوق لهذه السلسلة من الروايات الموجهة للشباب الصغير.
إننا قد نجد عملا أدبيا يشبع هذه الرغبة أو تلك من رغبات الإنسان, لكن أن نجد سلسلة أعمال مرتبطة بنفس الأبطال ونفس المكان والجو العام, تشبع بنجاح كل هذه الرغبات معا, فهذا هو الذي حقق لهذه السلسلة من الروايات هذا الانتشار العالمي الواسع غير المسبوق بين مختلف فئات الشباب الصغير.
إن رولينج تقدم للشباب الصغير سلسلة من أحلام اليقظة الجاهزة, شديدة التشويق, لإشباع الرغبات, وعلاج الإحباط, وتحقيق كثير من الدوافع الأساسية للإنسان.
وليس السحر إلا مادة البناء التي وجدتها ملائمة وشديدة الجاذبية لكي تضفي بنجاح علي المادة القصصية شكل الحلم, الذي تتحقق فيه, بغير قيود, كل الرغبات.
لقد نجحت المؤلفة في أن تحمل الشباب الصغير علي الدخول في حلم يقظة مبهر, يستغرق أحيانا 308 صفحات, وفي أحيان أخري 870 صفحة, قبل أن يفيقوا ـ أولا يفيقوا ـ منه!
* إن نجاح المؤلف ـ أي مؤلف ـ ليس فيما يكتبه من عبارات أو كلمات علي الورق, لكن نجاحه يتم عندما يتعايش مضمون عباراته وكلماته داخل نفسية القاريء, فيرتبط بخبرات القراء واحتياجاتهم وأحلامهم, ويصير جزء من العالم الداخلي الخاص لكل منهم.
وفي النهاية, فنحن نكتب هذا لنبحث أسباب هذا النجاح الساحق لهذه السلسلة من الروايات في زمن تتراجع عادة القراءة, لكننا لا نحاول تقييم هذه الروايات من النواحي التربوية أو الأخلاقية أو الاجتماعية, فلهذا حديث طويل آخر.
يعقوب الشاروني
Email:
[email protected]