أنطون سيدهم .. ومشوار وطني
أنطون سيدهم .. والقضايا الاقتصادية
إن ما حدث ويحدث في أوروبا الشرقية وروسيا من تغييرات مهمة في شكل الحكم, والتطورات الأيديولوجية والتعديلات الجذرية في النظم الاقتصادية لهذه الدول سيستدعي إعادة النظر في النظام العالمي بأكمله, إذ ستتجه الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية إلي معاونة هذه المنطقة سياسيا واقتصاديا لإعادة رسم نظامها الديمقراطي لتتحول من النظام الديكتاتوري العنيف إلي الحريات والمؤسسات الديمقراطية السليمة, أما من الناحية الاقتصادية, فإن هذه الدول في حالة من الفقر والانهيار الاقتصادي التام مما سيجعل الدول الغربية تضخ لها الأموال الطائلة في شكل معونات وقروض حتي تتمكن النظم الحاكمة الجديدة لهذه الدول من القيام بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية واللازمة لتقدمها وملاحقة العالم في تطوره السريع.
إن علي العالم الثالث أن يعيد خلط أوراقه ويدرس أوضاعه بكل دقة وتمعن ومواقفه من الدول الأوروبية والأمريكية, ويخطط لسياسته المستقبلية تجاه هذه الظروف الجديدة, فإن الزلازل العنيفة التي أطاحت بالأنظمة الشيوعية ستقلب الأوضاع رأسا علي عقب في العالم بأكمله.
إن مصر لتعتبر علي رأس الدول النامية من حيث علاقاتها بالدول الأوروبية منذ قرون طويلة, هذه العلاقات التي تضرب في القدم تاريخيا وحضاريا, سياسيا واقتصاديا, هذه العلاقات المتشابكة, وكذا علاقتها القوية بالولايات المتحدة الأمريكية وخصوصا منذ اتفاقية كامب ديفيد, ومساعداتها لمصر سنويا بقروض ومعونات تصل إلي مليارين ومائة مليون دولار.. ما هو تأثير الأحداث الأخيرة علي هذه العلاقات وخصوصا السياسية والاقتصادية منها, لابد أنها ستتأثر تأثرا عميقا.
لقد كانت دول العالم تتوزع بين مؤيدين للقطب الأمريكي والنظام الديمقراطي الرأسمالي وبين مؤيدين للقطب الروسي والنظام الديكتاتوري الشيوعي, وقد أدي ذلك إلي مساعدة ومساندة كل قطب للدول المؤيدة له سواء سياسيا بالوقوف إلي جانبه في المحافل الدولية وأزماته الإقليمية والداخلية, أو عسكريا بامداده بالأسلحة الدفاعية والهجومية سواء كمعونات أو بقروض طويلة الأجل, أو اقتصاديا بالمعونات والقروض المالية لسد العجز في موازناته وتمويل خطط التنمية اللازمة له.
إن مصر لتعتبر من أكبر دول العالم الثالث التي تتمتع بتأييد الولايات المتحدة الأمريكية سياسيا, وكذا في الحصول منها علي أكبر المعونات والقروض التي تقدمها الولايات المتحدة الأمريكية للدول التي تساندها, ولا تساويها في هذه القيمة المرتفعة من القروض والمنح إلا إسرائيل, والتي تبلغ قيمة ما تقدمه لكل منهما سنويا حوالي المليارين من الدولارات الأمريكية, كما أن الدول الأوروبية الغربية, وعلي رأسها ألمانيا الغربية وفرنسا وإنجلترا, تقدم لمصر معونات وقروضا تبلغ حوالي الخمسمائة مليون دولار سنويا, سواء في شكل مواد غذائية أو أموال سائلة.
هنا يثور التساؤل: ماذا سيكون تأثير انتهاء الاحتكاك والتنافس بين القطبين الكبيرين علي العلاقة القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول التي تؤيدها, وقد أصبح هذا التأييد غير ذي موضوع؟!.. ماذا سيكون موقف الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية الغربية بعد أن توجه كل جهودها السياسية لمساندة دول أوروبا الشرقية لتتحول إلي النظام الديمقراطي, وكذا مساندتها اقتصاديا بضخ مبالغ ضخمة جدا لهذه الدول لإنقاذها من الحالة الاقتصادية السيئة جدا الغارقة فيها, وكذا النهوض باقتصادها وتنميتها للوصول بها إلي درجة مناسبة من التقدم الاقتصادي, وغالبا ما تقوم الدول الغربية بمشروع إنمائي يشابه مشروع مارشال الذي قامت به الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية لتعمير أوروبا والنهوض بها صناعيا واقتصاديا.
لاشك أن العلاقات الاقتصادية والسياسية بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية وبين دول العالم الثالث سيطرأ عليها الكثير من التعديل, فمن المتوقع أن تبدأ المعونات والقروض في الانكماش حتي تتلاشي, ولما كانت هذه المعونات والقروض أصبحت موردا مهما في تغطية العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات, بل هي سند ضروري لاستيراد المواد الغذائية للبلاد, فماذا سيكون موقفنا من هذه الحالة الخطيرة..؟
إنني أهيب بالقيادة العليا للبلاد أن تتولي بنفسها هذا الموضوع الحيوي والمهم بتكوين جماعات سياسية واقتصادية واجتماعية علي مستوي عال من الخبرة والعلم والجديةللإسراع بدراسة الموقف, والاحتمالات المختلفة للنتائج المنتظرة, واقتراح الحلول الجذرية والفعالة لمعالجتها, علي أن يبدأ في تنفيذها فورا وعلي وجه السرعة.
إن الأمور لا تحتمل التسويف, لأن الأمر يتصل اتصالا وثيقا بمستقبل الشعب المصري, والله الموفق.