أنطون سيدهم .. ومشوار وطني
أنطون سيدهم .. والقضايا الاقتصادية
إن الاهتمام الشديد الذي يبديه الرئيس أنور السادات ويعلنه في خطبه وأحاديثه بشأن الأمن الغذائي مؤشر مهم نحو مستقبل هذا الشعب, مما يدعونا إلي أن نقف جميعا صفا واحدا وراء أنور السادات للعمل علي إنماء الإنتاج الزراعي وتوفير الغذاء لكل فم, فإن الانفجار السكاني في العالم وعلي الأخص في الدول التي ليست بنامية سيجعل من المواد الغذائية عنصرا مهما بل وسلاحا خطيرا في يد منتجيها, أكثر تهديدا من سلاح البترول, إذ أنه من الممكن للإنسان أن يستغني عن البترول بالبحث عن بديل له, ولكنه لن يستغني بأي حال من الأحوال عن الطعام.
إن أسبابا عديدة أدت إلي تناقص المحاصيل الزراعية, فالإصلاح الزراعي بما هدف إليه من فوائد اجتماعية بتحويل الإقطاع إلي ملكية الفلاح للأرض التي يزرعها, قد فتت الملكية, وسيزداد تفتتها بالتوريث لأعداد كبيرة من الأولاد والأحفاد, وسيؤدي ذلك إلي أن تصبح الملكيات الغالبة تحسب بالقيراط والسهم لا بالأفدنة, كما أن ارتفاع المياه وراء السد العالي نجم عنه ارتفاع المياه الجوفية, في الأراضي الزراعية, وهو عامل خطير ترتب عليه نقص متوسط إنتاج الفدان من شتي المحاصيل.
والري والصرف ووسائل الزراعة المختلفة مازالت تستخدم الأسلوب البدائي الذي كان يتبعه المصريون القدامي منذ خمسة آلاف سنة, لقد قفز العلم قفزات واسعة وسريعة في طريق الميكنة, واستخدم الوسائل العلمية الحديثة في إنتاج المحاصيل الزراعية بكميات كبيرة وبلغ متوسط الإنتاج حدا لم يعرفه العالم من قبل. كل هذا مازال بعيدا عنا كل البعد.. لقد اتبعت الدول المتقدمة وسائل جديدة للري كما أعدت المصارف بنظام حديث لامتصاص المياه الجوفية التي تعتبر الخطر الأكبر علي المزروعات إذ تضعفها وتقلل من إنتاجها, كما وفرت الآلات الحديثة للحرث والبذر وجمع المحاصيل وتقليمها وتخزينها وفرزها تعمل علي تنمية وزيادة المحاصيل والمحافظة عليها.
إن علينا أن نستعين بالعلم الحديث والخبرات الأجنبية المتقدمة في خبراتنا المصرية في القيام بمسح شامل للمشكلة من جميع نواحيها, بإعداد دراسات دقيقة لبلادنا من شمالها إلي جنوبها -نوعية التربة, والجو ودرجات الحرارة والرطوبة بكل جزء منها, وكميات المياه المتوفرة, والمحاصيل الحالية بجميع أنواعها وكميات إنتاجها, والتكاليف التي يتحملها كل منتج, والأيدي العاملة, والمشاكل الاجتماعية, ودرجة كثافة السكان- كل هذه الدراسات ضرورية ومهمة.
إذا وضعت نتائج الدراسات المختلفة أمام العلماء والخبراء, أمكنهم وضع التخطيط الشامل لعلاج المشكلة بأكملها, إن من أهم المشاكل وأعوصها مشكلة تفتيت الملكية الزراعية, وتمسك كل مالك بزراعة المحاصيل التي يريدها وبالكيفية البدائية التي نشأ عليها, هذا مما ينبغي معالجته بحكمة وحزم, ووضع الحلول الكفيلة بتفادي مساوئ التفتت الخطير وأثره علي مستقبل الزراعة بمصر.
إن المحاصيل الزراعية التي تعود الفلاح المصري علي زراعتها منذ مئات بل وآلاف السنين وبنفس الطريقة التي كان يزرعها بها أسلافه, ينبغي دراسة كل نوع منها, وهل من المصلحة الإبقاء عليه أو إلغاؤه وإحلال أنواع أخري محله, وإذا تقرر الإبقاء عليه فتحدد الأنواع العالمية منه التي تعطي إنتاجا وفيرا, كما يعرف الفلاح بأحسن الطرق لزراعتها وخدمتها الخدمة العلمية السليمة, أما الأنواع الجديدة من الحاصلات التي يتقرر زراعتها, فيجب أن تعد لها الخطوات وتحدد الدورات الدقيقة المناسبة لها, وأن يكون التوجيه والإشراف علي زراعتها كاملا, وخصوصا في السنوات الأولي حتي يتعود المزارع علي الطريقة الصحيحة لممارستها ولتأتي بالإنتاج الكبير المفروض أن تعطيه.
ووسائل الري المتبعة حاليا ثبت عدم صلاحيتها علميا, فهي تضيع كميات طائلة من المياه بغير داع, كما أنها تسبب أضرارا كثيرة للأرض وللمحاصيل الزراعية, فينبغي تحديد الطريقة العلمية الصحيحة لكل محصول من المحاصيل وتدريب المزارعين علي اتباعها, ومراقبة ذلك بكل دقة, حتي لا يعود المزارع إلي الطريقة الخاطئة التي تعود عليها. إننا بذلك نعيد للأرض قوتها وللمحاصيل وفرتها, كما تتوفر لدينا كميات كبيرة من المياه لاستغلالها في زراعة مساحات شاسعة من الأراضي الجديدة التي يجب أن نتوسع في زراعتها ما دامت توفرت لدينا المياه اللازمة لها.
واستخدام الآلات الحديثة في جميع مناحي وخطوات الزراعة ضروري ومهم, فإن هذه الآلات ستوفر الأيدي العاملة التي بدأت تتضاءل لتحولها إلي الصناعة وغيرها, كما أن مشكلة حيوانات الخدمة وما تستهلكه من إنتاج زراعي في تغذيتها والذي بلغ ما استنفدته في بعض التقديرات ما يقرب من محصول مليون فدان نحن في مسيس الحاجة إليه لاستغلاله في إنتاج المحاصيل الغذائية, هذه المشكلة ستنتهي بإحلال الميكنة الزراعية, وسيؤدي إحلالها إلي زيادة كمية الإنتاج الزراعي.
إن لدينا مساحات شاسعة من الأراضي التي يمكن زراعتها بأعشاب خاصة لغذاء المواشي المنتجة للألبان واللحوم, وقد سبق لمؤتمر عقد في أسوان من علماء هيئة الأمم المتحدة أن قام بدراسات علمية دقيقة لزراعة مساحات كبيرة في تلك المنطقة بأعشاب من أنواع خاصة تزرع في أستراليا لا تحتاج إلي مياه كما أن ظروف الجو مناسبة لها, وتعتبر هذه الأعشاب من أحسن الأغذية لمواشي التربية, ويمكن لهذه المنطقة أن تعطي لمصر اللحوم والألبان والجلود وغيرها من المنتجات اللازمة لسكانها, هذه الدراسات موجودة ولم يهتم أحد بها أو يحاول تنفيذها.
إن مصر بلد غني, وقد كان علي مدي آلاف السنين يعطي أهله ما يكفيهم ويجود بما يفيض علي ما جاوره من بلدان بالغذاء والكساء في وفرة وغزارة, فهل من عمل جاد بعزيمة صادقة, وإيمان وطيد.. ليكون الله معنا ويسدد خطانا؟!