اجتمع المصريون حول مشاهدة “فيلم الممر”، بين معجب ومستهجن، ولكن هناك بعض اللقطات أثرت في وجدان المشاهد لصدق التعبير عنها من قبل نجوم العمل، الذين أثبتوا أن البطولة هنا تكمن في القصة والحالة وليست البطولة للأشخاص.
ومن هنا لا يُعتبر الفنان أحمد عز، بطل العمل بل كان الفيلم نفسه هو البطل، وجميع المشاركون قاموا بأدوارهم، منهم من أتقنها حد الإبهار ومنهم من تفوق على نفسه مما جعل الجماهير لا يرون غيره في الفيلم.
وكان على رأس هؤلاء الفنان محمد فراج، أو العريف هلال، العبقرية الفنية التي تركت بصمتها في دور الجندي الصعيدي المحب لوطنه بكل صدق وإخلاص.
جسد “فراج”، روح العزة وحُرقة إهانة الكرامة التي خلفتها هزيمة يونيو في نفوس جموع الشعب المصري وليس الجنود والعسكريين وحدهم.
لتأتي اللقطة العبقرية في حديثه مع قائده الفنان أحمد عز، وهو يعنفه لأنه وقف أمام الطائرات الإسرائيلية في الغارة دون ساتر، ليرد العريف نور ويملأه الانكسار والعزة في آن واحد “مش مهم أني أقتل عدوي.. المهم أنه يشوفني وأنا واقف عيني في عينه علشان يعرف إن أنا مش خايف”.
كما أنه جسد دور الجندي المحب، الذي أعجبته شجاعة “فرحة”، وقوته، فتحدث “فراج” بعينيه وكل جزء في جسده ليبعث في نفس المشاهدين مشاعر الحب التي جعلتهم يعيشون معهم حبه.
وشاركته في الإبداع الفنانة المصرية المتألقة ذات الإحساس العالي، والملامح المصرية الخالصة، صحبتها نظرات عيون نارية أشعلت قلوب المشاهدين قبل أن تشعل قلب العريف هلال، إنها “فرحة” فرحة العمل وبهجته، لم تكن بحاجة إلى أن تتحدث بالكلمات كي يفهم المشاهد ما تريد قوله بأحاسيسها وتعابير وجهها المعتز بمصريته.
جسدت فرحة أو أسماء أبو اليزيد دور امرأة بدوية مقاتلة تعمل مع الجيش المصري، لتحل محل أخيها بعد أن تم القبض عليه من قبل القوات الإسرائيلية، لتقف صامدة إلى أن يأتي مشهد إصابة العريف هلال فيختلع قلبها، ومن بعده تقف صامتة وصامدة وهي تترك أخيها وحده في سيناء الحبيبة، لتودعه بنظرات يملأها الخوف والقهرة والاعتزاز والحب في آن واحد.
وجسد الفنان محمد جمعة، بملامحه المصرية شخصية أبو رجيبة البطل السيناوي وأخو فرحة، الذي يتعاون مع الجيش المصري دون أن يأبه للصهاينة وعواقب بقاءه في أرضه، رغم توافر الفرصة للفرار، يتحدث “جمعة” بعينيه قبل لسانه، وبقوة حوار، وصلابة بنيانه.
أما عن العبقري والجوكر، النجم الكبير إياد نصار الذي جسد دور ديفيد الضابط الإسرائيلي، وقد أحكم تجسيد الشخصية إلى الحد الذي جعل الجمهور حائر، وكأنهم يريدون استنساخه لتجسيد أكثر من شخصية في هذا العمل.
بدأت محطات تأثير “ديفيد” في العمل حينما وقف أمام صورة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقال في نظرة يملأها الحقد والغل والكبر والحسرة والتشفى في آن واحد “لسه بدك ترمينا في البحر يا جمال.. رح نشوف مين بيرمي مين”، ثم تنتقل عبقريته من خلال محطات أبرزها حين كان يتودد أمام الفنان أحمد عز ثم يتحول فجأة محاولًا الانقضاض عليه بنظرات خائنة.
جسد نصار دور القوي الشامخ المتكبر والجبان الذليل المنكسر في تحول سيجالي، فالتحول يكون بالمشهد ذاته ما جعل الجمهور يتنفض غضبًا من شدة تأثره بإبداع “نصار”
وعن الفاكهة السينمائية، الذي أغضب الكثير من الصحفيين، الفنان أحمد رزق، الذي جسد دول الصحفي إحسان، فهو صحفي فاشل مثلما وصف نفسه بالفيلم.
ومن أهم مميزات “رزق” في تجسيد هذه الشخصية أنه أداها ببساطة دون تكلف فخرجت الجمل تلقائية دون استظراف أو مبالغة، فوصلت إلى قلب المشاهدة، ما جعله يتقبله مبتسمًا بغض النظر عن رؤيتهم له كشخص جبان خائف من الحرب، وذهب إليها ليغير حياته بعد أن سئم العمل مع الراقصات.
أدى “رزق”، تحول الشخصية ببساطة شديدة، جعلت المشاهد يضحك في فيلم حربي من قلبه، وإن كانت هذه ليست صورة المراسل الحربي على أرض الواقع على الإطلاق.. فميدان العمل في تلك الساحة لا يرحب بالجبناء على الإطلاق.
وقدم النجم الشاب محمود حافظ، شخصية عبقرية، وهي الصور إسماعيل والذي لعب سيجالًا مع الفنان أحمد رزق، ليقدمان لنا مشاهد كوميدية عبقرية ذكرتنا بشخصية الفنان إسماعيل ياسين مع الشاويش عطية، فهو الصول الصلب المغوار وقت المعركة، سريع الغضب، خفيف الظل، وتملؤه الجدعنة والتهكم والجدية، فمثل معظم نجوم الفيلم، قد أحكم تجسيد المتناقضات بروح مصرية مبدعة، كان إسماعيل يشبه الجنود المصريين إلى حد جعلنا نتعايش مع الحالة وننسى أننا نشاهد فيلمًا سينمائيًا.
وجسد الفنان محمد الشرنوبي شخصية، الجندي المصري المحب الذي يتخلى عن حبيبته بعد أن ذاق مر الهزيمة والانكسار، مست شخصية الشرنوبي الجزء الشخصي في حياة الجنود وقت الحرب.
وقام الفنان أمير صلاح الدير، بدور عامر ، الجندي الذي يرفض أن يعود إلى معسكره، بعد أن شعر أنه لا ثمن له، تحدث عامر عن النوبة وما قدمته من تضحيات في جمل بسيطة.
وعن “رمزي”، وهو النجم الصاعد الواعد الفنان ولاعب الكرة السابق أحمد صلاح حسني، الذي جسد دور ضابط الصاعقة البحرية بكل خشونة وصرامة، ولكنه في لقطة يغلبها الحرقة استطاع أن يحفر بصوت “رمزي” الحزين المقهور والباكي على فقدان ابن خالته “محمود”، وجعًا في قلوب المصريين ليذكرهم بمن لا ينسوهم دائمًا، وهم شهداء الوطن.
جسد دور محمود ابن خالة رمزي الفنان أحمد فلوكس، صاحب الملامح المصرية القوية، والروح المحاربة، فما كان أصدق من انفعالات الضابط محمود الذي يأبى الانسحاب ويفضل الهزيمة، إلى أن يقع أسيرًا في يد العدو الصهيوني، فيظهر بسالته وشجاعته وقوته، رغم القيود والأسر، وما أن يبدى انكساره حين يعلم بأن أمه سألت عنه، فيتحول التحدي إلى وجع وانكسار.
الفنانة أنعام سالوسة لم تقدم سوى مشهدين، فهي أم محمود التي تبكي دون دموع وتتحدث بقلب أم صادق وإحساس ملتهب، وشعور متيقن بأن ابنها لازال على قيد الحياة.
وأتت بساطة وتألق روح الفنانة هند صبري، والتي طالما ما جسدت دور المرأة المصرية ببراعة وروح قبل الجسد والكلمات، لتستوقف الجماهير في مشاهد بسيطة، فهي زوجة القائد المهزوم التي تمده بالقوة وتدفعه نحو النصر، وذلك في كلمات قليلة ولكن بعيون قوية تشبه المدفع “الكوابيس مبيتجيش غير للكباااااار الكباااار يا نور.. علشان يخلوها طاقة نور”.. مشهد بسيطة ولكنه أصبح وسيظل علامة في السينما المصرية لقوة الإحساس التي جسدته.
جسد الفنان أحمد عز دور القائد المصري ببساطة عادية، ولكنه في المشهد الأخير مع الفنان إياد نصار استطاع أن يؤثر في المشاهدين ويستحوذ على اهتمامهم بعد مشاهدة الفيلم لفترة حيث قال “أنا لو قتلتك هكون بريحك.. أنا هاخدك معايا مصر”، قالها الفنان بحُرقة قائد يريد الانتقام، وغضب الصديق لفقد صديقه وجنوده ببراعة.
وعلى الرغم من بساطة المشهد الذي جسده الفنان شريف منير، إلا أنه مش وجدان الشعب المصري لأنه تحدث عنهم وعن حبهم للفكاهة والسخرية باعتبارها نقطة قوتهم وتحملهم لمشاق الحياة.
إن التفات المشاهد المصري حول فيلم الممر، يمثل شغف المشاهد المصري لمعرفة تاريخ بلده، ولمشاهدة صناعة سينمائية حقيقية بعيدا عن الأفلام الخاوية من الهدف والمعنى.