ستعلن الكنيسة الكاثوليكية، الأحد القادم 13 أكتوبر ، قداسة كل من الكاردينال جون نيومان من إنجلترا، بالإضافة إلى الراهبة الهندية مريام ثيريزا، والراهبة الإيطالية جوسيبينا فانيني، والراهبة البرازيلية دولسي لوبيز بونتيس، والسويسرية مرغريت بايز.
ولد الكاردينال نيومان في لندن عام 1801، وتوفي في ايدباستون في برمنغهام عام 1890. كان قسًا أنجليكانيًا ليصبح فيما بعد كاهنًا كاثوليكيًا. كان لاهوتيًا وشاعرًا وشخصية مهمّة في تاريخ إنجلترا الديني في القرن التاسع عشر. ويُعدّ نيومان من الشخصيات البارزة في حركة أكسفورد التي نشأت في جامعة أكسفورد عام 1833، لربط الكنيسة الأنجليكانية بالكنيسة الكاثوليكية الرومانية. وهو يحظى بالتقدير من قبل كل الكنيسة الكاثوليكية والأنجليكانية.
يستطيع نيومان أن يقدّم نموذجًا للكاثوليك في الحياة العامّة:
■ الإيمان
نيومان هو قديس حديث للغاية، عاش في القرن التاسع عشر، في عصر العقلانية، وفي عصر داروين وماركس. لقد عاش في عصر يفهمه بشكل جيد، بالتالي تساعد كتاباته الناس على الإيمان، في وقت يصعب فيه الإيمان بالله، كما هو حال اليوم.
■ الحياة المسيحية
جاء في عظة البابا بندكتس السادس عشر في قداس تطويب نيومان عام 2010: “يقدّم لنا شعار الكاردينال نيومان (الحوار قلبًا إلى قلب)، نظرة إلى فهمه للحياة المسيحية كدعوة إلى القداسة، تُختبر كتوقٍ عميق في القلب البشري للدخول في شركة عميقة مع قلب الله. يذكرنا بأن الأمانة للصلاة تحوّلنا تدريجيًا إلى الشبه الإلهي. كما كتب في واحدة من عظاته الكثيرة: ’عادة الصلاة، وممارسة الرجوع إلى الله وإلى العالم اللامنظور في كل الفصول، في كل الأماكن وفي كل الإحتياجات، بكلمة، عادة الصلاة تملك ما يمكننا أن نسميه تأثيرًا طبيعيًا يحمل إلى روحنة ورفع النفس. لا يعود الإنسان ما كان عليه سابقًا، وتدريجيًا… يتشرب الإنسان أفكارًا جديدة، ويمتلئ مبادئ نضرة‘”.
■ الصداقة
كان لنيومان العديد من الأصدقاء المقربيّن في حياته، من رؤساء وزراء إلى المشردين. وكانت رسائله التي يبلغ عددها 20 ألف رسالة، شاهدة على عمق صداقاته. أما في حياته الرعوية فقد ساعد شخصيًا الكثير من الناس، ماديًا وروحيًا. في الحقيقة، وعلى الرغم من أنه ألّف العديد من الكتب المهمّة حول اللاهوت والكنيسة، إلا أنه كان مؤمنًا بأن الطريقة الرئيسية لنقل الإيمان تنبع من الصداقة. فمن الممكن مستقبلاً أن يُعرف بأنه قديس الصداقة.
■ مخاطبة الجميع
يتمتع نيومان في الوقت الحاضر بمتابعة بين قبل جميع الكاثوليك بمختلف تياراتهم، بما فيهم بعض المحافظين، وممن يعتبرون أنفسم تقدميين. وفي عصر الاستقطاب الكبير، بما في ذلك داخل الكنيسة، يمكن لنيومان أن يكون شخصية موحدّة تستطيع أن تخاطب مختلف هذه التيارات بفاعلية، وتعمل على تقريبهم جميعًا إلى الله.
■ العلمانيون في الكنيسة
رغم كونه كاهنًا ومن ثم كردينالا، استطاع أن يكون نيومان رائدًا في القيادة العلمانية داخل الكنيسة. بالتالي يقدّم لنا رؤية معاصرة لدور الناس العلمانيين في الكنيسة. ويصف رؤيته للعلمانيين بقوله: “أريد علمانيين، غير متكبرين، وغير متهورين في الكلام، لا يحبون الجدال الفارغ، بل رجال (ونساء) يعرفون دينهم، ويلجون فيه، يعرفون أين يجب أن يقفوا، ما يجب أن يحفظوا وعمّا يجب أن يتخلوا، رجال (ونساء) يعرفون إيمانهم جيّدًا حتى يستطيعوا أن يدافعوا عنه. رجال (ونساء) يعرفون الكثير عن التاريخ لكي يدافعوا عنه”.
ويعتبر نيومان أن العلمانيين هم شهود للإيمان المسيحي في الأماكن التي يعيشون فيها، وفي جميع المهن والوظائف. وفيما يتعلق بمشاركة العلمانيين في صنع القرار داخل الكنيسة، يمكننا استنتاج رغبة نيومان في أن يكونوا أكثر إنخراطًا في المهام الكنسية، حيث يمكن لخبرتهم أن تُحدث فرقًا، في مجالات المالية والإدارة على سبيل المثال.
■ الضمير
أصبحت كتابات نيومان حول الضمير من معايير التعاليم الكاثوليكية، كما ورد في التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية عام 1992، بعد قرن من وفاته. وقد جاء معظمه من الفصل الخامس من الرسالة التي وجهها لدوق نورفولك، وهو كتاب من تأليف نيومان ردًا على قول رئيس الوزراء البريطاني وليم غلادستون (1809-1898)، بأنه: “الآن، وقد أعلن بأن البابا معصوم من الخطأ، فلم يعد الكاثوليك ملائمين للحياة العامة”. ليجيب نيومان على هذه التهمة بطريقة خفية، موضحًا كيف يمكن للكاثوليك من إتبّاع ضميرهم، بدلاً من اتباع شخص طاعةً عمياء. ويوضّح نيومان كذلك بأن الضمير ليس شعورًا شخصيًا، إنما صوت الله النابع من الداخل.
لقد كانت هذه التعاليم أيضًا الأساس للعمل السياسي لكثير من الناس، مثل حركة ’الوردة البيضاء‘، وهي حركة المقاومة الألمانية السلمية في ألمانيا النازية، والتي تأسست في ميونيخ في أربعينيات القرن الماضي. ولا يزال العديد من السياسيين والناس في الحياة العامة يشعرون بأن تعاليم نيومان قد ساعدتهم في مسائل الضمير والنزاهة والسعي نحو الحقيقة، أينما كانت.
■ في الخدمة الكهنوتية
وبالعودة إلى العظة التي ألقاها البابا بندكتس السادس عشر في قداس إعلان طوباوية نيومان، حيث يقول: “إن الدفء والإنسانية الكامنتين في تقديره (نيومان) للخدمة الرسولية تظهران في عظة شهيرة حيث يقول: ’لو كان الملائكة كهنتكم، أيها الإخوة، لما كان باستطاعتهم أن يتوجعوا معكم، أو أن يشعروا بالعطف نحوكم، أو أن يشعروا بالشفقة تجاهكم، أو أن يتساهلوا معكم، كما نفعل نحن، لما كانوا يستطيعون أن يكونوا مثالكم وهداتكم، أو أن يحملوكم من ذواتكم القديمة إلى الحياة الجديدة، كما يستطيعون الآن هم الآتون من بينكم‘”.