يعيش اللاجئون السوريون في الأردن، حسبما تؤكد المفوضية، أوضاعاً عصيبة نتيجة لاستمرار الصراع لفترة طويلة، وبيّنت الأرقام الصادرة لعام 2019 أن 80% منهم يعيشون تحت خط الفقر الوطني، أي على أقل من 3 دولارات في اليوم. ورغم أن الحكومة الأردنية قد بذلت الكثير من الجهود والموارد لاستضافة 660,000 لاجئ سوري مسجل، لكن التضامن الذي يبديه الأردنيون كأشخاصٍ مثل عبير يلعب دوراً محورياً في الاستجابة، وخاصةً في الوقت الحالي، حيث لم يتجاوز التمويل المقدم للوكالات الإنسانية دعماً للاجئين السوريين عتبة الـ30% من التمويل المطلوب هذا العام في الأردن وعموم المنطقة.
فى إطار الدور المحورى الذى يلعبه الاردنيون، لمساعدة اللاجئين السوريين، ظهرت عبير خريشة، التى برز دورها فى مساعدتهم حتى انه تقديراً لجهودها في مساعدة اللاجئين السوريين، تم اختيارها عن منطقة الشرق الأوسط للفوز بجائزة نانسن للاجئ لعام 2019، وهي جائزة سنوية مرموقة تكرّم الأشخاص الذين بذلوا جهوداً كبيرة لمساعدة اللاجئين والنازحين قسراً. اعلنت ذلك مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، على هامش اعمال الدورة الرابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة.
خلال السنوات الثماني منذ أن دفع الصراع في سوريا المجاورة الآلاف من اللاجئين إلى مسقط رأسها مأدبا – المدينة التاريخية الواقعة على مسافة 30 كيلومتراً من العاصمة الأردنية عمان – اعتادت المتطوعة عبير خريشة الاستيقاظ في كافة الأوقات على صوت الهاتف وتقول عبير: ”أنا لا أطفئ هاتفي على الإطلاق، فأحياناً أتلقى الاتصالات في منتصف الليل، في البداية كان أغلب المتصلين من القادمين الجدد الذين حصلوا على رقم هاتفى من الأصدقاء أو الجيران لكونى شخصاً يمكنهم التواصل معه للحصول على المساعدة”
أم السوريين
يعلم الجميع بأن هذه السيدة ذات الخمسين عاماً، بابتسامتها الدائمة والتي تُعرف لدى البعض بلقب “أم السوريين”، سوف تجيبهم وتفعل ما باستطاعتها لمساعدتهم.
وتقول عبير:”لم أبدأ بهذا العمل سعياً للتقدير… فمساعدة الناس هي كل المغزى والتقدير الذي يحتاجه المرء.. لكن هذه الجائزة تحفزني على الاستمرار والقيام بالمزيد. بدأت بإجراء زياراتٍ منزلية وأدركت عندها حجم معاناتهم، حيث كانت حالتهم النفسية سيئة للغاية، وبعضهم كانوا ينامون على الأرض، وبقيت على اتصالٍ بالعائلات التي التقيت بها، وزيارتهم بانتظام للاطمئنان عليهم، أنا لا أعتبر ما أقوم به كعملٍ فقط، بل هي صداقات نشأت بيننا“.
عملت عبير خريشة كمتطوعة في “مأدبا” بالأردن لقرابة عشرين عاماً، وقدمت المساعدة للأردنيين والسوريين على حد سواء، من خلال مركز اجتماعي يديره الصندوق الأردني الهاشمي للتنمية البشرية. ووفقاً لمفوضيةشؤون اللاجئين، فإن عبير تكرّس معظم وقتها وطاقتها لمساعدة الأشخاص الأكثر ضعفاً ممن تلتقي بهم، بما في ذلك الأطفال الذين فقدوا أحد والديهما أو كليهما، والأمهات الوحيدات وكبار السن وذوي الإعاقة.
تقول مفوضية شؤون اللاجئين أنه:”مع تنامي الانقسام في الخطاب الرسمي حول اللاجئين في مناطق متعددة من العالم، تقدم عبير مثالاً حياً عن عظم أثر التضامن والكرم الذي يبديه الأفراد، وتقول إن ترشيحها للمرحلة النهائية من الجائزة، يعد بمثابة التأكيد على جدوى العمل الذي كرست حياتها للقيام به،لقد ازداد عدد الأشخاص المحتاجين لمساعدتها بشكلٍ كبير منذ عام 2012، عندما بدأ عدد كبير من السوريين بالوصول إلى مأدبا نتيجة الحرب في بلادهم.،هناك حالياً أكثر من 13,000 لاجئ سوري مسجل في مأدبا، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 80,000 نسمة.
الشعور بالرضا
أما اللاجئة السورية ابتسام التي جاءت مع ابنتها للمشاركة في هذه الفعاليات قالت عن عبير: ”عبير ليس لها مثيل، وابنتي تحبها جداً، وهي تدعوها دائماً لحضور هذه النشاطات.. إن منح الأشخاص الأدوات التي تساعدهم في الاعتماد على ذواتهم، سواء من خلال العمل أو التعليم، هو أكثر أمرٍ يشعر عبير بالرضا، لانها تساعد اللاجئين على العمل واعالة اسرهم، والوقوف على اقدامهم من جديد”
وبالإضافة إلى تنظيم النشاطات للصغار، تعتمد عبير على خبرتها بالمجتمع المحلي ومعارفها لمساعدة اللاجئين في إيجاد بيوت ومدارس وفرص عمل.. كما أنها تقدم لهم العون إن استطاعت، من خلال توفير المال للإيجار وشراء الطعام وغيره من الاحتياجات الأساسية، حتى لو كان ذلك من مالها الخاص، بحسب المفوضية.
وقد يكون أفضل ما يعكس شعبية عبير بين الأطفال اللاجئين السوريين في مأدبا، أنها كانت محور اهتمام الجميع أثناء نشاطٍ ترفيهي للاجئين الصغار ساعدت في تنظيمه في إحدى الصالات المحلية، رغم وجود مهرجين وبهلوانيين والعديد من المتطوعين المتحمسين الذين ارتدى كل منهم زي شخصية من شخصيات ديزني.
تقول اللاجئة السورية هيفاء الدلال، 48 عاماً، عن عبير: ”إنها حنونة وطيبة القلب وكريمة.، وصلت هيفاء إلى مأدبا في عام 2013، وتعرفت بعبير عن طريق أحد أقاربها المقيمين في المدينة. تتحدر هيفاء، من مدينة حمص السورية وهي أم لثلاثة أطفالٍ من ذوي الإعاقة وليس لديها سبيلٌ لإعالتهم.
قالت هيفاء: ”كنت أعمل خياطةٍ في سوريا، لكنني أتيت إلى الأردن فارغة الوفاض. اشترت لنا عبير الأثاث لمنزلنا، وقدمت لي آلة خياطة وأخبرت الناس عني وجلبت العمل إلى بيتي. إنها إنسانة عطوفة وطيبة القلب وكريمة.. لن أوفيها حقها مهما قلت“.
تحمل جائزة نانسن للاجئ هذا الاسم إحياءً لذكرى المستكشف ورائد العمل الإنساني فريدجوف نانسن وتيمناً به، والذي كان أول مفوضٍ سامٍ للاجئين، إثر تعيينه بهذا المنصب من قبل عصبة الأمم عام 1921، وتهدف الجائزة لتسليط الضوء على القيم التي جسدها نانسن من مثابرةٍ والتزامٍ في وجه المصاعب.