يقول بولس الرسول:لأن الحرف يميت والروح يحيي(2قورنتس3:6).كم من الأشخاص الذين يدعون التدين ولكنهم يستغلون الآيات المقدسة لمصالحهم وأهوائهم,ويؤولونها كما يروق لهم؟يحكي أن جحا وجد قطعة من الماس أثناء سيره في الطريق,وحسب تعاليم الشريعة يستطيع أن يحتفظ بما يجده لنفسه فقط بعد أن يعلن عنه في ساحة السوق في ثلاث مناسبات مختلفة,ومن المعروف عن جحا أنه لايريد أن يخالف تعاليم شريعته,ولكنه في الوقت ذاته كان طماعا لدرجة أنه يخاف أن يخسر هذه الفرصة.
ثم خطرت علي باله فكرة وهي أن يذهب إلي السوق لمدة ثلاث ليالي بعد التأكد من أن الجميع خلدوا للنوم,وبصوت خافت قال:وجدت قطعة من الماس في الطريق المؤدي للمدينة,من يتعرف علي صاحبها يرسله لي فورا وفي الليلة الثالثة كان هناك شخص يتطلع من النافذة فوجد جحا يتمتم مع نفسه,فسأله:ماذا تقول؟ أجابه:أنا لست مجبرا لأن أفصح لك عن شيء لكن يجب أن تعي تماما بأنني شخص متدين,لذلك خرجت ليلا لمدة ثلاثة أيام لأردد بعض الكلمات حسب الشريعة.ليس من الضروري أن نصبح أشرارا لأننا نخالف تعاليم الشريعة,ولكن يكفي أن نفسرها حسب مصالحنا الشخصية لكن الإيمان الحقيقي يجعلنا نحيا حسب تعاليم الله دون أن ننظر إلي أنفسنا علي حساب كلام الله,بل نلجأ لله والإقرار بمقدرته ووجوده وأبوته,ومما لاشك فيه أن هذا الإيمان سيقودنا إلي السعادة والنجاح بشرط ألا نكتفي بالقول:نحن مؤمنون,ولكن أن نجعل التدين في الأساس من صميم حياتنا اليومية لأنه لا يكفينا أن نتردد علي دور العبادة,بل أن نسعي لعمل إرادة الله وأن نستثمر الحياة التي منحنا إياها,ونستطيع تحقيق هذا عن طريق محبتنا لله والآخرين,ولأن التدين الصادق ليس مجرد عقيدة نؤمن بها فقط.
بل نحيا بموجبها في كل مكان وزمان,فإيماننا بالله يجعلنا نشعر بوجوده الدائم في حياتنا اليومية وكيف يبحث عنا نهارا وليلا,ليمنحنا نعمه وبركاته التي لا تنضب كما يقدم لنا ما نحتاجه من كل شيء ولكن في الوقت المناسب كما يراه هو فالله لايطلب منا مقابل ذلك سوي أن نمنحه قلبنا وعقلنا وفكرنا,عندما نحبه كما يجب ونسلك حسب تعاليمه وإرادته, وبذلك نصبح أبناء مخلصين صادقين.
ما أبخس الثمن الذي ندفعه,وأعظم العطية التي ننالها من الله! وماذا يطلب الله منا سوي أن نحيا حياة صادقة وأمينة ونقية,فالله مع بداية حياتنا,يضع بين أيدينا صفحة ناصعة البياض,لنخط فيها ما شئنا من خير وحق وجمال,ومما لاشك فيه سنحصل علي الخير بوفرة وستمطرنا السماء ببركاتها,وتنبت لنا الأرض خيراتها ولكن شرط أن نعمل جاهدين غير متوانين في استثمار المواهب التي منحنا إياها الله يوما بعد يوم.
ويقول الكاتب الشهير Albert Camus :إن ثقل الأيام والحياة,مخيف ساحق لمن يعيش وحده من دون اللهفالإيمان يمحنا أهدافا وغايات في الحياة تسمو بنا فوق المادة والظروف المتقلبة التي نمر بها,كما أنه يفتح أمامنا آفاقا رحبة من الأمل,ويساعدنا علي خلق واحة خصبة وسط صحراء الحياة.كيف ندعي أننا مؤمنون وفي ذات الوقت نلجأ إلي بعض الشعوذات مثل تعليق حدوة حصان من الذهب علي صدورنا,بحجة أنها تجلب لنا الخير والسعادة؟أو نتزين بميدالية تحمل رأس حيوان لتنقذنا من الخطر أو الشقاء؟وغير ذلك لكن الإنسان الذي يؤمن بالله يثق تماما بأنه لا يخيب آماله,ولا يتغاضي عما يعود عليه بالخير والسعادة والنعم الكثيرة,وكما يقول المفكرPiat:يتراجع الشباب عن الإيمان بالله عندما تتدهور أخلاقهم.فإن كلمة الله أجدر بأن نثق فيها من أي شيء في الكون,إن الله لايطلب منا أن ننتظر حتي نطمئن بل يأمرنا بأن نثق به ونرتاح إليه ونؤمن بكلمته ونقبل عطيته,لكن باقي الأمور بين يديه,فلا نقلق لأنه قادر علي تسيير أمورنا أفضل منا عندما نلجأ إليه.فإذا نسينا الله أو ابتعدنا عنه,فعل يبقي شيء في الحياة يستحق أن نذكره؟ونختم بكلمات المفكر باسكال:لأنه لا يوجد سوي صنفين من البشر المنطقيين:أولئك الذين يحبون الله من كل قلوبهم لأنهم وجدوه,وأولئك الذين يفتشون عنه من كل قلوبهم لأنهم لم يجدوه.