يتصور الكثيرون أن الحديث عن مساواة النوع الاجتماعي، أي تحقيق التوازن بين الجنسين من حيث الحقوق والأدوار الاجتماعية، أنه حديث من أجل النساء وفقط، ويحلو للبعض تصوير ذلك وكأنه جزء من حملة أو مؤامرة ضد الرجال بهدف إحداث خلل في العلاقات والقيم الاجتماعية السائدة والمستقرة، وكأنها علاقات سليمة وقيما عدالة. وفي الحقيقة أن هذا المفهوم المغلوط شائع ومنتشر، بوعي أو بدون وعي، بين من ينحاز ضد النساء، وحتى بين بعض من يدفعه الانحياز لحقوق النساء إلى معاداة الرجال. وببساطة أن الموضوع ليس حربا أو مؤامرة، فالحروب وسوء الفهم حاصل بالفعل في العلاقات الاجتماعية القائمة على عدم المساواة والتمييز بين الرجال والنساء، ومهمة الطامحات والطامحين إلى تحقيق المساواة ووقف كافة أشكال التمييز، هي، أولا وقبل كل شئ، الحفاظ على الكرامة الإنسانية للجميع، وليس الانتصار لطرف على حساب الطرف الآخر.
وفي الواقع أن موضوع مساواة النوع الاجتماعي، والذي يتم النظر إليه وكأنه عنوان فرعي وخاص، هو مدخل أساسي لفهم قضايا الثقافة بشكل عام ومنها التنوع الثقافي وقبول الاختلاف، ومواجهة الفقر والتهميش والاستبعاد الاجتماعي. ومن ثم فإن أية مبادرات من أجل الإصلاح الثقافي والاجتماعي لا يمكن بأي حال أن تتجاهل منظور النوع الاجتماعي. ويحلو للبعض تصوير الحديث عن مساواة النوع الاجتماعي وكأنه استعراض نظرى نخبوي، ولكن من ينظر إلى الأمر بقدر من الموضوعية سيجد أنه حديث الواقع المعاش في خصوصيته وعموميته، حديث نجده في الثقافة والدين والعادات والتقاليد والفن، نعيشه في الممارسات الاجتماعية وتفاصيللحياة اليومية. إن قضايا النوع الاجتماعي هي ما تعيشه النساء ويعيشه الرجال، إنها حياتهم/ن.
وبالتالي، فبقدر الأهمية الفكرية لتناول موضوع مساواة النوع الاجتماعي، فإن أهميته الاجتماعية هي الهدف الأساسي، وخاصة بالنسبة للفئات الشابة التي باتت تعيش علاقات متوترة بسبب الفجوة بين تطورات الواقع وجمود الذهنيات. فقد أصبحنا نعيش في واقع تتتغير فيه المفاهيم والأدوار بوتيرة سريعة، وهذا فى حد ذاته يؤدي إلى توترات وسوء فهم وتوقعات خاطئة بين الجنسين. ولذا ليس غريبا أن تشير الاحصاءات إلى تزايد معدلات الطلاق بين الشباب حديث الزواج. ولا شك أن هذه الوضعية المتوترة لها أسباب عديدة اجتماعية وثقافية، وفي مقدمتها المفاهيم والتوقعات المغلوطة. وعلى الرغم من الجهود المبذولة من أجل تصحيح هذه المفاهيم، إلا أن مصادر المفاهيم المغلوطة مازالت أقوى وأكثر فعالية. وبالتالي فإن الاسهام في تعزيز جهود الإصلاح الثقافي على أسس علمية وإنسانية مسألة على درجة كبيرة من الأهمية.
إننا جمعيا، رجالا ونساء، نمتلك وعي وقناعات، وهذا الوعي وهذه القناعات تشكلت بفعل عوامل عديدة منها الصحيح والمغلوط، ومنها الصالح والطالح، وجميعنا لنا تحيزاتنا التي تجعلنا نختار هذه الفكرة ونتجاهل تلك، ولنا مصالحنا التي تجعلنا ندافع عن الأفكار التي تحققها وتخدمها.
فثمة قضايا نتعامل معها وكأنها أمور طبيعية ومستقرة، ولكن النظر إليها نظرة تحليلة معمقة وفاحصة قد يكشف لنا عن جوانب أخرى خافية عنا بحكم الأفكار الثقافية المسبقة. فنحن نرى الأشياء بعيون ثقافية، كل حسب خلفياته وتنشئته ومصادره للمعرفة، لكن النظرة النقدية هي التي تجعلنا نفكر خارج الصندوق لنرى ما لا نراه. ولذا فإن التفكير النقدي هو السبيل للتحرر من سجن المسلمات الثقافية والبحث عن كل مشترك يحقق الكرامة الإنسانية.
والخلاصة، أن الحديث عن قضايا النوع الاجتماعي ليس ترفا فكريا أو حديثا نخبويا أو تمارين نسوية، لآنه حديث الحياة اليومية فى البيت وفي الشارع وفي العمل، في النظرات والكلام، في الحياة الخاصة والعامة. ولا يجب أن ننسى أن تكلفة عدم احترام مساواة النوع الاجتماعي هائلة بداية من العنف والتحرش والإهانة، وحتى التكلفة الاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية. وعلى الرجال أن يفهموا أن مساواة النوع الاجتماعي تخصهم بنفس القدر الذي تخص به النساء، الاختلاف فقط أن النساء مازلن الطرف الأضعف في المعادلة.