يوصي بولس الرسول قائلا:إن كان أحد يظن أنه حكيم بينكم في هذا الدهر,فليصر جاهلا لكي يصير حكيما(1كورنثوس3:18).هل التعليم والثقافة مع الإيمان والأخلاق يستطيعون تغيير العالم إلي الأفضل؟ إذا أردنا جيلا واعيا محبا لعائلته ووطنه,يجب أن نزرع في الأبناء منذ الصغر حب القراءة والثقافة كل حين.
يحكي أن شابا التحق بالجامعة ليكمل تعليمه,فسأله والده بعدما أنهي العام الأول:ما الذي تعرفه؟هل تعلمت أكثر من ذي قبل؟ أجاب الابن:بالطبع أعرف الكثير.ثم سأله بعد الانتهاء من العام الثاني:هل تعرف الآن أكثر مما عرفت في الماضي؟,فأجاب الشاب:مما لاشك فيه لا,الآن أعرف أقل بكثير.فقال أبوه:حسنا أنت أفضل من العام الماضي,ثم سأله بعدما أنهي العام الثالث:ما الذي تعرفه الآن؟ فأجاب:أظن أنني لا أعرف شيئا,فقال والده:لقد أصبت,لأنك الآن بدأت تستفيد ما دمت تقول أنك لاتعرف شيئا.
لأن المثقف الحقيقي هو الذي يشعر بالجهل كلما تعلم وقرأ أكثر,لأن هذا هو باب المعرفة والحكمة.طوبي لأولئك الأشخاص الذين يستغلون وقتهم ليس في الدراسة فحسب,بل في تثقيف ذاتهم,لأن الكتاب الجيد يسمو بالروح ويرهف الشعور ويبعث الإعجاب,ويجلد الهمة.ما أسعد هؤلاء الذين يغرمون بالدرس والقراءة البناءة,لأن معاشرة الكتب ينبوع يفيض عليهم بكل ما لذ وطاب للعقل والقلب والنفس.كما أن الكتاب ملجأ أمين إن بحثنا عنه,وسينقذنا من معاشرات سيئة,وهو أداة للعلم والتثقيف والحكمة ,ونستطيع أن نلجأ إليه في كل حين,ففي ساعة المرض سنجده خير ملطف لآلامنا وأوجاعنا,وفي شيخوختنا أجمل رفيق وسند,لأن المطالعة بعد العبادة لها أهمية خاصة,وأعظم نعمة أنعم بها الله علينا,وتجعل حياة الإنسان رحلة ممتعة في أرض الشقاء التي يعيش فيها,إذا لا يجعل أي فرد منا هذه الشعلة تنطفئ في داخله,وكما يقول الفيلسوف والناقدTaine:عندما أملأ رأسي بالمطالعة فما تبقي,ليس له أدني أهمية في اعتباري.بهذا أنا علي يقين بأن الملل لن يصيبني أبدا في حياتي.
ومما لا شك فيه أن الدول المتقدمة والمتحضرة,تهتم أولا بمكتبات الأطفال,حتي تضع بين أيديهم قصصا وحكايات شيقة لتزرع فيهم الانتماء للوطن وحب البطولة وكرم الأخلاق والكد والسعي إلي ما هو سام,ونتيجة ذلك نجد الأطفال يحلمون ليلا نهارا بما يقرؤنه,ويبتكرون في كل شيء في ألعابهم ويصنعون جوا حافلا بالبطولة والنبوغ,وعندما يصلون إلي سن البلوغ,يسعون لتحقيق كل ما كانوا يحلمون به إذا فمطالعة الكتب تمنحنا متعة لا مثيل لها كما أنها وسيلة مهمة لاكتشاف المواهب المدفونة في كل شخص,فضلا عن أنها تضع بين أيدينا خبرة من سبقونا في مختلف الميادين وتمنحنا صحبة ممتعة,فالكتاب الجيد خير دليل وصديق إن عرفنا كيف نختاره ونهضم ما بداخله,ونتعلم أسمي ما تمخضت عنه عقول الفلاسفة,وأفضل ما أتاه عظماء الرجال,وكما يقول Blanchaud:الكتاب الصالح هو ناصح صادق يثقفك دون أن يضجرك وينبهك إلي عيوبك دون أن يهينك ويقومك دون أن يسيء إليك.
إذا فالثقافة هي النور الذي يبدد ظلمات الجهل عن العقول لنري الحق والخير والجمال,والثقافة الحقة هي التي تنير العقول وتشدد الإرادة,كما أنها تساعد الإنسان علي التحلي بالإرادة للسيطرة علي أمياله وأهوائه,وتعودنا علي المثابرة للتحصيل والنجاح,وتساعدنا علي الإصغاء وأعمال الفكر,علاوة علي ذلك تعلمنا التسامي بأفكارنا وعواطفنا ولا نتبع السطحية والتفاهة,كما تساعدنا علي تقييم الآراء والأفكار حتي لا نصبح ذنبا للغير ولا ضحية لترويج الشائعات فالثقافة تمنح الإنسان اعتناق الحق والسعي إلي الخير وتحقيق الجمال في الروح قبل الجسد وفي الأخلاق قبل المظاهر وكما يقول السيد المسيح:أنتم نور العالم(متي5:14),هذا معناه أن كل واحد منا يجب عليه أن يشع بأفكاره وأقوله وتصرفاته وعندما يفعل ذلك سيصبح مثالا صالحا يقتدي به الأخرون.
إذا فالكتاب هو قوة جبارة كالقنبلة الموقوته يجب أن تنفجر إن خيرا فخير وإن شرا فشر كما أن الكتاب حسبما يكون صالحا أو فاسدا ينير أو يعمي,يسمو بالإنسان أو ينزل به إلي الحضيض,يشوش أفكاره أو يمنحه الهدوء والسكينة .ونختم بكلمات سنيكا:من يعيش بدون عون المطالعات الصالحة,هو ميت,هو مدفون حيا.