يحكي القائمون على حملة ضد التنمّر التي أطلقها المجلس القومي للطفولة والأمومة، إنهم تلّقوا اتصالاً ذات يوم من طفل وإذا به صوت صغير يبدو عليه الحزن يقول: «المدارس قربت وأنا خايف أوي أروح المدرسة أنا ليا صاحبي مش سايبني في حالي وبيقولي كلام يضايقني أوي وأنا مش عايز أروح المدرسة تاني أو شوفولي مدرسة غيرها» بتلك الكلمات البائسة بدء الطفل «م» صاحب الـ 8 سنوات حديثه إلى متلقي البلاغ بغرفة النجدة والذي حاول تهدئته، حيث فقد «م» ثقته بنفسه تماماً نتيجة للكلمات السلبية التي يتلقاها من زميله يومياً أثناء الدراسة، حاول مرارا وتكراراً أن يستغيث لإنقاذه من وقائع التنمر ولكنه لم يفلح.
وفي أواخر عام 2018 أنهت الطالبة إيمان صالح حياتها، حيث ألقت بنفسها من الطابق الرابع، إثر تعرضها للتنمر والاضطهاد من قِبل مشرفات المعهد، مشيرة إلى تعرضها لـ«مضايقات وكلمات قاسية تسخر من ملامح وجهها وتصرفاتها».
ورغم أن التنمّر Bullying ليس بجديد على مدارسنا أو علاقة الأطفال ببعضهم البعض ولكن مع زيادة العنف والاضطرابات النفسية للأطفال والتي تؤدي إلى نتائج لا تحمد عقباها قد تصل إلى الانتحار، أصبح من المهم أن تعرف كل أم وأب كيف تنشئ علاقة صحية صحيحة مع أطفالها أولا وبين الأطفال وبعضهم البعض وبين الأطفال ومدارسهم .
لذا نقدم روشتة بسيطة لكل أم وأب ومعلم كيف تتعامل مع الطفل إذا اشتكى من التنمر في المدرسة، كيف تتعامل مع الطفل الآخر والمدرسة ، خاصة وقد بدأت الدراسة .
كتاب مدرسي لاحترام وقبول الآخر
تحدثنا أخصائية الصحة النفسية بسمة محمود، أن ظاهرة التنمر بين الأطفال وخاصة الأطفال في المدارس منتشرة جدا في المدارس وهي من أكثر الظواهر التي لها أثر كبير جدا على شخصية الطفل المتنمر وشخصية المتنمر عليه مما يؤثر على جيل كامل .
وأن التنمر هو شكل من أشكال الإساءة قد يظهر في أعمار مختلفة ويأخذ أشكالا مختلفة من الاستقواء أو الإساءة أو التسلّط والاعتداء الجسدي واللفظي الذي يمارسه شخص يشعر أنه أقوى من شخصٍ آخر، ويكون على شكل السخرية الدائمة منه، تهديده، إجباره على القيام بعملٍ ما، وتصل في كثير من الأحيان إلى الضرب أو الإيذاء الفعلي .
لذا يجب على الأم أن تلاحظ بعض العلامات التي تدل على أن ابنها تعرض للتنمر في المدرسة، ومنها أن الطفل بدأ يقل اهتمامه بالأنشطة المدرسية فتجده الأم ينهي اليوم الدراسي في استعجال ويريد العودة إلى المنزل، يهمل في مظهره العام ويهمل في واجباته المدرسية ، يتأخر عن اتوبيس المدرسة حتى لا يلتقى بهؤلاء الأقران ، ويبدأ حتى في الانسحاب من الهوايات المفضلة له، يظهر عليه حالة من الخوف والتقلب والتوتر، مما ينتج عن كل ذلك تأخر في تحصيله الدراسه والانطواء، فقدان الشهية، وإذا تخطى الأمر إلى الإيذاء الجسدي هنا ستلاحظ الأم والأب الجروح والكدمات على جسده .
وتؤكد بسمة محمود هنا يجب أن يكون هناك رد فعل سليم، ولكن يسبق ذلك حلقة وصل مستمرة مع ابني من معرفة أحداث اليوم وعندما ألاحظ ما سبق، يجب أن أقوم بزيارة مفاجئة للمدرسة غير المواعيد الطبيعية المحددة مسبقا، لأرى ما يحدث في المدرسة وأعرف سلوكيات أقرانه ومدرسيه معه.
ويجب أن يدرك الوالدين أن رد الفعل السليم هو ما سيبنى عليه سلوكيات طفلي بعد ذلك وشخصيته، فكلما كان رد الفعل سريع وحازم مع التعامل مع الموقف بجدية والتقليل والاستهتار بحجم المشكلة، مع زرع الثقة في نفس للطفل كلما كان الأثر أقل على شخصية الطفل .
وعندما أتأكد من ذلك يجب أن أعرف من يقوم بالتنمر على ابني وأبلغ والديه بذلك أولا وأدعم طفلي من خلالي وخلال والده وإدارة المدرسة حتى يشعر بالثقة.
ثانيًا: أدرب ابني كيف يتصرف في هذه الأمور من التعامل مع الأمر بهدوء أولا حتى لا يتطور الأمر أو يتحول الطفل الأضعف إلى شخصية غير سوية فيبدأ في التعامل بالعنف، ونعلمه أن يدافع عن نفسه وليس برد الأذى ولكن الدفاع عن النفس، مع التأكيد على أهمية تدريب الأطفال على بعض الألعاب للدفاع عن النفس .
وأخيرًا يجب على الوالدين إذا استمر التنمر عليه وعدم التوقف عن ذلك أو معالجته من أسرة الطفل الآخر أو إدراة المدرسة، لجوء الأسرة إلى الإجراء القانوني ضد المدرسة، فإحدى نتاج التنمر سواء للطفل المتنمر أو الطفل الذي تنمر عليه التأثير السلبي نفسيا، مما يستدعي إلى تدخل نفسي بعد ذلك وتعديل سلوكياتهم نفسيا واجتماعيا ، لذا يجب أن تلاحظ الأم والأب ذلك من البداية وعدم إهمال ذلك اعتقادًا أنه لعب أطفال .
وتضيف أخصائية علم النفس، أنه يجب أن يدرك الوالدين أن الآثار النفسية للتنمر بدأت تتفاقم مع ازدياد العنف في العالم وليس في المدارس فقط ، فقد تصل إلى الاكتئاب والتبول اللارادي والعنف وقد يصل إلى الانتحار ، وكثير من الدراسات أكدت ذلك وقرأنا عن حوادث تمت بالفعل بين الأطفال والشباب، لذا يجب على الوالدين والمدرسة والمجتمع إدراك الآثار الناتجة عن التنمر.
كما يجب أن يكون هناك قانون سواء في الإدارات التعليمية أو داخل قانون الطفل ليتراجع نسب التنمر والعنف في المجتمع .
وأوضحت أن ذلك كله يأتي ضمن منظومة متكاملة من عودة الأنشطة المدرسية وممارسة الهوايات المختلفة فكان قديما هناك حصص لتعليم التطريز و الطبخ، بالإضافة إلى الألعاب والموسيقى والرسم، كل ذلك يخرج الطاقة السلبية عند الطفل .
وتقترح بسمة في النهاية على وزارة التربية والتعليم عمل كتاب مدرسي عن التسامح واحترام الآخر المختلف في لون بشرته أو دينه أو جنسيته، هنا نستطيع أن ننشأ جيل لا يعرف التنمر فإذا أصلحنا هؤلاء الأطفال سنصلح المجتمع كله وننشأ أطفال أصحاء نفسيا واجتماعيا .
المدرس أولا
وتتفق الدكتورة سامية سامي عزيز أستاذ الصحة العامة وصحة الطفل العقلية، قسم الدراسات الطبية للأطفال، معهد الدراسات العليا للطفولة، جامعة عين شمس مع الأخصائية النفسية بسمة محمود في أننا نحتاج إلى أن نربي داخل أطفالنا ثقافة قبول الاختلاف، وكلما كانت هذه الثقافة زائدة في الأسرة والمجتمع كلما قل التنمر، يجب أن تضم التربية والتنشأة تعلم الطفل داخل الأسرة احترام الاختلاف من لون البشرة أو شكل الجسم أو المظهر، وكأسرة أزرع هذا داخله، أما إذا كانت الأسرة تقوم بذلك وتعتبره نوع من خفة الدم والطفل عندما يرى ذلك يقلده حتى يظهر أنه لطيف وظريف فلا يفيد التعليم الخارجي أي شئ .
وتوضح الدكتورة سامية، أن التنمر ليس بجديد في مجتمعنا فكنا نرى الأطفال في المدارس يبحثوا عن أي طفل به صفة ملفتة ويبدأوا التنمر عليه مثل الطويل أو البدين وهكذا .
وتؤكد: هذا لا يعني أن الطفل المتنمر يكون دائما مضطرب نفسيا ، فأحيانا يكون المدرس هو الذي بدأ ، حيث يقوم باستهزاء الطفل المتنمر عليه فيبدأ بعد ذلك الأطفال .
إن الكبار لهم دور كبير في المشكلة فإن لم يكونوا هم المشكلة أصلا ، يكونوا السبب في عدم معالجة المشكلة، لذا يحتاج الطفل إلى التعامل معه بحكمة ووعي، فهذا التعليم وهذه التربية تنشأ أطفال لا يحترموا الاختلاف أو يقبلوه، وإن الاختلاف مصدر للسخرية ، وهذا نراه أيضا مؤخرا في حوادث ايذاء الأطفال ذو الإعاقة، لذا نحتاج أن ندرب أطفالنا على احترام المختلف.
وفيما يخص الأم نجد أنها تقع في الحيرة مع زيادة الأعباء فإذا كانت عنيفة تقول له اضربه، وإذا كانت ذو شخصية سلبية فتتحامل على ابنها وتقول له “أنت غلطت في إيه” ، أما إذا طلبت منه الشكوى للمعلم ، فالمعلمين مع زيادة الأعداد في الفصول نجدهم أمام كم هائل من الاطفال فلا تستطيع استيعاب هذا العدد وحل مشاكله .
هنا على الأم أن تقول للطفل “نحن لا نبدأ بالاعتداء أو العنف ولكن دافع عن أشيائك”، ليحافظ على أشياءه، تحاول أن تجعله محبوب وسط أقرانه من خلال مساعدة الآخرين فيقل موضوع التنمر .
وتؤكد دكتورة سامية، أنه يجب أيضا أن أجعل الطفل دائما يشعر بالانتصار، ولا يجب أيضا أن يشعر الطفل بالانهزام والتنمر طول الوقت حتى لايؤثر ذلك عليه نفسيا، فحتى إن وصل الأمر إلى الأذى الجسدي اُعلم طفلي أننا لا نقوم بالعنف وإذا قام طفل آخر بالاعتداء على جسدي يجب أو أوقفه ولا أسمح له بذلك .
وفيما يخص المدرسة، يجب أن يعي كل معلم أنه نموذج وقدوة، لذا لا يجب أن يسخر من التلاميذ حتى إن كان أقل ذكاء، وحتى أن حسن النية حتى يبذل الطفل مجهود أعلى، يجب ان يكون المدرس رحيم ومشجع للطفل، وإن حدث للطفل تنمر من بعض زملاؤه الآخرين هنا يجب أن يتدخل وليس بطريقة مباشرة، بل بالتشجيع للطفل الذي عانى من التنمر وجعله محبوب بين زملاؤه ورفع شانه وليس تحطيمه.