أنطون سيدهم .. ومشوار وطني
أنطون سيدهم .. والسياسة الخارجية
هذا المقال نشر في ذكري مرور 41 عاما علي توقيع اتفاقية كامب ديفيد (1978/9/17)
** في الوقت الذي كان العالم كله يتتبع مؤتمر كامب ديفيد وما يجري فيه من بحث لأخطر قضايا السلام.. وفي الوقت الذي كانت الملايين فيه تصلي من أجل نجاح المؤتمر حقنا للدماء, وتجنبا لمخاطر ربما تؤدي إلي أوخم العواقب لن تصيب منطقة الشرق الأوسط وحدها.. بل تنسحب آثارها علي العالم كله.
وفي الوقت الذي كان يبذل فيه الرئيس أنور السادات جهدا أسطوريا خارقا لإعادة الحقوق السليبة, ووضع أسس السلام العادل.
أقول: إنه في هذا الوقت كانت بعض الأنظمة العربية تلعب بالنار, تخطط كيف تجاهد من أجل إفشال المؤتمر, بل تستعد وتحتشد لشجب كل ما يحصل إليه المؤتمر من نتائج حتي لو حصل الرئيس السادات علي أكثر مما يتشدق ويحلم به المزايدون اللاعبون بالنار.
* وبكل المقاييس نجحت معركة السلام في كامب ديفيد وخرجت الوثائق تؤكد أنه لا تفريط في الأرض والسيادة علي التراب الوطني المصري, ولا تفريط في الحقوق المشروعة لشعب فلسطين فقد اعترفت إسرائيل بمبدأ الانسحاب من الضفة الغربية وغزة وإنهاء الحكم العسكري فيهما, وأن يصبح للفلسطينيين جهاز للحكم الذاتي الكامل عن طريق إجراء انتخابات لممثلي الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة, وأنه من حق الفلسطينيين رفض ما لا يحقق حقوقهم وما لا يتفق مع سيادتهم الكاملة بعد الخمس سنوات الانتقالية. بل أكثر من هذا فإنه اتفق علي أن تسويات السلام تقوم علي قراري مجلس الأمن رقمي 242 و338 بكل فقراتهما ومبادئهما, هذا فضلا عن اتخاذ الإجراءات العاجلة والعادلة لحل مشكلة اللاجئين والعمل علي عودتهم إلي أراضيهم.
* هذه هي وثائق كامب ديفيد.. العالم كله يستقبلها بالترحيب لأنها تمثل رغبة صادقة في السلام, وتجعل الطريق ممهدا لتحقيق السلام.. وتعترف بضرورة حل المشكلة الفلسطينية علي أساس من الحق والعدل يصلح لأن يكون منطلقا لقيام دولة فلسطينية إذا صدقت النوايا وتضافرت الجهود وعاد الصواب إلي الرؤوس التي أضلتها الأنانية والتحجر والنوايا غير المخلصة.
علي مدي ثلاثين عاما منذ صدور قرار الأمم المتحدة الذي يقضي بتقسيم فلسطين في نوفمبر 1947 والعرب لا يملكون غير الرفض, ولا شيء غير الرفض.. متجاهلين المتغيرات الدولية, والقوي التي تحرك مصير الأحداث وكأنهم يعيشون في عالم آخر معزول تماما عن العالم الذين هم جزء فيه.
وقامت الجيوش العربية تتحدي الأمم المتحدة وتعلن الحرب علي إسرائيل المزعومة.. وكان ما كان من هزيمة وضياع مشروع التقسيم.. وتوالت المصائب وتتابعت, وكانت قمة المأساة هزيمة 1967 واستيلاء إسرائيل علي ما تبقي من فلسطين.. وانفتحت شهيتها لتحتل الجولان وسيناء.
* وجاء أنور السادات ليعيد تقييم المشكلة من جديد مستشعرا هول ما حدث علي مدي الأعوام.. كانت نظرته أكثر شمولا, ورؤيته أبعد مجالا.. وفهمه للأوضاع الدولية أعمق بعدا.
لقد استطاع في أكتوبر 1973 بإعداد كامل أن يضرب ضربته الموفقة, ويحصل علي النصر الذي رد الاعتبار, وغير الموازين, وعدل في الاستراتيجيات.
من منطلق النصر بدأ يجاهد ليعالج جذور المشكلة.. مشكلة تعرض المنطقة العربية لحروب متتالية لا يبدو أنها ستنتهي.. تضح الموارد والجهود والطاقات العربية دائما علي حافة بركان يستنفدها.. وبالتالي يعوقها بل ويجعلها في حالة عجز عن اللحاق بتقدم العصر, والنهوض بمستوي الشعوب.
لقد عمل أنور السادات علي استقطاب الغرب وعلي رأسه الولايات المتحدة التي هي مصدر وجود إسرائيل وضمان استمرارها.
وبذل الكثير من أجل أن يغير موقف أمريكا تجاه المشكلة.. واستطاع بالإخلاص والصدق أن يدخلها كشريك كامل, وهذا قمة النجاح بالنسبة للسادات.
* ولم يتوقف جهد السادات عند حد.. ففضلا عن مبادرته الشجاعة للقدس في نوفمبر 1977.. وزياراته المتتالية ومباحثاته المكثفة مع رؤساء الدول الغربية الصديقة, ورؤساء الاشتراكية الدولية.. لم يفلت أية فرصة قد تؤدي إلي السلام رغم يقينه أن إسرائيل تراوغ وتلف وتدور في حلقة مفرغة تستغل الوقت.. وتستغل تمزق الصف العربي..
وفشلت مباحثات ليدز.. كما فشلت من قبل محادثات القدس والإسماعيلية. كل ذلك ولم يفقد السادات صبره, أو تلن قناته.. نفس الخطوات المحسوبة.. والتقدير الواعي.. والإعداد الكامل لكل البدائل.. فالحق واضح.. والعالم كله مازال مشدودا حريصا علي مبادرة السلام التي استوعبت كل الضمائر في جميع العالم.
* وفي خلال ذلك كله.. وقف أنور السادات صامدا أمام تخرسات جبهة الرفض التي استخدمت كل ما في قاموس البذاءات من شتائم توجهها إلي مصر جاحدة كل ما قدمته من تضحيات لا مجال لأن نعددها ونذكرها.. أقول وقف صامدا يعمل.. والقافلة تسير رغم العواء والعويل!!
وجاءت قمة ديفيد.. العالم كله يصلي ويبتهل من أجل نجاحها, ورؤساء الدول الغربية يساندونه.. والأنفاس مشدودة متعلقة بما يجري.
وجاءت النتيجة الرائعة التي حققت المطلب المصري في عودة سيناء, كما وضعت الإطار الذي يمكن من خلاله أن تحل المشكلة الفلسطينية.
وتنفس العالم الصعداء, وباركت القلوب المؤمنة هذه النتائج, وارتفعت مكانة السادات كرجل صانع للسلام.
** وبعد.. إن القافلة تسير.. وبشائر الغد المشرق تلوح في الأفق.. ومصر تمضي في مسيرتها النضالية من أجل السلام ترعاه وتحرص عليه وتوطد قوائمه, وتدعم قواعده.
أما اللاعبون بالنار.. المحاربون في غير حرب.. المناضلون في ساحات الكلام.. والجاحدون للتضحيات.. المغامرون بمصائر الشعوب.. المقامرون بأرواح الملايين.. فإننا نقول لهم هداكم الله.
وللسادات نقول.. لقد كافحت وناضلت ومهدت وصدقت فسر علي بركة الله.