نعلم جميعنا بأن هذا الشهر سبتمبر, يشهد انتظام الدراسة في جميع المدارس بمراحلها المختلفة, ونعلم أيضا أن الجميع استعد لهذا الحدث المهم: وزارة التربية والتعليم بمناهجها وقراراتها الإدارية, المدارس بتجهيزاتها اللوجيستية, وأولياء الأمور بدفع المصروفات وشراء المستلزمات.. وكل هذا رائع بالطبع, لكن.. هل هذا بالفعل هو كل ما يلزم لتبدأ بلادنا عاما دراسيا منتجا وناجحا؟.. الإجابة:
لا أعتقد ذلك.
للعملية التعليمية مخرجات يتم تحديدها سلفا, وبناء عليها تتم صياغة الأساليب والمناهج وخلافه, وبما أننا في مرحلة يتحول فيها التعليم المصري إلي البحث عن المخرجات بشكل واقعي وعملي وعصري, فإن المشاركة في هذه العملية تستدعي تقديم الاقتراحات لتطوير العملية التعليمية, وكذلك الإيمان بأهمية الاستماع لها من جانب القائمين علي الأمر, وفي هذا الإطار أدعو بقوة لمناقشة جوانب أراها في غاية الأهمية, لما لها من تأثير حقيقي وعميق علي أبنائنا والذين هم بالطبع أفراد هذا المجتمع والقائمون عليه في يوم قريب, وهم مستقبل البلاد.
في عصر لا تزال فيه الهوية مسألة تتعرض للضغوط الناتجة عن مصالح دولية وغيرها, يصبح من الضروري مساعدة الطفل المصري علي فهم هويته بأبعادها كافة, وذلك لأجل صياغة شخصيته, وكي نتقي شرور ضياع الانتماء, أو الانسياق وراء هويات غريبة عنا, ومن هنا يكون الحديث عن ترسيخ أسس الهوية المصرية, أمرا عاجلا لا مفر منه.
في البداية أتمني بشدة حل إشكالية يتم الحديث عنها في أوقات كثيرة, ثم تضيع جراء ازدحام تفاصيل الحياة, برغم ما لها من أهمية في تشكيل الوعي, والحفاظ علي نسيج الأمة.. إنها حصة الدين, ودون الكثير من الكلام الذي سبق وقيل في هذا الموضوع, فإن الوضع بطبيعة الحال يتسبب في خروج الطلاب المسيحيين من فصولهم في الحصص المخصصة للدين, وتلقي حصة الدين الخاصة بهم في مكان آخر كالمكتبة مثلا, وذلك لتفادي ما كان يحدث سابقا, حيث كان يتم في أحيان كثيرة, وضع الطلاب المسيحيين في فصل واحد لتفادي هذه الإشكالية, وصار اسم الفصل عرفا فصل المسيحيين, وهي بالطبع مصيبة لا يمكن تبريرها, ولا تحتاج لشرح آثارها الكارثية علي تماسك نسيج الأمة المصرية, لذا فأنا أقترح التالي: أن يتم تخصيص فصل أو قاعة, أيا ما كان, لتدريس مادة الدين, تكون مهيأة لاستقبال الطلاب المسلمين والمسيحيين في الوقت ذاته, حتي وإن بدا ذلك ذا كلفة مادية, فإنها لا تقارن بالتكلفة الكارثية نتيجة للفصل بين الطلاب, والتفرقة بينهم, حيث يستمر الطلاب المسلمون في الفصل, ويرحل المسيحيون, في كناية لمن يحق له أن يبقي ومن يجب عليه أن يرحل!!
المسألة الثانية, لفت نظري إليها بشدة, خبر تم تداوله عن قرار في كلية الألسن باعتبار اللغة المصرية القديمة لغة ثانية, مما أثار إعجاب الكثيرين, وقد أعلنت عميدة الكلية, بأن هذا الأمر متاح في الكلية بالفعل منذ عدة سنوات, فتذكرت علي الفور عدة إعلانات قرأت فيها عن تدريس اللغة المصرية القديمة المعروفة لدينا عرفا بالهيروغليفية, وذلك من خلال مراكز خاصة, وهي دورات تلقي إقبالا شديدا حتي أن هناك صعوبة في حجز أماكن! إذن فهناك إقبال من الشباب علي تعلم لغتهم المصرية القديمة خارج دارسي كليات الآثار, وهو أمر لو تعلمون عظيم, فهو يدعم الهوية المصرية في زمن تتشوه فيه الهويات وتتحول إلي مسخ, هو ربط لأبناء المستقبل بماضي بلادهم العريق, بالإضافة لما لذلك من تأثير إيجابي علي تحضير كوادر مؤهلة للتعامل مع السائحين, وبكل تأكيد فإن هذه الأجيال الساحرة من وجهة نظري, ستقدم لنا كل ما هو مدهش بتوظيف ذلك من خلال رؤي العصر وأدواته, وهو أمر منطقي فإذا اجتمع الخيال مع العلم مع أدوات العصر, تصبح القدرة علي الابتكار نتيجة مؤكدة, وقد شاهدت بنفسي فيديوهات رائعة يتحدث فيها شباب باللغة المصرية القديمة, فلما لا يتم تقديمها في المدارس كنشاط اختياري مبسط؟