تحتفل كنيستنا القبطية في شهر سبتمبر من كل عام بتذكار بدء العام القبطي الجديد، والتقويم القبطي هو تقويم الشهداء، وهو التقويم الذي تتبعه كنيستنا القبطية منذ عام 284 م – التاريخ الذي يوافق العام الأول للشهداء. واختارت كنيستنا هذا التاريخ كبداية لتقويم الشهداء لأنه يوافق بداية تولي الامبراطور دقلديانوس حكم الامبراطورية الرومانية، لأنه كان أعنف أباطرة الدولة الرومانية الذين اضطهدوا المسيحية في العصور الوثنية.
عيد النيروز مع عيد دخول العائلة المقدسة إلى أرض مصر وعيد استشهاد القديس مارمرقس هي من الأعياد التي يجب أن تنال اهتماماً خاصاً في احتفالات الكنائس القبطية في كل العالم لأنها تحمل تذكارات خاصة تتعلق بتاريخ كنيستنا القبطية في مصر.
في احتفال كنيستنا ببدء تقويمها الكنسي أحب أن أذكر أربعة ملامح تميزت بها كنيسة مصر عن كل كنائس العالم
1- الكنيسة القبطية كنيسة شهداء :
من المعروف في تاريخ كنيستنا أنها هي اكثر كنائس العالم التي تعرضت للاضطهاد على مر العصور – سواء العصور الوثنية أو عصور الحكم العربي – وحتى يومنا هذا، مع كل هذه الاضطهادات رفض أبناء الكنيسة القبطية أن يتخلوا عن إيمانهم بل تمسكوا به وقدموا حياتهم للاحتفاظ بايمانهم، فصارت كنيستنا صاحبة أكبر عدد من الشهداء في تاريخ كنائس العالم، وعرفت بأنها “أم الشهداء” وكانت هذه الشهادة دليل قاطع على صحة إيمانهم الذي قبلوا أن يقدموا حياتهم رخيصة في سبيل الاحتفاظ به.
2- الكنيسة القبطية كنيسة نسكية :
كنيستنا القبطية تعرف بأنها كنيسة نساك فمنها بدأت الحياة النسكية التي قادها الأنبا بولا أول النساك والأنبا انطونيوس أب جميع رهبان العالم في كل مكان، فكنيستنا القبطية هي أول كنيسة أحبت حياة العبادة والتفرغ لله والحياة معه . وعنها نقلت كل شعوب العالم المسيحي.
3- الكنيسة القبطية هي كنيسة الثقافة اللاهوتية
فكنيسة مصر هي الكنيسة التي قدمت للعالم كله الإيمان المستقيم مشروحاً شرحاً لاهوتياً عميقاً ومستقيماً ووافياً، لأنها كانت صاحبة أول معهد لاهوتي مسيحي وهو مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، وكان آبائها دائما هم المرجع الأمين لكل خلاف لاهوتي، لذلك كثيراً ما قاد آباءها المجامع المسكونية وفصلوا في كل منازعة لاهوتية، وعرف عن أولادها البطاركة أنهم قضاة المسكونة بمعنى أنهم استطاعوا أن يقدموا الحق الكتابي مشروحاً ومفصلاً شرحاً أميناً.
4- الكنيسة القبطية كنيسة اهتمت بالفن بصورة فريدة :
الفن القبطي يشمل العبادة والتسبيح، ثم الأيقونات والرسومات واخيراً الألحان والموسيقي. وتعرض التراث الفني القبطي في كثير من العصور السابقة للحرق ومحاولات الافناء بقصد طمس هذا التراث، وحاول البعض القضاء على تسابيح الكنيسة ولغة العبادة فيها، كما حاولوا طمس أيقونتها وصورها بطرق شتى إلا أن الكنيسة أصرت بكل قوة أن تحتفظ بتراثها الفني في كتب التسبيح والابصلموديات، وفي أيقونات وفريسكات لم يستطيع الزمن أن يمحوها، بل استمرت أديرتها حارسة وحافظة لهذا الثراث الفني القبطي على مر العصور .
لذلك في مناسبة احتفال كنيستنا بتذكار بدء عام قبطي جديد يجب أن نحرص أن نكون دائما أبناء أوفياء لهذه الكنيسة التي حفظت الإيمان بالشهادة والنسك والتعليم اللاهوتي السليم وبالفن المميز، ولتكن كإبن لها متمسكاً بهذا الثراث الذي حفظه لنا الآباء.