يعد قصر “عائشة فهمي” تحفة فنية نادرة لما يتميز به من إطلالة ساحرة ومباني جاذبية ,تجعلك تشعر وكأنك في زمن مختلف , ولكن من يدري أن لهذا القصر قصص وأحداث درامية ,جعلت أشهر فنان عاشها وهو “يوسف بك وهبي ” يجسدها بفيلم ,فالقصر الواقع على كورنيش النيل فى حى الزمالك شهد مأساة لأصحابه التى تحولت لأول فيلم ناطق شاهده المصريون عام 1932، وكانت قصتهم مادة دسمة للصحف فى مصر وأوروبا منذ حوالى مئة عام.
وتبدأ القصة “بأمير الشباب” علي بك فهمي الشاب الصغير الذي لم يتجاوز العشرين وأصبح من أثرى الأثرياء بعد أن ورث أموال والده العصامى، كان على الولد الذى رزق به أباه بعد أربعة بنات، لهذا لم يكن غريبًا أن يكون مدللًا ويظهر للمجتمع فى صورة الشاب المدلل مرتاد الملاهي الليلية الذى ينفق الأموال ببذخ شديد، عاش حياة لاهية وأصبحت أخباره تملأ المجتمع، لم يكن غريبًا أيضًا أن ترفض العائلات الأرستقراطية مصاهرته بسبب سوء سمعته ومجونه.
على هو من بنى هذا القصر وأنفق عليه أموالًا طائلة ليبدو كتحفة معمارية، وجلب له أغلى الأثاث من أوروبا، إنتهى الحال بالمليونير المصرى الشاب الذي لقبته الصحافة بأمير الشباب للوقوع في غرام إمرأة فرنسية سيئة السمعة تدعى مارجريت تكبره بعشرة سنوات.
ويقول صلاح عيسى في كتابه عن فهمي: “كان لا بد بعد أن تسقط أقنعة اللهفة والحب والشوق، أن تكشف الحقيقة عن نفسها. كانت مارجريت نموذجًا للمرأة المجربة ذات التجارب المتنوعة، تعرف هدفها بسهولة وتسعى إليه، ومن المؤكد أنها رغم سيرتها الشائنة في باريس لم تكن قد فكرت بعد في أن تخون (البرنس) علي كامل فهمي الذي سد عليها كل الذرائع بثروته، ولكنه كان شديد الغيرة عليها”.
ويتابع “عيسى”: “بعد الزواج نتيجة اختلاف الثقافات والحضارات تصاعدت الاختلافات بينهما وأصبحت الهوة كبيرة بين الزوجين، وحدث ذلك الصراع بين السيدة الفرنسية التى ترغب في الرقص والسهر بعد انتقالها إلى الحياة في مصر حيث الحرملك الذي وضعها فيه زوجها فلم تكن قادرة على الخروج بكامل حريتها كما كانت تفعل في السابق، فازدادت المشاكل بينهما التي كانت تصل إلى ضرب علي فهمى لمارجريت أمام الخدم، ثم يعود مره أخرى ليعتذر لها، واستمرت الأحوال هكذا بينهما”.
وبعد ستة أشهر فقط من الزواج فى صيف عام 1923 أثناء رحلة للزوجان فى لندن ,تنشب بينهما مشاجرة، خلال المشاجرة قامت مارجريت بإطلاق ثلاثة رصاصات على زوجها المصري فأردته قتيلًا.
الزوجة حصلت على البراءة فى المحاكمة التى جرت فى لندن، بفضل محاميها السير مارشال هول الذى حصل حسب رواية «الأهرام» على 3 آلاف جنيه، إضافة إلى 2000 جنيه لمساعد المحامي، و500 جنيه أخرى لمساعده الثاني، ودفعت إلى الصحف البريطانية والفرنسية 4500 جنيه لجذب إستعطاف المواطنين لها ، كانت محاكمة غريبة فحجة المحامى لطلب البراءة لموكلته أن الزوج شرقى همجى كباقي الشرقيين وكان هذا سببًا كافيًا للمحكمة لإصدار الحكم ببراءة مارجريت التي بلغت بها الجرأة أنها سعت للحصول على ميراثها من ثروة ضحيتها لكنها فشلت فى هذا.
أصبح القصر الجميل ملكًا لعائشة فهمى أخت على وكانت أيضًا وقتها زوجة الفنان العظيم يوسف بك وهبى الذى استلهم من قصة نسيبه مادة فيلمه “أولاد الذوات” أول فيلم مصرى ناطق شاهده المصريين عام 1932، الفيلم أثار إستياء الأوروبيين فى مصر وفى أوروبا فقد دافع فيه يوسف وهبى عن الشرقيين وأظهر المرأة الأوروبية فى صورة أغضبتهم، فهاجمته الصحف الأوروبية وطالبت بمنع عرضه، كان الفيلم سببًا فى طلاق يوسف وعائشة.
صدر قرار جمهوري عام 1958 بنزع ملكية القصر وضمه لممتلكات الدولة .
عرض الفيلم
تم تصوير الفيلم بين مصر وباريس، وتم عرضه لأول مرة في 14 مارس 1932م، وجمع عددًا من رواد الفن في مصر، إذ أخرجه محمد كريم، وشارك في التمثيل يوسف وهبي، ودولت أبيض، وأمينة رزق، وشاركت كوكب الشرق أم كلثوم بالغناء فيه، وحمل رسالة من يوسف وهبي إلى الغرب مفادها أن الشرقيين ليسوا وحوش أو مجتمع رجعي بل النقيض هو الصحيح، فالكثيرات من السيدات الأجنبيات تتطمع في أموال الشباب المصريين، ولا تحترمن الكرامة والشرف ولا الأخلاق.
غضب الغربيون كثيرًا فكيف للشرق أن يصف المرأة الفرنسية بـ الكاذبة المادية ؟ وإعتبروها إهانة للغرب، وهاجمت الصحف الغربية صناع الفيلم، خاصة يوسف وهبي وأرسلت له مئات الرسائل، وكان رد يوسف وهبي وقتها أن أشعلها جميعها ليشعر بالتدفئة داخل منزله.
ولم يتوقف الأمر عند حد الصحافة، بل أن بعض الأجانب في مصر، قدموا شكوى لوزارة الداخلية ضد فيلم أولاد الذوات وطالبوا بمنعه من العرض لأنه يتضمن أسبابًا للنفور، وذلك بحسب مذكرات المخرج محمد كريم.