أخطر ما يمكن أن نواجهه كأمة هو اختفاء الطبقة الوسطي من طبقات المجتمع فهذه الطبقة المتمثلة في المثقفين المصريين وأساتذة الجامعات, والقضاة, والمحامين, والتجاريين, والمهندسين وضباط القوات المسلحة والشرطة والصحفيين, والإعلاميين والأدباء والفنانين هؤلاء وغيرهم هم حاملو شعلة تقدم الوطن وهم وقود التقدم في شتي مجالات الحياة بالبلاد.
ولعل التاريخ المعاصر ومنذ نهضة مصر الحديثة عام 1805 تحت لواء محمد علي باشا الكبير وكان للطبقة الوسطي من المصريين دور بارز في الحياة الاجتماعية والسياسية ومع نشأة الحياة النيابية المصرية وصدور دستور 1923 وظهور الأحزاب السياسية منذ عام 1907 بداية بالحزب الوطني بزعامة مصطفي كامل وحزب الأمة, وغيرهم من أحزاب واتقاد الحركة الوطنية المصرية وصولا لذروة الأحداث بقيام ثورة 1919 بقيادة الزعيم سعد زغلول وتوحد الأمة تحت شعار الهلال والصليب كل هذه الأحداث وتراكمها الوطني وبجانبها ظهر طلعت حرب باشا وبدأت الحركة الاقتصادية الوطنية بإنشاء بنك مصر وشركاته المتعددة والتي قادت البلاد إلي شبه استقلال اقتصادي قبل الحصول علي الاستقلال السياسي من الدولة المحتلة بريطانيا العظمي.
إلا أن بجانب هذا ظهرت الثقافة المصرية والفن المصري معبرا عن تحول درامي في الحياة الاجتماعية المصرية وزاد وقود الوطن بأبنائه من شعراء وأدباء وفنانين ومن السينما الصامتة إلي الناطقة والإذاعة المصرية والمسرح وأصبحت مصر وجهة ومنبرا للفن والثقافة العربية والإقليمية, كذلك بدأت الجامعة المصرية رواسيها في بداية عام 1908 لكي تحمل مشاعل العلم والمعرفة بجانب الجامعة الأم (الأزهر الشريف) الذي تعدي زمن وجوده الألف عام وهكذا كانت الطبقة الوسطي في مصر هي المحرك وهي الوقود وهي الشعلة للثورة وللتقدم وللحرية أيضا حتي مجيء ثورة يوليو 1952 وكان صغار ضباط الجيش المصري من أبناء الفلاحين والعمال ومن أبناء بعض الأسر ذات التاريخ السياسي والاقتصادي الوطني هم طليعة التحرر من الاستعمار وحملة مشاعل الحرية ليس في مصر فقط ولكن في محيطها من بلاد عربية وأفريقية وأيضا آسيوية بل تعدت ذلك إلي بلاد في أمريكا اللاتينية..
كانت أيضا الطبقة الوسطي هي محور وهدف حركة الضباط الأحرار ولعل بعد هزيمة 67, وانكسار تلك الطبقة وانكسار الحلم وهجرة أغلب الأبناء من هذه الطبقة سعيا للرقي والتقدم سواء في طريق العلم أو جمع المال إلا أن عودة بعضهم للوطن بعد انتصار مصر عام 1973 وتوجه الدولة إلي اقتصاد حر, وانفتاح, وتعديل المسار من الاشتراكية إلي الرأسمالية المراعية للبعد الاجتماعي الوطني هذا ماقيل وهذا ما نود التأكيد عليه كلما اجتاحتنا وحشية النظام الرأسمالي إلا أن الطبقة الوسطي في مصر مازالت تعيش تحت ضغط المسئولية الاجتماعية وتدني أجورها ودخلها وتدني حياتها الاقتصادية وانكماشها في التصدي للمشاكل الحياتية فأصيب المجتمع بما نواجهه اليوم وهو افتقادنا إلي بوصلة تقود الأمة إلي وضعها الذي تستحقه بين الأمم لا حل إلا بعودة هذه الطبقة للحياة وللنشاط, وللحيوية التي اعتادتها حتي نستكمل طريق التقدم والتنوير والرفاهية لجميع طبقات شعب مصر.
E.mail: [email protected]