ماذا تعني كلمة التجنيد الصناعي والتعليم الفني, والمعني الذي قد يخطرعلي بال أي من السامعين وأقصد هنا المسامع المصرية إذا ذكر الحديث عن التجنيد فهذا يعني واجب الوطن الذي توليه مصر اهتماما كي يكون أبناء الجيش من كل أطياف الشعب وهي فترة زمنية تكون بعد انتهاء مرحلة الدراسة لكل من يحمل الجنسية المصرية كي يتدرب علي المعايشة للحياة العسكرية وتزيد قدراته البدنية والفكرية والتدريبية علي أنواع الأسلحة واستخدامها والتكتيك العسكري لمواجهة أي أعداء دفاعا عن الأرض والعرض وتحقيق أمن وأمان الوطن.
وتأتي كلمة التعليم الصناعي علي أنه مختصر الحال علي إعداد أيدي وعقول مصرية خلال فترات دراسية تتراوح من 3 إلي 5 سنوات لإعداد الكادر المصري علي التعامل مع الصناعات المختلفة والتي تقوم عليها أي دولة اقتصادية تريد أن يكون لديها عمالة قادرة فنية تقود عجلة التنمية والإنتاج.
ويمثل التعليم الصناعي 40% من طلاب المرحلة الثانوية سنويا, بنحو 1.9 مليون طالب, موزعين بين مدارس التعليم الفني الزراعي, والصناعي, والتجاري, والفندقي ويتوزع هؤلاء الطلاب علي 2266 مدرسة في جميع محافظات الجمهورية, يقدم لهم الخدمة التعليمية حوالي 150 ألف معلم ومعلمة, وتحتل منظومة التعليم الفني في دول العالم المتقدم, وفي الاقتصاديات سريعة النمو مكانة كبيرة, فعلي سبيل المثال 70% من العمالة في ألمانيا -أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي- من خريجي التعليم الفني, وفي سنغافورة يحصل خريجو التعليم الفني علي رواتب تعادل رواتب مديري البنوك, بينما في كوريا والصين تخرج سنويا حوالي 30% من خريجي التعليم فيها من العمالة الفنية شديدة المهارة, وهي القادرة علي غزو جميع أسواق العالم بإنتاجها للهواتف المحمولة, بل إن هذه الدول أصبحت تصدر هذه الكفاءات للخارج في كل من هونج كونج والصين.
ويحتل التعليم الفني والتدريب المهني في الاستراتيجية المستقبلية رؤية مصر 2030, مساحة كبيرة ضمن محور الأهداف الاجتماعية, منها تحديد الأهداف الاستراتيجية الخاصة بالتعليم الفني والتدريب, وتستهدف هذه الاستراتيجية طالب التعليم الفني, وأصحاب الأعمال.
وترجع أهمية التعليم الفني إلي أنه أحد أهم آليات الدولة في مواجهة البطالة, وتحقيق العدالة الاجتماعية, وزيادة القدرة التنافسية للاقتصاد, وبشكل عام, يبلغ معدل كثافات الفصول في مدارس التعليم الفني حوالي 39 طالبا للفصل, مقارنة بـ41 طالبا بالثانوي العام لكل فصل, طبقا لإحصائيات وزارة التربية والتعليم 2017-2018.
وتتباين نسبة الطلاب للمعلمين بين الثانوي العام, والفني بشكل كبير, إذ تبلغ هذه النسبة 16 طالبا لكل معلم بالتعليم الثانوي العام, مقارنة بـ22 طالبا, لكل معلم في التعليم الفني الفندقي, و17 طالبا لكل معلم في التعليم التجاري, و15 طالبا لكل معلم في التعليم الزراعي, وتنخفض هذه النسبة إلي 9 طلاب لكل معلم في التعليم الفني الصناعي, بحسب تقديرات عام 2018, هذه المؤشرات تؤكد أن الإقبال علي مدارس التعليم الفني الفندقي هي الأعلي بين جميع مدارس التعليم, والسؤال هنا: هل هناك فعلا ربط ما بين الصناعات المعاصرة والتي تستهدفها الدولة, وبين التعليم الصناعي الحالي, والذي لم يتم تطويره تبعا لآليات الصناعات الاقتصادية المتقدمة.
وقد يبدو من الأرقام السابقة أن أعداد الخريجين من التعليم الفني الصناعي قد لا تستوعب منها السوق المحلية غير نسبة لا تتعدي 10% من مجمل الخريجين السنوي وتظهر تلك النتيجة من السبب الرئيسي لعدم ربط احتياجات سوق العمل بالطلب المحلي من الصناعات التي تنتهجها الدولة ويحتاجها الاقتصاد القومي مثال الصناعات التي تشتهر بها بعض محافظات مصر كالأثاث والجلود والتمور والحاصلات الزراعية والموالح وصناعات الدواء بالإضافة إلي بعض الصناعات الثقيلة مثال الحديد والصلب والأسمدة والأسمنت والمحاجر والملاحات والصناعات التعدينية وقد لا تكون تلك الصناعات المذكورة مطلبا لدي الشباب بسبب قلة الراتب وضعف الخبرة, بسبب عدم ربط التعليم الفني بتلك الصناعات والتي هي متوقفة فقط علي فترة التعلم من التحاق العامل بالمصنع وليس هناك دارسة علمية قبل تلك الفترة.
وأسعي هنا إلي تذكير القارئ بفترة الاحتلال العثماني 1840 وما أعقبه من نقل كل الصناع المهرة لصناعات وحرف كانت متوارثة للأجيال من العمارة والرسم والنحت غيرت معالم الأستانة ولم يجد محمد علي باشا في بناء دولة مصر الحديثة غير سبيل إرسال البعثات إلي الخارج لإتقان تلك الحرف والاستعانة بالخبراء الأوروبيين في تعليم وإنشاء جيل صناعي حرفي في المصانع المختلفة سواء الصناعات العسكرية والحرفية والفنية بل وأيضا صناعة البنية التحتية, ومن بين ذلك وتلك أجد أن أحد السبل الأساسية لتقويم الاقتصاد المصري هو إعادة توجيه الجيل التعليمي الصناعي بعد انتهاء المرحلة الإعدادية وطرح نظرية الالتحاق بالمدرسة الصناعية التخصصية التي تشتهر بها كل محافظة طبقا لخريطة الصناعة بها فمثلا محافظة دمياط يتم عمل مدرسة ثانوي صناعي تشمل عشرة تخصصات أثاث المطابخ الحديثة وأثاثات المنازل وأثاثات المكاتب وأثاثات الفنادق وديكور الأثاثات وكذلك محافظة بني سويف إنشاء عشر مدارس ثانوي صناعي تشمل صناعة الإسمنت وصناعة الحديد والصلب وصناعة الأجهزة الكهربائية الحديثة وصناعة الرخام والالباستر وصناعة الموالح الغذائية وصناعة الدواجن وصناعة تغليف وحفظ النباتات الطبية وصناعة الطوب الطفلي والإسمنتي وهكذا بالنسبة لمعظم المحافظات علي مستوي الجمهورية.
وهنا سبيل آخر من الحلول السريعة والتي يمكن تطبيقها في الحال وهو طرح أن تكون فترة التجنيد الحالية للمؤهلات المتوسطة وفوق المتوسطة (دبلومات ومعاهد نظرية) تشمل 50% من الفترة الزمنية للتجنيد هو التدريب علي معظم الصناعات الحديثة سواء كانت ثقيلة أو متوسطة أو خفيفة ويعطي فيها المواطن المصري المجند قدرا من التعامل مع الصناعات الحديثة والمتقدمة والتي تحتاجها السوق المصرية مثال مصانع السيارات الكهربائية ومصانع الجلود الحديثة ومصانع الإسمنت والحديد والصلب والتصنيع العسكري والتصنيع المحلي للمنسوجات والملابس بحيث يهيأ هذا العقل أثناء فترة التجنيد علي العمل الذي يستطيع به التفرد كعامل ملتزم بدنيا وصحيا وفكريا للالتحاق بأي من المصانع التي تستهدف الدولة في الفترة القادمة التركيز علي الصناعة المصرية وإعادة تلك المصانع المتوقفة إلي العمل مرة أخري ولكن بتخطيط وتنفيذ مختلف يتماشي مع مرحلة التنافس عالميا.. وإلي تكملة قادمة.