إسماعيل كاداريه, الذي أحب أن أنطق اسمه إسماعيل قدري, روائي ألباني, عرفت نتاجه الأدبي منذ منتصف العقد الثامن من القرن الماضي, بعد حضور سفير ألباني إلي القاهرة, مازلت أذكر أنه خلال اللقاء معه, تكلمت عن محمد علي الألباني المولد, باعتباره مؤسس مصر الحديثة.
انزعج السفير يومها, ورد علي بأن وصف محمد علي بأنه إمبريالي -حسب تحليلات الحزب الشيوعي الألباني, ورؤية القائد أنور خوجا- المهم أنني عند انصرافي قدم لي السفير رواية ألبانية مترجمة إلي العربية التي كان يحبها السفير, وكانت الرواية كشفا واكتشافا لروائي لم أكن قد عرفته.
بعد ذلك بسنوات, توالت ترجمة رواياته إلي العربية, ثم أصبح من نجوم الكتابة في الغرب, بعد أن ترك بلاده واستقر في فرنسا, بل وأصبح يكتب كتاباته بالفرنسية, ترجمت له رواية واحدة في هيئة الكتاب هي: العرس, ورواية أخري أعيدت طباعتها في روايات الهلال هي: الحصن, وأعماله الجميلة والبديعة قد صدرت مترجمة للعربية, في دمشق وبيروت, وأخيرا صدر كتاب عنه كتبه صديقي محمد الأرناؤوط, رئيس جامعة آل البيت في الأردن.
وربما كان المثقف العربي الوحيد المهتم كثيرا بالتجربتين التركية والألبانية, وخطورة كتاب محمد الأرناؤوط أنه يتحدث لأول وآخر مرة عن محاولات إسماعيل قدري الحصول علي جائزة نوبل, ولذلك يقفز لذهني في أكتوبر من كل عام, ثم يعود إلي النسيان.
وقعت في يدي مؤخرا رواية جديدة له, وهي قصة طويلة أو رواية قصيرة, تقع في حوالي سبعين صفحة من القطع الصغير, وفيها كل ملامح عالم إسماعيل قدري, الأحداث تجري في ألبانيا, في زمن أنور خوجا, وإن كان من الواضح أنها مكتوبة بعد سقوط النظام الشيوعي, تدور الرواية في أوساط المثقفين, في زمن الالتزام والكتابة الواقعية, وتمجيد القائد العظيم.
البطل يعرف أن شاعره المعبود قد دخل قصة حب, ثم دخلت قصته في دروب الغموض, فيقرر السفر إلي بلد الشاعر التي هي في نفس الوقت مقر القائد, إسماعيل قدري, الذي قام مشروعه علي كتابة واقعية, فيها شعرية يكتب روايته هذه بشعرية تعلو علي الواقع, ويشيع في أرجائها حالة جميلة من الغموض تذكر الإنسان بروايته الرائعة: من أعاد دورنتين؟! وروايته الأكثر روعة: نيسان مقصوف, ومثل معظم رواياته يرويها بضمير المتكلم, ولا يصرح أبدا, أن الطاغية الذي لا يحدده, قد نكل بالشاعر لأن هناك قصة حب جمعت شابة مع الشاعر والطاغية معا.
الرواية القصيرة تتفحص لحظات التحول في ألبانيا, وأنا أعرف أن إسماعيل قدري ترك ألبانيا ويقيم في فرنسا منذ سنوات, بل إنه كتب بعض أعماله الأخيرة بالفرنسية مباشرة, لكني أعتقد أن إدانته للشيوعية من خلال رواياته, كان يجب أن تتوقف عنده, لأن قدري نفسه هو صاحب رواية: قصة مدينة الحجر, التي تروي تجربة البناء الاشتراكي في ألبانيا, وأيضا فهو كاتب رواية: قصر الأحلام التي تنتقد الأساليب البوليسية التي وصل تجسسها إلي محاولة معرفة أحلام الناس, لكني ما كنت أتصور أن الرجل قادر علي إعادة إنتاج نفسه بهذه القدرة الكبيرة التي تعني الانقلاب علي النفس.
أصدقكم القول إن إسماعيل قدري جميل لحد العذوبة حتي وهو -ينتقد- الفترة التي تغني بها طويلا بشكل مغاير وبطريقة مخالفة, صدق من قال: إن أعذب السرد أكذبه.