(1)الإصرار علي أن تخرج معها:
حكي لي أحد الأصدقاء,قال:ذات يوم كنت أزور قريبة لي,فلاحظت أن ابنتها التي تبلغ الرابعة من عمرها,التي كانت تلعب في حديقة البيت,كثيرا ما تقاطع عمل أمها المنزلي,وتصر علي أن تخرج الأم معها إلي الحديقةلتتفرج…عندئذ تريها في حماس بالغ زهرة أو فراشة أو نملة تزحف…بعد أن تكرر ذلك أمامي عدة مرات,قلت:أري أن ما تفعله ابنتك يعطلك كثيرا عن عملك اليومي في المنزل.ابتسمت الأم وهي تقول في سعادة:لقد جئت بها إلي العالم,وأقل مايجب أن أفعله,أن أتركها تريني ما لم أعد أستطيع رؤيته!!.
(2)صرخة ألم:
كانت أسرة حازم تجلس علي شاطئ الترعة الواسعة,وقد افترشت مساحة غطتها الحشائش الخضراء.شرب حازم محتويات علبة من عصير الجوافة,وبغير تفكير ألقي العلبة الفارغة في الماء…عندئذ سمع صيحة ألم كأنما شخص يقول:آه!! تلفت حازم حوله,لكنه وجد الكل يضحكون.بعد قليل جمعت أخته في صفحة من الورق بقايا السمك المتبقي من الغداء,وطوحت بها إلي سطح الماء…وللمرة الثانية ترن في أذني حازم آهة الألم التي لم يعرف مصدرها حتي الآن!!…ثم سمع صرخة الألم للمرة الثالثة عندما ألقي أخوه في الماء بأغطية الزجاجات,وما تبقي من أوراق كانت الأسرة تغلف بها ما حملته معها من الطعام.
عندئذ تنبه حازم إلي أن تلك الصرخات والآهات المتألمة كانت تصدر عن الماء.ثم شاهد وجه الماء يبدو غاضبا مكفهرا,وقد شوهته النفايات وبقايا الطعام وعندما كانت الأسرة تهم بالانصراف,سمع حازم كأنما الماء يهدر في غضب قائلا:لقد استمتعتم بيومكم…لكن…ماذا عني أنا؟! لقد قذفتموني ببقايا طعامكم, وجعلتم وجهي ملوثا مشوها,وأصبتموني بالقبح والألم…
(3)هل تسمعني يا بابا؟!
كان الأب يراقب برنامجا علي شاشة التليفزيون,عندما دخل ابنه مروان وعمره خمس سنوات,قادما من مدرسة الروضة,وتقدم إلي والده قائلا ودموعة في عينيه:عاطف زميلي ضربني…هل تسمعني يا بابا؟ ثم أمسك مروان بذراع والده ليتأكد أنه جذب انتباهه,وأكمل قصته:لذلك ضربته أنا أيضا…لكنه ضربني ثانية ضربة أشد…هل تسمعني يابابا؟ عندئذ قال الوالد وهو يركز سمعه وبصره علي شاشة التليفزيون:لقد سمعت كل كلمة لكن مروان صاح محبطا:لا…أنت لم تسمعني,ولن أحكي شيئا بعد الآن!.
أحست والدة مروان بما أصاب ابنها,فاقتربت منه وأخذته معها بعيدا تماما عن التليفزيون,وقالت له في تعاطف واهتمام:لقد اشتكيت لي مرات كثيرة من عاطف هذا…هل عندك طريقة لنستريح من أذاه؟في الحال اندفع مروان الصغير يقول:هل تعرفين يا ماما ماذا سأفعل؟سألعب مع حسام…إنه لا يضرب أحدا!! هنا ابتسمت الأم وهي تهمس إلي نفسها:عندما أصغيت باهتمام حقيقي إلي متاعب ابني,استراح بعد أن أفرغ كل ما بنفسه أمامي,بل استطاع أن يجد بنفسه الطريق السليم لحل مشكلته!.
(4)أمي عندما تشرح لي بهدوء!!
قال تامر الصغير:أنا لا أقصد أن أسببزعل لماما,لكنني أنسي أحيانا بعض الأشياء.ذات مرة نسيت حنفية الحوض مفتوحة بعد أن غسلت وجهي….زعقت أمي قائلة لي:أنت لا تعرف معني المسئولية…دائما تفتح الحنفية ثم تتركها مفتوحة…أنت تريد أن تتسب في غرق الشقة كلها الحقيقة أنني في معظم الأحيان أقفل الحنفية,وإن كنت أنساها في مرات قليلة.كانت كلمات أمي تدور كلها حول الخطأ الذي ارتكبته,لكنها لم تحدثني أبدا عن الصواب الذي يمكن أن أقوم به.
ولأنني كنت أشعر بالخوف والاضطراب من طريقة حديث أمي,فقد انحصر تفكيري في التصرف الذي اعتبرته أمي خطأ متعمدا مني,فلم أستطع التفكير في الصواب الذي يجب علي أن أقوم به! كنت أنتظر من أمي أن تقول:انظر يا تامر…الماء ملأ الحوض,وبعد قليل سينزل إلي الأرض ويغرق الشقة.لو أن أمي قالت لي هذه العبارة بهدوء لكان من الأسهل أن أناقش مع نفسي الخطأ الذي ارتكبته,وأن أهتدي بنفسي إلي الصواب الذي يجب أن أقوم به.إن أمي عندما تشرح لي الموقف بهدوء,تجعلني أفكر فيما فعلت,وفي النتائج التي قد تترتب علي تصرفي وهذا يساعدني علي أن أتذكر الصواب في المرات القادمة.
(5)إجابة لايتوقعها أحد!!
في لقاء موسع بمدينة الأقصر,مع عدد كبير من المدرسين والمدرسات للمرحلة الابتدائية,كان النقاش يدور حول أساليب عقاب الأطفال,وقد حكت إحدي المدرسات الواقعة التالية,قالت:سألت تلاميذي في الصف الخامس الابتدائي:هل توافقون علي الضرب كعقوبة؟ كانت الأجابة من الجميع,إنهم يوافقون,لأنهم وجدوا المجتمع كله يقر ذلك.
قالت المعلمة:بدأت مع الصغار حوارا طويلا,أوضحت لهم فيه أضرار الضرب والآثار السلبية للإيذاء الجسدي والنفسي للأطفال,لأنه يشعرهم بالإهانة والإحباط,وبفقد الحب والأمان,مع نمو الميول العدوانية عند الأطفال,وظهور أمراض نفسية تستمر مع الإنسان طوال عمره,مثل القلق والكذب,بل والتخريب والسرقة.
أضافت المدرسة:في نهاية الحوار,عدت أسال نفس السؤال الذي بدأت به الحديث,فأجاب عشرون إنهم لا يوافقون علي الضرب كأسلوب للعقاب,في حين أجاب خمسة عشر,بينهم عدد كبير من الفتيات,إنهم يوافقون.وعندما سألتهم عن سبب هذا الإصرار,سمعت أغرب إجابة كنت أتوقع سماعها.قالوا:اقترح الزملاء,بدلا من الضرب,عقوبات أخري,مثل الحرمان من المصروف,أو وضع قيود علي الخروج من البيت,أو المنع من مشاهدة التليفزيون وهذه عقوبات تحرمنا من أشياء نعتبرها مهمة في حياتنا.أما الضرب فقد دربنا أنفسنا علي أن نتلقاه بغير اهتمام,وكأنهم يضربون شخصا آخر غيرنا!!.
يعقوب الشاروني
Email:[email protected]