انشغلنا سويا ـ نظير جيد وأنا ـ بالإصلاح الكنسي وليس بالإصلاح الديني لأن الإصلاح الكنسي يقف عند حد تناول الفساد الخلقي, أما الإصلاح الديني فيتجاوز الفساد الخلقي إلي الفساد العقائدي, وكل منا لم يكن مهيأ إلا للإصلاح الكنسي, ومع ذلك فإن تناول الإصلاح الكنسي لم يكن بالأمر الميسور لأن كتاب الدسقولية الذي يشتمل علي قوانين الكنيسة به عبارة حادة تقول: رئيس شعبك لا تقل فيه كلمة سوء وأنا أضفت حتي لو كان مخطئا, وهنا تحفظ نظير جيد علي هذه الإضافة لأنها إذا قيلت لن تكون مقبولة من شعب الكنيسة بحكم تحكم التراث بسبب رفض إعمال العقل في نقده وكان البديل عنده المراوغة فقلت إذن: فلنراوغ وكان السؤال بعد ذلك: كيف؟ وكان الجواب يستلزم في البداية عرضا لمظاهر الفساد الخلقي من أجل العثور علي نقطة البداية.
المشوار إذن طويل وتعدد اللقاءات أصبح أمرا لازما, وكان السؤال: أين يكون اللقاء بمعزل عن الآخرين؟ منزلي لم يكن صالحا لأن به آخرين من والدين وإخوة وأخوات ومنزل نظير جيد لم يكن صالحا هو الآخر, فهو وإن كان يقيم في غرفة معزولة عن شقة أسرته إلا أنه في حينها كان كاريزما, أي نموذجا مثاليا لدي شباب مدارس الأحد, ومن ثم كانت غرفته مكتظة علي الدوام بهؤلاء الشباب وعندئذ اقترح نظير جيد أن يكون اللقاء في مقهي بمحطة مصر, حيث روادها في حالة انتظار لقطار قادم أو لقطار راحل ومن هنا يكون صمت روادها واردا ونظير جيد نفسه كان من رواد ذلك المقهي, حيث كان مكانا محببا لديه إذ كان يستذكر فيه دروسه عندما كان طالبا بمعهد الآثار ومع ذلك كان ترتيبه الأول.
وفي تلك اللقاءات المتعددة بذلك المقهي واجهنا ظاهرة فاسدة وصارخة اسمها السيمونية وهي مردودة إلي سيمون الساحر الذي أراد أن يقتني موهبة الله بدراهم يدفعها لرسل المسيح فرفضوا, ومن ثم صارت معناها مرادفة لبيع الوظائف الكنسية بالمال.
وكان في مقدمة هذه الوظائف التي شاهدناها بيع وظيفة مطران الجيزة الشاغرة لمن يدفع أكثر, وكان المرشحان راهب والآخر مؤسس مدارس الأحد حبيب جرجس, وبالرغم من عظمة هذا المؤسس والقوة المؤثرة لقيادات مدارس الأحد بالجيزة إلا أن منافسه كان مقتنعا بالسيمونية فدفع خمسة آلاف جنيه أما حبيب جرجس ومؤيدوه فرفضوا السيمونية ولهذا كانت النتيجة حتمية وهي فوز الراهب بكرسي المطرانية.
ومات بعدها حبيب جرجس شهيدا وكتبت مقالا افتتاحيا في مجلة مدارس الأحد لأني كنت في حينها مسئولا عن تحريرها, وجاء المقال تحت عنوان زاهد الدنيا وقلت في الخاتمة: من آيات شهادته أن يدفعه الشباب إلي الترشح لمطرانية الجيزة ولم تكن له حيلة في رفضها فقد دفع إليها دفعا في وقت تأزمت فيه قيم الكنيسة فتقوم الحوائل كلها بينه وبين انتخابه مطرانا, ولم أقف عند حد الكتابة عنه بل امتدت كتابتي عن المطران الذي فاز ولكن بأسلوب غير مباشر في مقال آخر في سبتمبر 1953 تحت عنوان بالونة فماذا كان مغزي هذا العنوان؟