أنطون سيدهم.. ومشوار وطني
أنطون سيدهم.. والسياسة الداخلية
أصبحت جرائم الاغتصاب ظاهرة بشعة في هذا البلد المسكين, فبعد أن كانت نادرة الحدوث, وتقترف بطريقة فردية يعتبرها المجتمع من الجرائم الغريبة التي لم يعتدها الشعب المصري, أصبحت الآن من الظواهر الدائمة الحدوث, فلا يمر أسبوع إلا ونقرأ بالصحف عن جريمة أو أكثر من جرائم الاغتصاب, حتي أصبحت أخشي أن تفرد لها الجرائد اليومية بابا خاصا يحوي تفاصيل هذه الأفعال البشعة المخجلة, كانت جرائم الاغتصاب حتي عهد قريب فردية, يقترفها أفراد غير طبيعيين ـ ينبذهم المجتمع لأنهم شذوا عن تقاليده وآدابه, أما الآن فأصبحت جرائم جماعية تقوم بها مجموعات من الشباب, بل واتخذت شكلا غريبا وهو اختطاف الإناث من إخوتهن وأزواجهن وعائلاتهن تحت وطأة إرهابهم بالأسلحة المختلفة, ثم الاعتداء عليهم بشكل جماعي وحشي, وبطريقة حيوانية سافلة.
نعم أن جرائم الاغتصاب جديدة علي مجتمعنا الذي كان يتسم بالشهامة والرجولة والبعد عن هذه الأفعال الجنسية البهيمية, لا ليست بهيمية لأن البهائم لا يقترفون مثل هذه الأفعال المخجلة التي يندي لها الجبين وليست هذه الجرائم فردية ونادرة الحدوث, كما يخرج علينا بعض المسئولين بتصريحات من هذا القبيل, بل اتخذت شكلا وبائيا, ففي هذا الأسبوع جاء في الصحف خبر اختطاف سيدة متزوجة وتبادل الاعتداء عليها عدة مجرمين, ثم حادث خطف شقيقتين واغتصابهما, وهذه هي بعض جرائم الاغتصاب, لأن الكثيرات من الإناث اللاتي يعتدي عليهن يمتنعن عن التبليغ عنها خشية الفضيحة.
أن الصراخ قد كثر بالمطالبة بتشديد العقوبات وسرعة الحكم في قضايا الاغتصاب وبتنفيذها, إن هذا مطلب حق وملح.. ولكن يجب أن يقوم علماء الاجتماع بمعالجة هذه الأسباب التي أفرزت هذا النوع من الجرائم.
قد تكون هناك أسباب اقتصادية, ألا وهي عدم كفاية دخل الشباب وبالتالي عدم تمكنه من الحصول علي مسكن وزوجة يأتلف بها, وقد تكون البطالة التي اتخذت شكلا مزعجا وخصوصا أن الكثيرين من العاطلين من أصحاب الحرف رجعوا من الدول العربية, وأصبحوا معدومي الدخل والمورد.
كما قد تكون هناك أسباب أمنية, وهي عدم وجود رجل الشرطة بالمدن, كما تعودنا أن نراه في عهود مضت, وبذا أصبح الميدان مفتوحا أمام الخارجين علي القانون من مغتصبين ونشالين ومجرمين يقترفون جرائمهم في وضح النهار وتحت سمع الجمهور وبصره, وبتهديد الأسلحة البيضاء وخصوصا المطاوي التي انتشر استخدامها بشكل مخيف.
كما قد يكون السبب سياسيا وهو خلو الشارع المصري من الأحزاب التي كانت تجتذب الجماهير وخصوصا الشباب للانتظام بين لجانها المختلفة والتحمس لمبادئها وبرامجها, بل أصبحت الأحزاب السياسية في واد والجماهير في واد آخر.
كما أنه قد يكون السبب اجتماعيا, وهو تفكك الأسرة المصرية لارتفاع تكاليف المعيشة واضطرار الأبوين المسكينين للعمل للحصول علي القوت الضروري لأفراد الأسرة, مما يجعل الأولاد ينشأون بعيدين عن التربية السليمة والأخلاق والقيم اللازمة لقيام المجتمع الناضج السليم, فتتفشي بين الشباب المبادئ الهدامة.
في الحقيقة فإن جميع هذه الأسباب مجتمعة تفاعلت فأنتجت هذا الشباب المنحرف الذي أخطأ الطريق, فعلي الحكومة والشعب أن يتكاتفا لمعالجة هذه المشكلة طبقا لما يضعه المختصون من علاج لأسباب هذه الظاهرة المؤلمة.