برئاسة وحضور نيافة الحبر الجليل الأنبا مارتيروس أسقف عام منطقة شرق السكة الحديد عقد بمركز “بى لمباس” بمقر نيافته بكنيسة السيدة العذراء بمهمشة اللقاء الشهرى، وضمن مجموعة محاضرات عن الفن القبطى القى الاب بيجول السريانى محاضرة هامة وقيمة بعنوان “مبادئ علم الكوديكولوجى” “علم دراسة المخطوطات”
وذلك فى حضور العديد من الباحثين والدكاترة والمهتمين بالتراث والفنون القبطىة والعديد من الأباء الكهنة والخدام.
بدأ اللقاء بصلاة افتتاحية قادها نيافة الأنبا مارتيروس ثم رحب بالحضور الكريم، وقام المهندس اشرف موريس منسق اللقاءات بالمركز بتقديم الاب بيجول السريانى.
فى البداية استعرض الاب بيجول السريانى مقدمة عامة عن المدخل الى علم الكوديكولوجى فقال “مما لا شك فيه ان هناك فرقا بين المواضيع المكتوبة بخط اليد Manuscript، والنقوش المدونة على والاحجار والصخور petroglyph اوالفخار terra sigillata وعلى واجهات المعابد. فنعرف ان اخبار الحروب وتجليس الملوك واعتراف الايمان بالالهة كل ذلك كانت نقوشا ومنحوتات على واجهات المعابد والقصور”.
وكانت هناك الأوامر الملكية والقصص والأدب يكتب فى رقيم اولفائف بردية او على الواح الشجر والخشب والجلود والرقوق، لذلك هناك ايضا علوم مختلفة لدراسة كل منها متوازية او متداخلة مع الاخر.على سبيل المثال علم الايبوجرافى Epigraphy للنقوش وعلم الكوديكولوجى Codicology للمخطوطات.
والقى الاب بيجول السريانى الضوء على اهم المكتبات فى العالم القديم والتى تمتلك او كانت تمتلك ثروات وكنوز من المعرفة القديمة والمخطوطات والمقتنيات وتعبر عن حضارة، وتقدم تلك المواطن والممالك وحددهم فى اربع مكتبات هم:
-مكتبة آشور بانيبالLibrary of Ashurbanipal :
انشئت سنة 627 -668 ق. م تنسب الى آخر ملك من الإمبراطوربة الآشورية في العراق وأشهرهم وهو آشوربانيبال ,وهي عبارة عن آلاف الألواح الطينية ( الرقم ) والشظايا ( الشقاف) التي تحتوي على نصوص متنوعة من القرن السابع قبل الميلاد , وقد كان من بين مقتنياتها ملحمة جلجامش الشهيرة.
ولكن بسبب التعامل السيء مع تلك المقتنيات,فإن كثيراً من المواد الأصلية تم إتلافها وأصبح من الصعب إصلاحها,وجعل ذلك من المستحيل على العلماء إعادة بناء النصوص الأصلية,على الرغم من ان بعضها قد نجا من التلف. وقد تم العثور على تلك المواد الأثرية في منطقة نينوى القديمة عاصمة آشور شمال بلاد ما بين النهرين “العراق حاليا”.
-مكتبة الاسكندرية القديمة Bibliotique Alexanderina او Royal library of Alexandria:
وانشئت سنة 285 – 247 قبل الميلاد. وقد إختلف المؤرخون حول الشخص الذي بني المكتبة فهناك من يقول أن الإسكندر وضعها في تخطيطه عند بناء الإسكندرية , وهو صاحب فكرة بنائها , والبعض يقول أن بطليموس الأول هو من بناها والبعض الآخر يقول أنه تم تأسيها على يد بطليموس الثاني باعتبار أن هو من أكملها فبطلميوس الأول هو الذي أمر بتأسيس المكتبة وتنظيمها على نفقته، ثم أكمل ذلك خلفه بطليموس الثاني. وفي عام 48 ق.م قام يوليوس قيصر بحرق 101 سفينة كانت موجودة علي شاطئ البحر المتوسط أمام مكتبة الإسكندرية بعدما حاصره بطليموس الصغير شقيق كليوباترا بعدما شعر أن يوليوس قيصر يناصر كليوباترا عليه، وامتدت نيران حرق السفن إلي مكتبة الإسكندرية فأحرقتها حيث يعتقد بعض المؤرخون أنها دمرت بالكامل. وقد اقيمت بعدها مكتبة اخرى تضاهيها فى الضخامة والمحتويات لكن لم يقدر لها البقاء بعد الغزو الاسلامى للاسكندرية على يد عمرو بن العاص حوالى منتصف القرن السابع.
-مكتبة برغامس: Library of Pergamum
انشئت سنة 197 – 159 ق.م وهي واحدة من اهم مكتبات العالم القديم, تأسست قبل العصر الهلنستي في مدينة برغامس او “بيرغامون” وهي كانت المدينة الاهم في الامبراطورية الرومانية القديمة, وتقع في الاناضول “تركيا حاليا” ,وبعد سقوط القسطنطينية اصبحت جزءا من الدولة العثمانية. كانت مكتبة برغامس تحتوي على 200,000 مجلدا ,وتقول الاسطورة ان مارك انطونيو اهدى الى كليوباترا 200,000 وحدة تخزين منها الى مكتبة الاسكندرية.
تقول الروايات التاريخية ان المكتبة كانت تحتوي على غرفة القراءة الرئيسية الكبرى والتي وقف في وسطها تمثال”آثينا” آلهة الحكمة, وكانت الغرفة بها العديد من الرفوف والجدران التي تسمح بتدوير الهواء لترطيب الجو وقد بقيت تلك المكتبة ربما الى القرن الرابع الميلادى حيث اهملت بعد ذلك لاهتمام العالم بالحوار المسيحى وتعاليم المسيحية.
-مكتبة كالسوس Library of Celsus :
هى مبنى روماني قديم فى افسس اقليم اناطاليا (تركيا حاليا). وقد بنيت على شرف عضو مجلس الشيوخ الروماني تيبريوس يوليوس كالسوس عام 135 ميلادياً , وقد بنيت المكتبة لتخزين 12,000 مخطوطة , كما إنها بمثابة مقبرة لكالسوس، الذي تم دفنه في تابوت تحت مبنى المكتبة.
دُمرت المكتبة من الداخل بسبب الزلزال المدمر الذي ضرب المدينة في عام 262 م , وقد اتلف جميع الكتب، ولم يتبقى غير واجهة للمكتبة بطول حوالي 400 متر، ثم دُمرت المكتبة بعد ذلك في وقت لاحق بسبب زلزال آخر في الفترة البيزنطية المتأخر ة اى حوالى القرن الحادى عشر.
وعن تاريخ دراسة المخطوطات Codicology:
أضاف الاب بيجول السريانى اننا لا نعرف متى او كيف بدأ تصنيف الكتابات المخطوطة لكن على ما يبدو ان ذلك يرجع لما قبل الميلاد بفترة طويلة، حيث وصل الينا سجلات ومذكرات توضح لنا تطورنظم وعمليات التسجيل والحفظ والدراسة فى مكتبات العصور الاولى ماقبل الميلاد وكذلك القرون الاولى من العصر المسيحى.
لكن نعلم ان الكتاب بما هو عليه الان بدأ منذ القرن الثانى قبل الميلاد تقريبا وكان فى بدايته عبارة عن ملزمة واحدة ثم تطور الامر فى برجاموس وكان اول كتاب من مجموع ملازم او كراسات هو كتاب الحكمة، ربما حدث التطوير فى تكنولوجيا وصناعة الكتاب لكن لم يتم عمل دراسة حول المخطوط ككتاب ربما حتى خلال القرن التاسع عشر الميلادى حيث بدأت علوم جديدة اطلق عليها “الدراسات التاريخية المكملة” “Auxiliary Historical Studies” تظهر فى الساحة العلمية، ومنها دراسة اثار الكتاب “Book Archeology”. ثم تطور الوضع فى الثلاثينيات من القرن العشرين على يد الفرنسى “Charles Samaran” حيث ابتكر مصطلح جديد فى عالم المكتبات والكتب هو {Codigraphie} لكنه لم يوضح ماذا يعنى بهذا المصطلح. ثم ابتكر بعده “Alphonse Dain” فى الاربعينيات مصطلح اخر وهو “Codicologie” وقد استعمله لاول مرة فى عام 1944 اثناء تدريسه بعض الطلبة لمادة علم اللغة اليونانية (Philologie grecque) ، وبقى المصطلح بدون استخدام حتى عام 1949 حيث نشر كتابه “Les Manuscrits” وفيه حدد بوضوح معالم هذا المصطلح ومدى اهميته ودراسته، فهو مصطلح هجين Greco Latinحيث يتكون المصطلح من مقطعين Codex وهى كلمة لاتينية قديمة تعنى كراسات مجمعة فى مجلد واحد والمقطع الثانى Logia وهى كلمة يونانية متسعة جدا فى استخدامات اللغة ومن معانيها (علم ). وقد حدد لنا الفونس دان معنى الكوديكولوجيا فى نقطتين وهما :
الأولى وهى: Stricto Sensu وتعنى دراسة اثار الكتاب وهو بذلك قد احتفظ بما كان موجودا من قبله من علم Book Archeology واختصاصه دراسة المخطوطات من النواحي الخارجيّة كالشكل ونوع الورق ونوع الحبر وطريق التجليد، الخ.
والثانية وهى :Lato Sensu وتعنى الاهتمام بتاريخ المخطوط ومحتواه وأهميّته الواقعيّة بالنسبة إلى الناس.
وقد تزامن هذا النوع من الاهتمام الثقافى الفرنسى مع ما قد ظهر فى المانيا حيث اعلن عن علم المخطوطات تحت مسمى Handschriftenkunde . ثم ظهرت بعدها فى نواحى عديدة من اوروبا مجلات علمية تهتم بدراسة المخطوطات ومنها كما اشار اليها الاب بيجول السريانى
£ “Scriptorium” الفرنسيّة التي تأسّست في بلجيكا سنة 1946، وكانت فصليّة وتجمع أقوالاً مأثورة من هذا المخطوط أو ذاك، وبالتالي لم تكون مجلّة كوديكولوجيّا بالمعنى الحقيقيّ للكلمة.
£ “Codicologica” الهولّنديّة، وقد تأسّست سنة 1976، وكانت تُعنى بالقضايا المنهجيّة في دراسة
علم المخطوطات.
£ “Gazette du livre medieval”الفرنسيّة، وقد تأسّست سنة 1982، بهدف الدفاع عن
الباحثين في علم المخطوطات، ولأجل نشر كلّ معلومات تُفيد في هذا العلم.
£ “Scrittura e civiltà” الإيطاليّة، وهدفها دراسة النصوص من الزاوية التاريخيّة.
وفى سنة 1985 أصدر دونيز موزيريلّ (Denis Muzerelle) كتابًا باللغة الفرنسيّة حمل عنوان “المعجم اللغوي لعلم المخطوطات ” (Vocabulaire codicologique) وفيه وضع شرحًا للكلمات المستعملة في هذا العلم إعداد مكاريوس جبّور.
ولكى تتم دراسة المخطوط من كافة النواحى فهناك علم الباليوجرافيا Palaeographie وهو علم دراسة الكتابات القديمة، وكذلك علم الفيلولوجيا وهو علم فقه اللغة. والا ان هناك فرق بين علم الكوديكولوجيا وعلم دراسة النقوش Epigraphie الذى يهتم بدراسة المواد الحاملة للكتابات والنقوش المدونة ماقبل الكتاب المجلد مثل البرديات والجلود والرقيم وغيرها، وايضا علم Calligraphy الذى يهتم برسم الحروف وتزيينها. .
ويضيف الاب بيجول السريانى بأن دراسة علم الكوديكولوجيا ركزت في بداية الأمر بدراسة المكتبات وتاريخها والكتب والمجموعات، ثم تطور هذا التركيز ليهتم بشكل خاص بدراسة الشكل المادي للكتاب المخطوط من حيث كونه تراثًا وأثرًا ماديًا عن طريق دراسة العناصر التي تطور منها المخطوط من حيث حوامل الكتابة “البردي والرق والكاغد اوالورق” والمواد المستخدمة في الكتابة أمثال “الأقلام والأصباغ” بالإضافة إلى شكل الكراسات وأحجامها وترتيبها وإخراج الصفحة وتزيينها وتهذيبها.
ولاتزال المبادئ الفلسفية والمناهج الاساسية لعلم الكوديكولوجى محل نقاش وبحث واسع. وبهذا يكون الشاغل الحقيقى لعلم الكوديكولوجى هو دراسة وتحديد السمات الفيزيائية القابلة للقياس الكمى للمخطوطات مع دراسة بيئتها وزمنها والتشريح البنائى لها من الداخل والخارج، مع دراسة الادوات والمواد المستخدمة فى انتاجها. ثم اضيف فيما بعد دراسة الوضع والحالة التى وجدت عليها والظروف التى طرأت عليها والتغيرات الحادثة، مع وضع دراسة نقدية وتاريخية لها، لكن ذلك بعيدا كل البعد عن المحتوى الداخلى من نصوص وابداعات.. حيث يقوم الباحث او الدارس بتحليل النصوص ودراستها وتحقيقها تحت ما يسمى بفقه اللغة.
إن هذا الاستقلال الذي حظي به علم الكوديكولوجيا جعل منه علمًا شبيهًا بعلم الأركيولوجي أو علم دراسة الآثار حتى ان أحد العلماء البلجيكيين ويدعى “مازاي Mazai ” أراد أن يطلق عليه علم آثارية المخطوط archeologie du manuscript ، وزاد الاهتمام بهذا العلم الحديث حتى ظهر لنا أول معهد لدراسة هذا العلم تحت مسمى “معهد البحث وتاريخ النصوص” فى فرنسا ثم انشئت معاهد ومدارس بالجامعات المختلفة تخصصت فى دراسة المخطوطات وما يتعلق بها.
وعن خطوات دراسة المخطوط اوضح الاب بيجول السريانى هى دراسة وصفية لكل مكونات المخطوط من مواد وخامات والاساليب تطبيقية والتى اتبعت لانتاج المخطوط وهى تسعة دراسات
اولا : دراسة الاسطح الحاملة للكتابات: وهي المواد التي كانت تُستخدم للكتابة عليها، وقد اختلفت هذه المواد باختلاف العصر والمكان، ومن هذه المواد
1. اوراق السعف وجريد النخيل وقلفه وتسمى فى العربية ” العسيب والكرانيف”.
2. الجلود المدبوغة الخفيفة الحمراء وتسمى فى العربية ” الاديم”.
3. البردى وهو انواع ويمكن ان يكون من الورق او من ساق نبات الحلفا
4. الرقوق ويؤخذ من الطبقات الداخلية لجلود الغزلان والماشية. وهما نوعان الرق الخفيف واطلق علية ” برشمنت ” والرق السميك ويسمى ” فيلوم” وعند استخدامه يجب التفريق بين السطح المشعر والبطانة لاختلاف لزوجة الاحبار عند الاستخدام والكتابة.
5. الورق او الكاغد وقد عرف اولا فى بلاد الشرق الادنى ثم مالبث ان اخذ طريقه فى الانتشار حتى وصل الى اوروبا وقد اشتهر طريق تجارته ” طريق الحرير Silk Road ” وعن طريقه عرفت تجارة المخطوطات وانتشرت فنونها واخذ النساخون والعاملين فى المجال فى الترحال عبر طرق تجارة الورق. هناك انواع من الورق الذى تطورت صناعته واصبحت مميكنة وفيها اصبح التحكم فة سمك الورق وابعاده وطريقة صقله.
ثانيا :دراسة الكراسات او الملازم: وهى دراسة وفحص الكراس من حيث
1. نوعه والخامة المصنع منها وموطنه وتاريخه.
2. الشكل والملمس واللون والمظهر.
3. عدد الاوراق وترتيبها وابعاده، وهل استخدم نوع واحد من الورق ام هناك انواع ومقاسات مختلفة وهكذا.
4. طريقة صقل وتجهيز الورق للكتابة عليه، وهل يوجد به علامة مائية ودراستها.
ثالثا : دراسة ادوات الكتابة والتزيين: وتهتم هذه الخطوة بدراسة الادوات التى استخدمت للكتابة والتزيين وكذلك المواد التى تم الاعتماد عليها فى الكتابة من احبار واصباغ .
1. الاقلام: وتتنوع الاقلام بحسب اللغة التى تكتب والخامات التى تستخدم للكتابة ومنها الريش والغاب والخشب والمعادن.
2. المداد: وهو المادة التى تستخدم لضبط لزوجة الاحبار وتحميل الاصباغ عليها فى التزيين والتذهيب والرسم ويحتمل ان تكون مادة زيتية او مواد عالية اللزوجة.
3. الاحبار: وهى السوائل التى يكتب بها وهى انواع بحسب اللون وقيمة المحتوى.وهى اما ان تكون عضوية اى كربونية او معدنية، وان كان اوسعها انتشارا خاصة منذ العصور الوسطى والمتأخرة وهو الحبر الحديدى Iron Gall Ink وتختلف الاحبار فى درجة التأثر بالماء وفى لمعانها وقوة ثباتها..
رابعا : دراسة التسطير واخراج الورقة: وتعتبر هذه الخطوة هى الاهم فى انتاج المخطوط. فعن طريقها يمكن الاستدلال على نوعية المخطوط هل هو مسودة ام اصل وهل للانتفاع الشخصى ام حلقة تدريبية فى النساخة وغيره..ويتم معرفة مقاس المسطرة وعدد الاسطر فى الورقة وهل هى منتظمة على طول المخطوط ام متغيرة وحساب المتوسط وربما عدد الكلمات فى السطر الواحد. وهل تم تقسيم المسطرة الى اعمدة وعدد الاعمدة مع اعتبار كل منطقة مستقلة بذاتها من حيث عدد السطور ومساحة الكتابة..
خامسا : دراسة الخطوط والكتابة ” الايبوجرافيا Epigraphy والكاليوجرافيا Calligraphy”: ويتم فيها اختبار خصائص الكتابة بالتفصيل: