كان أحد الكهنة جالسا في غرفته أمام النافذة منهمكا في إعداد عظته الأسبوعية وكان موضوعها العناية الإلهية وفجأة سمع صوت انفجار وعلي أثره كان الناس يهرولون شمالا ويمينا,وعرف سبب ذلك وهو أن سور النهر تهدم من فيضان النهر,وكادت المياه أن تغرق الجميع عندما ملأت الشوارع وعندما اقتربت منه,وقف لحظة مع ذاته قائلا:كيف أهرب مثل الناس,وأنا أعد عظة موضوعها العناية الإلهية؟ إذا يجب ألا أتحرك من هنا حتي أعطي مثالا حيا عما أعظ به الآخرين,كما أنني أثق في عناية الله التي ستنقذني من الخطر.وعندما علت المياه حتي أنها وصلت إلي النافذة,شاهد مركبة صغيرة بها بعض الأشخاص ينادونه قائلين:انزل بسرعة وتعال معنا, ولكنه أجابهم:لا يا أخوتي,اتركوني وشأني,لأنني أثق في العناية الإلهية التي ستنقذني من الغرق .
ثم صعد إلي الطابق العلوي,ولكن المياه وصلت هناك أيضا,ثم أتت مركبة أخري بها أشخاص ينادونه ليهرب معهم,ولكنه رفض أيضا نصيحتهم مفضلا المكوث في مكانه,ثم صعد إلي الطابق الأخير حتي أن المياه لحقت به,فأتت إليه شرطة النجدة بمركب خاص ولكنه صمم علي الرفض قائلا له:أنا أثق في الله لأنه لن يتركني أبدا.
ولكن للأسف غرق الكاهن ومات وعندما ذهب إلي السماء قام بمعاتبة الله قائلا:لماذا تركتني أغرق وأموت بالرغم من ثقتي الكاملة في معونتك؟ أجابه الله:أتريد الحقيقة؟أرسلت لك ثلاث مراكب بالكمال والتمام.هذا مايحدث معنا كل يوم في المواقف التي تمر بنا,كم من المرات التي فيها أرسل الله من ينصحنا وينقذنا ويساعدنا ولم نسمع له؟كما أننا أمام إرادة الله التي تواجهنا في الظروف اليومية,نفضل لو أنه لم يسمح بها,وأحيانا أخري نتمني أن يبدلها بغيرها,حتي أننا في بعض المرات نطلب منه أن يستشيرنا قبل أن يقرر شيئا في حياتنا,ويعود ذلك إلي قلة وضعف إيماننا بحب الله الساهر دائما علينا,لذلك يجب علينا أن نثق بأن كل مايحدث في الحياة,إنما بأمر الله وبسماح منه,بحيث إنه لا يسمح بأن نجرب فوق طاقتنا,كما أن الله يجعل مع التجربة مخرجا نستطيع اكتشافه إذا تفصحنا الأمور بحكمة وتركنا أنفسنا بين يديه إذا…لم الخوف؟فالله أب حنون,لايريد إلا الخير لأبنائه,كما أنه يساعدنا علي تدبير أمورنا اليومية أفضل منا إذا ما التجأنا إليه بثقة بنوية,والله ليس بحاجة لنصيحة منا,ولكن كل ما يطلبه هو أن نؤمن به ونعطيه قلبنا ونتوكل عليه,وكما يقول القديس بطرس:ألقوا علي الرب جميع همكم فإنه يعني بكم(1بط5:7).
مما لاشك فيه أن الله خلقنا لا لكي يهملنا,فإذا حدث شر أو أصابتنا مصيبة,فالله أب رحيم لايهمل خلائقه,بشرط أن يقوموا بواجب السعي والعمل,ثم يلجأون إلي رحمته وحنانه,وإن فعلنا ذلك سنتخلص من القلق الذي يعتبر عدو الإنسان الأول في عصرنا هذا وهو سبب الأزمات النفسية والأمراض المزمنة.وعندما تخيفنا الحياة بمشاكلها وصعوباتها,يجب علينا النظر إلي أعلي….إلي السماء….إلي الله بكل ثقة وتواضع,ومما لاشك فيه أنه سيفتح لنا ذراعيه ليسندنا حتي لا نسقط يجب أن نضع في الاعتبار أنه عندما لانقبل الظروف التي نمر بها ونشكو من الله,هذا دليل علي ضعف شخصيتنا لأن الصعوبات والمشاكل التي نمر بها هي اختبار للشخصية وفرصة للنضوج والنمو,لذلك يجب علينا أن نثق في عناية الله لنا ونتكل عليه في كل لحظة حتي يصير المر حلوا,والصعب سهلا,والمستحيل ممكنا فالله أب حنون يدبر الكون الذي نعيش فيه بمنتهي الحكمة وهدفه الأول والأخير سعادتنا.
لكن للأسف يتخيل البعض منا أن الله لا يسمعنا عندما ندعوه أو نشكو له,ولكن يجب أن نثق بأنه يعرف ماهو الأفضل لخيرنا ومادام كلي القدرة إذا يستطيع أن يعوض في لحظة ما نتخيل أننا فقدناه لذلك يجب علينا أن نتركه يعمل وفق مشيئته لا مشيئتنا.نحن للأسف لم نعد نري عطايا الله وبركاته وإحساناته الدائمة لأننا تعودنا عليها.ونختم بهذه الكلمات:إذا كنا نشكو لأن الله وضع شوكا مؤلما تحت الوردة,فلماذا لانشكره لأنه وضع وردة جميلة فوق الشوك؟.