نقرأ هذه الحكمة في سفر الأمثال:الإنسان من ثمر فمه يشبع خيرا ومكافأة أيدي البشر تؤدي إليهم(أم12:14).عندما أنهي النحات الصيني شينج عمله في بناء إحدي القلاع الحصينة والتي لا مثيل لها,كان كل من يشاهدها يذهل ويتعجب منها,حتي أن الغالبية العظمي كانت تعتبرها عمل الأرواح.وعندما تقابل مع الأمير قال له:كم أنت عبقري حتي تقوم بمثل هذا العمل المبدع! فأجابه شينج:مولاي,أنا لست عبقريا ولكنني عامل بسيط لا أكثر ولا أقل,ولكن هناك شيئا مهما جدا يجب إيضاحه لكم:عندما أريد بناء قلعة حصينة,أمكث ثلاثة أيام في التأمل حتي أحصل علي سلام العقل,وبعد هذه الفترة من التأمل لا أفكر بتاتا في الربح أو المكافأة,ثم بعد خمسة أيام لا أضع في الاعتبار مدحا أو ذما,ولا النجاح أو الخفقان,ثم بعد مرور سبعة أيام في التأمل أنسي كل أعضاء جسدي وذاتي أيضا ولا أفكر في النقد أو ما يحيط بي,إذا سيبقي بعد ذلك فني فقط,وفي هذه اللحظة أتوغل في الغابة وأتفحص كل شجرة حتي أجد ما يناسب صناعة هذه القلعة علي أكمل وجه,وهنا تبدأ يداي في العمل واضعا شخصي علي جانب,حتي تتقابل الطبيعة مع الطبيعة ولهذا السبب نسمع الغالبية العظمي تقول إنها من عمل الأرواح وليست من صنع بشر.
نستطيع أن نتعلم من هذه الواقعة ضرورة استعداد الإنسان ليقوم بعمل فائق وعظيم وكيف يصبح بطلا في أي مجال, لأن الإنسان الملتزم بعمله المفروض عليه,يملك قدرات يستطيع بها الوفاء بمسئولياته لأنه يملك إرادة ويتحلي بالشجاعة ويعرف قدر ذاته وحدودها وإمكاناتها.
كل واحد منا يرث مواد البناء وأدواته,وتمنحه بيئته الأرض بمواردها,ويبقي عليه تشكيل عمله وتجميله حسب إخلاصه وصموده أمام الصعوبات,ومادام تعهد أمام الجميع بأداء الواجب,إذا يجب عليه ألا يخون ولا يخدع,كما أنه يبذل فيه نفسه وكيانه ليكون عند شرف الوعد والكلمة.
عندما سألوا العبقري وصاحب الاختراعات العديدة إديسون عن سر النجاح قال:صبر ومثابرة واحتمال, وعن العبقرية أجاب: 2% وحي وإلهام و98% عرق وجهد.
إذا يجب علينا ألا نجلس مكتوفي الأيدي, ولكن أن نشمر عن سواعدنا ونعمل بهمة ونشاط لأن الواجب كان دائما ويجب أن يظل الهم الأول والوحيد لكل شخص في هذه الحياة, وكما يقول المثل: البأس في النفوس الكريمة لايرتهن بعدد السنين. فالبطولة وعلو الهمة والإخلاق النبيلة والإخلاص لله والصدق في معاملة الناس وغيرها من الفضائل الإنسانية لا ترتهن بعمر, أو مقصورة علي فئة بعينها من الناس.لأن البطولة الحقيقية التي نستطيع تحقيقها لا تقدر بعمر الإنسان, ولكنها التطلع إلي الصعب لتحطيمه, وإلي السامي لبلوغه والجميل لنثره بين الآخرين,كما أن البطولة الحقيقية هي التعبد لعقيدة والإخلاص لمبدأ حتي لو اقتضيا منا الجود بالنفس والبذل بالحياة.
ومن أراد أن يحقق البطولة يجب عليه ألا يجلس ضاربا كفا بكف متحسرا علي الماضي, ولا يقف مكتوب الأيدي أمام عراقيل تعترض طريقه وعمله معتذرا عن الاستمرار, ولا ييأس من مستقبل يبدو مظلما.
وإذا تأملنا بعض النماذج المشرفة في فترة شبابها وما قامت به, ستدفعنا إلي الأمل والعمل, فنجد كلوفيس في سن19 عاما أرسي قواعد الملكية في فرنسا المنقسمة والمجزأة, كما أنه فرض هيبته وسيطرته علي الأمراء والزعماء, ونجد أيضا البطلة جان دارك في ذات السن قد أعادت إلي فرنسا كرامتها وحررتها من الاحتلال الإنجليزي, والشاعر والأديب الإيطالي ليوباردي كتب في هذه السن أروع القصائد الرومانسية في الأدب الإيطالي,ومن ينسي أو يجهل الموسيقار العبقري موتسارت في هذه السن أطرب العالم بمؤلفاته الموسيقية العبقرية كما أن العالم أينشتاين وضع نظرية النسبية التي قبلت العلوم رأسا علي عقب, ودفعت العالم كله علي التقدم السريع والمذهل في العلم والاختراع هؤلاء جميعا استطاعوا في سن مبكرة استغلال الوقت والاستفادة منه, وينكبون علي الدرس باجتهاد وثبات وحزم.
كما أن البطولة تتطلب منا الانفتاح علي الحياة والاستفادة من خبرة الغير بعقل نير وإرادة واعية واستعداد للتغيير. ولا نخشي الفشل, فكل إخفاق هو الخطوة الأولي للنجاح. ونختم بالقول المأثور:هناك نوع من الناس يتخذ من الألم حافزا ليثير في نفسه الطاقات الإبداعية التي يختزنها في أعماقه.