ينصح بولس الرسول تلميذه قائلا: لا يستخف أحد بحداثة سنك. وإنما كن قدوة للمؤمنين, في الكلام والسلوك والمحبة والإيمان والطهارة (1تيموثاوس 4:12). هل شباب اليوم أقل قدرة علي العطاء والعمل ممن سبقوه؟ هل شباب اليوم لا يأخذ الأمور بجدية كما كان في الماضي؟ هل سلوك الشباب أقل احتراما من ذي قبل؟ وهناك أسئلة أخري كثيرة, ومما لاشك فيه سنصل إلي نتائج مختلفة ومتناقضة.. ما الذي نستطيع فعله تجاه هؤلاء الذين يمتلكون طاقات لا حد لها؟
كان هناك فتي سريع الغضب وعنيد لا يستطيع السيطرة علي أعصابه, وكان في غضبه يتفوه بكلمات جارحة, فأعطاه والده كيسا مليئا بالمسامير, وأوصاه قائلا: قم بطرق مسمار واحد في سور الحديقة في كل مرة تفقد فيها أعصابك أو تهين أي شخص. في اليوم الأول قام الفتي بطرق عدد كبير من المسامير في سور الحديقة, ولكن مع مرور الوقت, كان عدد المسامير التي يتم طرقها يقل, وفي الأسبوع التالي تعلم الفتي كيف يتحكم في نفسه, واكتشف أن السيطرة علي انفعالاته أسهل كثيرا من الطرق علي سور الحديقة, كما أنه بدأ يفكر جيدا قبل أن يخطئ, وفي النهاية أتي اليوم الذي لم يطرق فيه الفتي أي مسمار في سور الحديقة. وسرعان ما أخبر والده بهذا الأمر, فما كان من الأب إلا أن اقترح عليه اقتراحا آخر وهو أن يقوم بخلع واحد من المسامير التي طرقها في كل مرة ينجح فيها في السيطرة علي أعصابه ولا يغضب.
مرت عدة أيام وأخيرا تمكن الابن من إبلاغ والده بأنه قد قام بخلع كل المسامير من السور, فقال له: فعلا يا بني أنت قمت بعمل عظيم يستحق التقدير, ولكن انظر إلي السور جيدا, وإلي كل هذه الثقوب التي تركتها فيه لن يعود أبدا كما كان, فعندما تغضب وتتفوه بكلمات مهينة فإنك تترك جرحا في نفوس الآخرين, تماما مثل من يدق مسمارا في السور, ربما تعتذر لهم, لكنك ستترك جرحا في نفوسهم.
هذا الدرس لبعض الشباب الذين يهينون من هم أكبر منهم عن طريق مختلف وسائل الإعلام والتكنولوجيا الحديثة, فحديث الإنسان دليل واضح علي خلقه, فكلام الجاهل يختلف عن كلام المثقف العاقل, وحديث الشاب غير المهذب غير ذلك المهذب الذي يقبل نصائح من هم أكبر منه سواء الوالدان أو المربون, فالشباب هو ربيع العمر وأجمل فترة في عمر الإنسان, والربيع في الطبيعة هو زمن تفتح البراعم وتألق الزهور, وكذلك يجب أن يمتلئ قلب الشباب بالحيوية والعزيمة, حتي تزهر أنفسهم أخلاقا عظيمة, كما أن مستقبل الإنسان لا يثمر ولا ينضج إلا ما زرع الشباب من أحلام وآمال وإرادة.
إذا أنت حر أيها الشاب في بناء أو هدم مستقبلك, والإنسانية تنتظر من الشباب أن يصبحوا عنصرا خيرا للبشرية جمعاء, فماذا هم فاعلون؟ وكم تنتظر الأسرة من أبنائها أن يكونوا فخرا لها! مما لاشك فيه أن الشباب بطبعه طموح لا يعرف حدودا, وتفاؤل يتحدي المستحيل, وشجاعة تقف بكل صمود أمام الأخطار, وثقة بالنفس, فالضعيف ينصهر أمام نار الأيام, ولكن القوي تزيده النار نقاء ولمعانا ويعلو ثمنه. وكما يلخصها الشعب الإنجليزي: أنت لست شابا: إن كنت تفكر في الماضي أكثر مما في المستقبل, ولا تبالي بكل ما هو جديد.. إن كنت تتمني الكثير, ولا تمتلك الشجاعة لتباشر شيئا, وتعلق علي المال أهمية أكثر مما علي الأهداف السامية!.. إن كنت تشك في إخلاص الغير وتلجأ إلي الشكوي والتذمر بدلا من التضحية.. إن كنت تفتح قلبك للحسد والغيرة بدلا من أن تبدي إعجابك, وإن كنت لا تحب الأطفال ولا الزهور…
إذا من الشروط الأساسية لبناء المجتمع هي الاهتمام بنخبة الشباب والاهتمام بهم وتوعيتهم علي احترام من يكبرهم أو يصغرهم, لأن صوت الأجيال الماضية مازال صداه يملأ الكون, وأعمالهم مازالت تحمل الثمار لنا وبنا.
نحن بحاجة إلي شبيبة خيرة وبناءة, متعطشة للمثل العليا سواء كانت دينية أو ثقافية أو اجتماعية, وجادة في البحث عن الحقيقة والجمال وكل ما يسمو بعواطف الإنسان, وكل ما يوحي إليه بالطموح والحماس ويدفعه إلي التضحية والعطاء.
ونختم بالقول المأثور: إذا لم أستطع أن أكون جسرا يربط بين أبي وابني, فإنني سأكون حفرة تبتلع خبرة أبي وشباب ولدي.