ما من شك أن علاقتنا التواقة للحنونة القديسة مريم نابع من كونها أم لنا كما أوصى بها الرب يسوع تلميذه الحبيب يوحنا “هوذا أمك” و لها قال “هوذا ابنك” فبملء الفم و الروح نقول لها أيضأ صلاتك عنا يا أمنا الحنون.
فى مقارنة لطيفة يقدمها لنا اباء الكنيسة بين القديسة العذراء مريم و أمنا حواءنكتشف أنها حواء الجديدة إذ أن حواء الاولى تلد الأبناء و سرعان ما يعمل فيهم فساد الطبيعة الذى دخل الى العالم بوراثة خطية أبينا آدم “بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم و بالخطية الموت” (رو ١٢ : ٥ ) فأصبحت حواء الأولى أما لكل ميت رغم ان معنى إسم حواء أم كل حى ،
وبالمسيح يسوع المولود من العذراء مريم صارت لنا الطبيعة الجديدة الممجدة بالحياة الأبدية فصارت العذراء مريم أما لكل حى “لأنه إن كان بخطية واحد مات الكثيرون فبالأولى كثيرا نعمة الله و العطية بالنعمة التى بالإنسان يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين” ( رو ١٥ : ٥) و بالتالى حواء الأولى أغلقت باب الفردوس لما طردت منه ، أما حواء الجديدة العذراء مريم جاء منها المسيح الذى سحق الشيطان و فتح لنا باب الفردوس، هذا هو نسل المرأة الذى سحق رأس الحية.
لذلك لم يعطها السيد المسيح لقب الأمومة للبشرية كمجرد إكرام لها لكن كحقيقة واقعة ، يقول العلامة اوريجانوس:- انه لما اعطاها هذا اللقب فى شخص يوحنا الحبيب إنما أعطاه لكل إنسان يحيا المسيح فيه. فالمسيحى لا يحيا بمفرده كما يقرر ذلك القديس بولس و يقول: “المسيح يحيا فىّ” .
ايضا هى أمى لأنها أم المسيح المتجسد من بطنها و الذى شاركنا طبيعتنا البشرية “فإذ قد تشارك الأولاد فى اللحم و الدم اشترك هو أيضا كذلك فيهما” (عب ١٤ : ٢ ) فمن الطبيعى ان تكون أما لكل من اتحد بشخص المسيح الهها و أبنها الذى “هو بكر بين إخوة كثيرين” (رو ٢٩ : ٨ ) الذين هم نحن المؤمنينبإسمه.
و من الملفت للنظر أن السيد المسيح لما قال للجموع المحيطة ها أمى و إخوتى لم يقلل من مكانتها بل بالأحرى بهذا الكلام بين سبب اكرامه لها ، فهى الأكثر طاعةو خضوعا لإرادة الله فى حياتها و مع هذا فتح الباب لكل مؤمن ليكون له مكان و مكانة فى قلبه “ها أمى و اخوتى لأن من يصنع مشيئة الله هو أخى و أختى و أمى” ( مر ٣٥ : ٣)، لذلك العذراء استحقت هذا الشرف العظيم فى امومتها للمسيح لأنها الشخصية الأكثر تطابقا مع قول ابنها من يفعل مشيئة الله هو أمى ، بل كانت هى أيضا تعلم بهذا “مهما قال لكم فافعلوه”. بالحق ليس بين المولودات من النساء من استحقت ان تصبح خادمة سر التجسد الذى به نلنا الحياة الأبديةإلا هى فنسميها بحق أم الخلاص، لذلك نستطيع ان نقول ان امومة العذراء روحية على اسمى طراز ، فهى أمى و أم كل حى.