بدأ حياته في عصر كاد أن يكون خاليا من التعليم والمعرفة الدينية
حتي أنه حينما افتتحت الإكليريكية,لم يجدوا لها مدرسا للدين, بعد مرض القمص فيلوثاؤس إبراهيم ,فبقي الطلبة ثلاث سنوات لايدرسون الدين,إلي أن اختاروه لتدريس زملائه.كما لم يكن هناك وعاظ.وفي الكنيسة كانت العظة تتلي علي الناس من كتب مطبوعة أو مخطوطة.وكانت الطوائف قد بدأت تغزو الكنيسة.
كانت الأرض خربة وخالية,وعلي وجه الغمر ظلمة كما يروي سفر التكوين.
ثم قال الله ليكن نور,فكان نور…وكان النور هو حبيب جرجس.
ولد بالقاهرة سنة1876م.وتوفي والده في طفولتهسنة 1882.وربته والدته تربية دينية.
التحق بمدرسة الأقباط الثانوية بكلوت بك بالقاهرة.
وكان أول من وقع عليه الاختيار ليكون طالبا في الإكليريكية عند إعادة تأسيسها سنة1893.وعين مدرسا للدين بها وهو طالب في السنة النهائية…وكان أول خريجي هذه الدفعة الأولي بها سنة 1898.
كان أول أستاذ للاهوت والوعظ بالكلية الإكليريكية.ونبغ في الوعظ والتعليم.
لم يجد من يعلمه,فانكب علي مكتبة الإكليريكية يقرأ ويدرس ويبحث ويلخص ويؤلف,ويكون نفسه…ويسترشد بالقمص فيلوثاؤس إبراهيم الذي كان شيخا حطمه المرض.
لم يكن في الإكليريكية وقتذاك تخصص في تدريس العلوم الدينية فتولي تدريس كل شيء,إلي أن ظهر سمعان سيليدس,وراغب عطيةالقمص إبراهيم عطية وباقي أعلام ذلك الجيل.
عاصر أربعة من الآباء البطاركة:
هم أصحاب القداسة:البابا كيرلس الخامس,والبابا يوأنس التاسع عشر,والبابا مكاريوس الثالث,والبابا بوساب الثاني.وكان موضع تقديرهم جميعا.كما كان موضع تقدير كل الآباء المطارنة أحبار الكنيسة,وبعضهم كان من تلاميذه…
هو الذي أنشأ الإكليريكية في جيلنا:
هو الذي اشتري لها أرضها في مهمشة,وبني لها مبني كان فخما جدا في أيامه.وهو الذي أسس مدرسة للعرفاء ملحقة بالإكليريكية.كما بني أيضا كنيسة للإكليريكية هي كنيسة العذراء بمهمشة حاليا.وكان يجول كل أنحاء القطر يجمع تبرعات للإكليريكية.واستطاع أن يقنع محبيه بأن يوقفوا لها أوقافا…نذكرهم من بينهم السيدة الفاضلة الخيرة رومه أثناسيوس…فأوقف لها 365فدانا.
عين ناظرامديرا للإكليريكية سنة1918:
بخطاب من قداسة البابا كيرلس الخامس في14 سبتمبر.واستمر في عمله33 عاما حتي تنيح في عشية عيد العذراء في 21 أغسطس سنة 1951 وله من العمر75 عاما.ولم يقتصر عمله في التعليم علي الإكليريكية.
كان يعلم في كل مجال وأصبح رمزا للتعليم في جيله ورائدا لكل المعلمين:
فكان يعظ في الكنائس وفي الجمعيات.وقد قام بإنشاء كثير من الجمعيات,إذ كانت الكنائس قليلة.وظهرت أهمية الجمعيات,كميادين للوعظ وأيضا للخدمة الاجتماعية في العناية بالفقراء والأيتام.كما أن الجمعيات هي التي قامت بتأسيس الكنائس وبنائها,وذلك قبل أن يصدر قانون في سنة1959 لفصل الجمعيات عن الكنائس.
كانت جمعية النشأة بحارة السقايين من أشهر الجمعيات التي ألقي فيها عظاته.
وقد ألقي فيها عظة مشهورة حضرها البابا كيرلس الخامس,وظل واقفا أثناءها مدي ساعة,فرحا به يباركه بعلامة الصليب في كل فقرة منها.
وألقي أيضا عظات في جمعية الإيمان القبطية المركزية وكان هو الذي إنشاء هذه الجمعية ونقلها إلي الفجالة كما أنشأ جمعية المحبة لتربية الطفولة.
وكان عضوا عاملا في الجمعية الخيرية القبطية الكبري.كما كان له فضل كبير في إنشاء جمعية أصدقاء الكتاب المقدس.
وقد أسس جمعيات للوعظ من داخل الكلية الإكليريكية.
فأنشئت جمعية جنود الكنيسة,وجمعية نشر كلمة الخلاص,وجمعية الخريجين.
واشتغلت هذه الجمعيات في 84مركزا لخدمة الكلمة,واستطاعت في مدة وجيزة أن تنشئ كنائس في الصف والقناطر الخيرية,وفي عين شمس وألماظة وغيرها وكانت مجالا واسعا يخدم فيه طلبة الكلية الإكليريكية.
وقد احتفل سنة1938 احتفالا كبيرا بمناسبة مرور أربعين عاما علي تخريج أول دفعة من الكليةالإكليريكية.
وقد حضر هذا الاحتفال عدد كبير من الآباء المطارنة وأرسل الباقون خطابات أو برقيات تقدير للأستاذ حبيب جرجس وأصدر في تلك المناسبة كتابة عنالإكليريكية بين الماضي والحاضر شرح فيه إنشاء الإكليريكية ومبانيها والقسم الداخلي فيها ,وزيادة عدد المدرسين في تخصصات كثيرة,فإلي جانب العلوم الدينية الكثيرة,أدخل فيها تدريس مواد المنطق والفلسفة وعلم النفس,واللغتين العبرية واليونانية,إلي زيادة الاهتمام باللغتين العربية والإنجليزية وكذلك اللغة القبطية والتاريخ.وألحان الكنيسة التي كان يدرسها المعلم ميخائيل كبير مرتلي الكنيسة.
واهتم الأستاذ حبيب جرجس بإنشاء مدارس الأحد وتحضير دروسها وصورها:
وأصبحت الإكليريكية ومدارس الأحد وحدة تعليمية واحدة تحت إشرافه.وصار هو نائب غبطة البابا الرئيس الأعلي لمدارس الأحد ولجنتها العامة.وكان يطبع لها الصور الأنيقة الملونة علي ورق الكوشيه الفاخر وتكتب الدروس خلف الصور.
وأنشأ حبيب جرجس سنة1946 القسم الليلي الجامعي بالكلية الإكليريكية الذي التحق به عدد من قادة مدارس الأحد بكنائس القاهرة والجيزة.
واهتم حبيب جرجس بالتعليم الديني في المدارس ووضع له المناهج والكتب:
ففي سنة1909م أصدر لذلك كتابهخلاصة الأصول الإيمانية في ثلاثة أجزاء لسني الدراسة الابتدائية الأربع وتهافت علي اقتنائه المدرسون والطلبة.وفي سنة 1913 صدرت الطبعة الخامسة منه.
وفي سنة1937 أصدر ثمانية كتب جديدة باسم المبادئ المسيحية الأرثوذكسية لتوافق المناهج الجديدة:أربعة كتب منها للتعليم الابتدائي,وأربعة للتعليم الثانوي.
كما أصدر ثلاثة كتب بعنوانالكنز الأنفس في التاريخ المقدس.وإن كانت كتبه يعتمد عليها المدرسون في المدارس الحكومية,فقد صارت هي أيضا المعتمدة في كل المدارس القبطية الحرة.
اتصل أيضا بالمسئولين في وزارة المعارف للاهتمام بالتعليم الديني.
اهتم حبيب جرجس أيضا بالصحافة.وأصدر مجلته المشهورةالكرمة التي استمرت 17عاما:
وتميزت تلك المجلة بعمق تحريرها,وقوة مقالاتها وبمجموعة من المحررين الأكفاء من أشهر الكتاب في أيامه.أصدرها سنة1907 وساعده في تحريرها جبرائيل بك الطوخي رجل القانون.
نصيف بك الطوخي رجل القضاء.
الأرخن الأستاذ تكلا رزق الذي كان يقوم بتدريس مادة العلم والدين في الإكليريكية.
الأستاذ يسي عبد المسيح أستاذ اللغة اليونانية والطقوس بالإكليريكية وأمين مكتبة المتحف القبطي.
الأستاذ سمعان سيليدس أستاذ اللاهوت بالإكليريكية, قوسة بك جرجس الواعظ والكاتب.
الأستاذ كامل جرجس شقيقه عزيز بك مرقس,وداود بك غالي.
ولأول مرة بدأت هذه المجلة تنشر ترجمات لأقوال الآباء القديسين:
وصارت هذه المجلة أعظم المجلات القبطية في جيلها.
وكانت تنشر بحوثا قانونية,وبحوثا في العلم والدين,وفي الكتاب المقدس وفي العقيدة واللاهوت.ويشمل كل عدد عظة روحية قوية من عظات الأستاذ حبيب جرجس.
وغالبا توقفت هذه المجلة لأسباب مالية,إذ كانت تشكل عبئا ماليا عليه.
وكان حبيب جرجس شاعرا أيضا:
وقد استغل هذه الموهبة في تأليف الترانيم والأناشيد الدينية.وكلها تتسم بالطابع الأرثوذكسي.وبعضها تراتيل لأطفال مدارس الأحد.وقد ضمنت هذه التراتيل في كتابين هماأناشيد أرثوذكسية وترانيم عقائدية وكتابإنعاش الضمير في ترانيم الصغير.كما وضع حبيب جرجس نشيدا للإكليريكية من تأليفه.
وأصدر حبيب جرجس مؤلفات عديدة:
فغير ما ذكرناه,أصدر في العقيدة كتابه المشهورأسرار الكنيسة السبعة وفي اللاهوت المقارن أصدر كتابالصخرة الأرثوذكسية وكتاببرلام ويواصف.
وفي تاريخ الكنيسة:أصدر كتاب مارمرقس الإنجيلي,وكتاب حياة القديسين الأنبا بولا والأنبا أنطونيوس.
ومن جهة الكتب الروحية أصدر عدة كتب,هي سر التقوي ونظرات روحية في الحياة المسيحية,وعزاء المؤمنين وروح التضرعات كما أصدر من جهة آماله في الإصلاح كتابهالوسائل العملية للإصلاحات القبطية.
وقد نال حبيب جرجس شهرة كبيرة.
واحبه الناس جدا لاهتمامه بالتعليم في كل المجالات وأيضا لشخصيته الروحية وفي انتخابات المجلس الملي العام,كثيرا ما كان يحصل علي أكبر الأصوات.ولكن لم يحدث اختياره وكيلا للمجلس الملي العام.لأن وكلاء المجلس في تلك الأيام كانوا يختارون من باشوات الأقباط أو أصحاب المناصب الكبيرة.
وقد رشح حبيب جرجس مطرانا للجيزة في سنة1948:
ولكن البابا يوساب الثاني لم يوافق علي ترشيحه للمطرانية لأنه لم يرسم راهبا.علي الرغم من أنه كان بتولا,ومكرسا للخدمة الدينية,وفي رتبة أرشيدياكون,ومديرا للكلية الإكليريكية.
عظمة حبيب جرجس لم تكن في منصبه إنما كانت في عمق خدمته.
كان حبيب جرجس يؤمن بالعمل الايجابي:
كان عصره مملوءا بالصراعات وكثير من محبي الصلاح في عصره لجأوا إلي النقد الشديد وإلي التشهير بالأخطاء ومرتكبيها وبعضهم دخل مع الكنيسة في قضايا في المحاكم وبخاصة من جهة إدارة الأوقاف.
أما حبيب جرجس فكان إنسانا هادئا,يحب العمل الإيجابي البناء.وركز عمله في التعليم.
لم يشغل نفسه بأخطاء عصره,ولم يضيع وقته في انتقاد الضعف الموجود,وبدأ يعمل.حفر أساسين ووضع حجرين أساسيين هما الإكليريكية ومدارس الأحد.وظل البناء يرتفع وهو ينشد وأما شعبك فليكن بالبركة ألوف ألوف وربوات ربوات يصنعون مشيئتك.
طاف أقاليم الكرازة كلها يعظ ويعلم,وينشر النور في كل مكان,وأخرج مئات من الوعاظ من تلاميذ يعظون ويكرزون.
كان حبيب جرجس وديعا ومتواضع القلب:
لم يذم أحدا,ولم يهاجم حتي الذين لأسباب نفسية قد هاجموه.وكان يحتمل في صبر.وخلال سبعة عشر عاما في تحرير مجلة الكرمة, لم يكتب عبارة نقد ضد أحد وكان يخضع باستمرار للرئاسة الدينية.
وقد انضم إلي المجلس الملي,ليحفظ قانون الكنيسة في موضوع الأسرة والطلاق:
لأنه في أيامه كانت كل قضايا الأحوال الشخصية للأقباط من اختصاص المجالس الملية.فلحرصه علي سلامة الأسرة,كان يحضر جلسات الأحوال الشخصية في المجلس الملي كذلك كان في المجلس هو المدافع عن الإكليريكية والتعليم الديني.
عاش رائدا للتعليم الديني في جيلنا.
فخدم التعليم في كل مجالاته ووسائله:في الوعظ والكتابة والتدريس علي منبر الكنيسة وعلي منبر الجمعيات وفي المعاهد الدينية.
وضع أساسا وكثيرون بنوا عليه,وربما بعض هؤلاء قد ارتفع بناؤهم جدا.ولكنهم لولا ذلك الأساس ماكانوا قد استطاعوا أن يبنوا.وهو تعب,والباقون دخلوا علي تعبه.أنه أب للكل,لكل الذين يعملون في مجال التعليم الديني.
لم تكن له أسرة خاصة لأنه كان بتولا,وكذلك كل إخوته بالجسد ولكن له أسرة مترامية الأطراف فكل الإكليريكيين والوعاظ وخدام مدارس الأحد أبناء له.
نيح الله نفسه الغالية في فردوس النعيم.