الدين رسالة سماوية والفن رسالة إنسانية.لم توجد الفنون لمجرد الترفيه العابث,وإنما هي وسيلة تثقيف وترفيه ورقي.فالفن هو رسالة اجتماعية لخير المجتمع ومرتبطة به.يسمو بالروح,ويرهف الشعور,ويهذب النفس.
فإذا استخدمت الفنون بالطريقة اللائقة الصحيحة,قدمت للبشرية خدمات جليلة لأنها تساهم في توعية وتثقيف الشعوب.
كم نشعر ببالغ الأسي عندما توظف علي خلاف رسالتها ومقاصدها مسببة للإنسان أضرارا بالغة.
فالفن الراقي هو رسالة وحضارة وحب,وكلما اختفي في بلد ما,كثر فيها العنف والوحشية والسلوك السيء.
فالفن الجميل هو حوار مبدع بين الإنسان وخالقه وبواسطته يستطيع أن يكتشف عظمة الله الخالق وجمال الكون.
فالفنان له رسالة اجتماعية موجهة للمجتمع ومرتبطة به,فلا يستطيع أن يعزل الإبداع عن المجتمع بثقافته وتراثه وتاريخه وأحداثه,لأن الفنان الحقيقي لا يعيش بمعزل عن المجتمع,بل يتفاعل معه ويستمد منه عناصر فنه وإبداعه بمعني أوضح أن يؤثر فيه ويتأثر به في مزيج فريد لايمكن فصله.
إذا نطرح سؤالا:هل يموت الفنان وأعماله بعد رحيله عن هذه الدنيا؟أو متي يظل حيا بيننا؟
يقول المثل:الناس نوعان:موتي في بيوتهم,وآخرون في بطون الأرض أحياء.
يذكر لنا التاريخ مبدعين منذ بدء الخليقة حتي الآن وكأنهم أحياء بيننا في حين يوجد آخرون طويت صفحتهم.
وعمر الإنسان لايقاس بعدد السنين التي قضاها علي هذه الأرض ونفس الشيء يقال عن عمر الفنان أو الكم الذي تركه لنا ولكن بالإرث الفني الذي خلفه بعد رحيله.
حفروا علي أحد القبور هذه الكلمات:هنا يرقد إنسان مات وعمره ستة عشر عاما ودفن عندما بلغ الخامسة والسبعين.ماذا تعني هذه العبارة الغريبة؟
تدا علي أن الشخص الذي يفكر في نفسه فقط كيف يلبس؟ وماذا يأكل؟ وما يدخره لذاته؟ يصبح عبارة عن جسد يتحرك دون أي طموح.ليس لديه رغبة في الكفاح والسعي والعمل,وكل ما يشغله فقط هو نفسه دون أي رسالة يقوم بها لخير المجتمع,وبذلك يموت عنده الشعور بالحق والخير والجمال.
نفس الشيء يقال عن الفنان الذي يفكر فقط غي شهرته وثروته الشخصية دون أي التزام نحو الآخرين.
فالحياة البشرية الحقة,هي شباب دائم لا صلة لها بعدد السنين والشباب هو طموح لايعرف حدودا ورجاء لايقف أمام المستحيل,وجسارة في مواجهة الأخطار,وثقة بالنفس دون كبرياء أو تعال.
فالفنان العظيم هو بمثابة آنية مليئة بالحكمة,وشجرة مثمرة تعطي ثمارها في كل حين.والفن الحقيقي الذي يقدمه لنا هو بمثابة النور الذي يبدد ظلمات الجهل عن العقول لتري الحق والخير والجمال.
والفن الهادف هو الذي ينير العقول ويقوي الإرادة,ويساعد المرء في السيطرة علي أمياله وأهوائه.
وكل من يقدم هذا لن يموت أبدا.ويقول السيد المسيح:إن العطاء أعظم غبطة من الأخذ.
ونقرأ للشاعر العالمي Robinson:هناك نوعان من معرفة الجميل:النوع الأول هو السعادة التي نشعر بها عندما يقدمون لنا شيئا ما.والنوع الثاني والأفضل:هو الغبطة التي نشعر بها حينما نحن نعطي الغير.
يالها من سعادة تغمرنا حينما نحصل علي هدية قيمة لم نتوقعها!ولكن كل ما نعطيه نحن للآخرين يؤثر فيما أكثر من الأخذ,فنشعر بارتياح وسرور لايمكن وصفهما عندما نقدم عملا جليلا للآخرين وننير لهم الطريق.
نشعر أيضا بسعادة فائقة حينما نجد الفرصة المتاحة للقيام بتضحيات تكشف عن إرادتنا الطيبة.
إذا تتوقف السعادة الحقيقية علي ما نستطيع إعطاءه لا للحصول عليه.والفنان هو الذي لا يحاول أن يأخذ من الحياة أكثر مما يعطيها.
وهل يبحث الفنان عن السعادة الحقة عن طريق إسعاد الغير؟
هل كان الهدف من رسالته تجفيف الدموع,وتعزية الحزاني,وإغاثة البؤساء؟
وما أكثر النفوس المقفرة علي طريق الحياة! نفوس استبد بها اليأس,وأصابها العطب وإظلمت الحياة في عينيها فواجب علينا أن نبذر فيها الأمل والتفاؤل والمرح.
فالفنان الواعي هو الذي يسعي بفنه إلي تخفيف هذه الأعباء عن الآخرين وتزيين العقول بالمعرفة وبنيان الأخلاق وتهذيب الشخصية.
والفن للنفس كرياضة تسلق الجبال للأجسام:يهبط الإنسان من الجبال وهو أكثر نشاط وحيوية,بعد أن تنقت رئتاه وتخلص عقله من الميكروبات العالقة به.
فالفن ليس من الكماليات كما يظن البعض,ولا مجرد وسيلة لقتل الوقت وملء الفراغ,بل أنه ضرورة ملحة لتغذية العقل الإنساني ووسيلة لرفع مستوي الشخص وتألقه.
والفنان يقدر بما يقدمه لمجتمعه وجمهوره ووطنه, لذا يجب أن تكون رسالته الحقيقية هي كيفية إسعاد الناس في حياته وبعد رحيله ولاقيمة لعمل إلا إذا كان فيه نفع للمجتمع والآخرين,والحياة نشاط متواصل وعلي كل إنسان أن يعطي مادام يملك الصحة والقوة.
كم من أعمال لمبدعين ومفكرين وأدباء وفنانين مازالت تنبض بالحياة علي الرغم من رحيلهم عن دنيانا!
لكن من لايريد أن يعطي فكأنه أخرج ذاته من عداد الأحياء وأصبح ميتا خارج القبر.
ونختم حديثنا بكلام أفلاطون:إن العمل فيه خلاص لروح الإنسان سعيد حقا من يجعل من الحياة فنا جميلا.