” هذا هو ابنيَ الحبيب الذي عَنهُ رَضِيت ” : ذاك الصوت قد سمعناه آتيًا من السماء، إذ كنّا معه على الجبل المقدّس ( بطرس الثانية ١ : ١٧ – ١٨)
” يا ربّ، حسنٌ لنا أن نبقى ههنا ” ( متى ١٧ : ٤ ) .
بعد أن تعب بطرس العيش والمعاملة مع الناس ، وجد الوحدة والسعادة على الجبل ، حيث كانت نفسه تتغذّى من رؤية ومشاهدة الربّ يسوع المسيح وجهاً لوجه .
كان يسأل نفسه لماذا يترك هذا المكان ، مكان الراحة ، ليذهب إلى المتاعب والمشقّات والصعوبات والهموم ، خاصّةً أنّه كان يكنّ للربّ حبًّا وفياً ومُقدسّاً ، وكان يُفكّر جدّياً بتقديس حياته للمسيح يسوع ؟
كان يريد هذا الفرح له فقط ، إلى حدّ أنّه أضاف قائلاً ليسوع : ” إن شئتَ، نصبتُ ههنا ثلاث خيم : واحدةً لك وواحدةً لموسى وواحدةً لإيليّا ” ( متى ١٧ : ٤ ) .
نعم ، كان بطرس يرغب نصب ثلاث خيم : لكنّ الجواب الآتي من السماء أظهر له أنّه ليس لدينا إلّا خيمة واحدة وهي :
كلمة الله الرّب يسوع المسيح ، في الشريعة ، وفي الأنبياء ومن ثمَّ في الكنيسة والرسُل .
في اللحظة الّتي غمرتهم الغمامة ، وظلّلتهم خيمة واحدة خرج منها صوت . والّذي كشف هذا الصوت هو ذاك الّذي تمجّد فيه الشريعة والأنبياء : ” هذا هو ابني الحبيب الّذي عنه رضيت، فله اسمعوا ” ( متى ١٧ : ٥ ) ، عند هذه الكلمات، سقط التلاميذ على الأرض .
يرمز الرُسُل بسقوطهم على الأرض إلى موتنا، لكن نهوضهم عن الأرض، يرمز إلى قيامة ربنا يسوع المسيح من الموت ومن ثمَّ إلى قيامتنا ” إن المسيح قام من بين الأموات ، وهو بِكرُ الَّذِينَ ماتوا … فالبِكرُ أوّلاً وهو المسيح ، ثمَّ الذين يكونون خاصة المسيح ” ( قورنتس الأولى ١٥ : ٢٠ – ٢٣ ) .
لكن ، ما هي فائدة الشريعة والنبؤة بعد القيامة ؟
اختفى إيليّا، واختفى موسى. وما بقي لنا إلاّ الكلمة ” في البدء كان الكلمة والكلمة كان لدى الله والكلمة هو الله ” (يوحنا ١ : ١) . بقي لنا الكلمة ” ليكون الله كُلَّ شَيْءٍ في كُلِّ شيء ” ( قورنتس الأُولى ١٥ : ٢٨ ) .
اِنزلْ ، يا بطرس . انزل ايُّها المسيحي ، الذي ترغب الهروب من العمل والعيش منعزلاً وبعيداً عن إخوتك وتطلب الراحة على الجبل . ها هو الربّ يسوع يقول لكَ : ” اِنزل لتتألّم معي ، انزل لكي تكون مُحتقَراً ومُعذّباً ومصلوباً لتخدم هذا العالم الذي يتوق الى الخلاص والسعادة الحقيقية ” .
نزلَ الحياة لكي لا تموت انت بل تحيا لتعمل وتشقى ، نزل الخبز ليتحمّل الجوع وانت تشبع ، نَزَلَ الطريق والحق والحياة ليُنيرَ لك الطريق وتسير انت على درب الحياة مطمئناً وبدون خوف ، نزل الينبوع ليتحمّل العطش ويروي ظمأك ، وأنتَ ترفض أن تتألّم وتضحي بنفسكَ ؟
لا . لا تبحث عن سعادتك وراحتك ومصلحتك . مارس المحبّة وتحمّل الآلام والعذابات ، وأعلن الحقيقة بدون اتضطراب وخجلٍ ، الله معك ، يشعر بك ويُحبك ، عندئذٍ ستصل إلى الخلود والفرح ، ومع المسيح ستجد الراحة وتعيش السلام الحقيقي .
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك