أستيقظ العالم على أنباء حرق وشغب في أنحاء عدة في أسرائيل قام بها اليهود من أصل أثيوبي في أعقاب تشييع جثمان سلومون تيكا البالغ من العمر 18 عاماً الذى قتل على يد شرطي خارج الخدمة وكان عشرات الآلاف من اليهود الأثيوبين الذى يعرفون باسم الفلاشا قد نقلوا إلى أسرائيل في الثمانينات والتسعينيات من القرن العشرين ولكنهم واجهوا ما يصفونه بتمييز ممنهج وعنصرية فضلا عن الافتقار إلى التعاطف معهم فيما يواجهونه من صعوبات في المعيشة وكل تلك الأمور أنتفضت مع مقتل الشاب سلومون.
وعن يهود أثيوبيا” الفلاشا ” تقول دكتور حنان اخميس إن لفظ كلمة إثيوبيا يونانية الأصل، وأطلقه اليونان القدماء على البلاد المتاخمة لحدود مصر جنوباً، وتعني كلمة فلاشا أو فلسين: الغرباء أو المهاجرون، وهناك معنى آخر بكلمة فلاشا بلغة الجعز (اللغة الأثيوبية) وتعني عبر أو هاجر ومعنى كلمة فلاشا في العربية: فلس أو نقود ويرجع ذلك إلى تعامل اليهود في المجالات المالية و خاصة في تبادل النقود، وحدث الإبدال المعهود في اللغات بين السين والشين ومن ثم عرفوا بالفلاشا.
ولم يستدل بالتحديد عن أصل الفلاشا وارجحوا بداية وجودهم في خمس نظريات:- اولاً انهم هم نسل الأسباط العشرة المفقودة (وبخاصة سبط دان) وقد رحلوا إلى إثيوبيا بين القرن العاشر قبل الميلاد والقرن الثاني الميلادي. والنظرية الثانية انهم هم من نسل يهود هاجروا من مصر في القرن الثاني والسابع الميلاديين و تزاوجوا من السكان المحللين.
والنظرية الثالثة انهم يهود هاجروا من اليمن في القرن الثاني الميلادي، وحتى نشوب الحرب بين الملك الإثيوبي المسيحي “كالب” وبين الملك العربي الجنوبي اليهودي المعروف بيوسف ذي نواس في القرن السادس الميلادي. ورابعاً انهم موجات من اليهود فروا خلال فترة مختلفة من مصر و جنوب الجزيرة العربية بين القرن السابع قبل الميلاد والسادس الميلادي، وتزاوجوا واختلطوا بالسكان المحليين.
والنظرية الخامسة أن الفلاشا يتحدثون اللهجة الكوشية وتهودوا و اتخذوا لأنفسهم شكلاً خاصاً باليهودية وذلك في القرن الرابع و الخامس عشر الميلاديين.
ويرجع عدم تحديد الباحثين لأصول الفلاشا لأن تاريخ الفلاشا جزء من تاريخ الحبشة وتاريخ الحبشة القديم من أصعب موضوعات التاريخ على الباحثين وذلك لضعف وندرة المصادر عن تلك الفترة إلى درجة الغموض الكامل أحيانا كثيرة، وسبب ذلك الغموض أن الحبشة ومنذ القرن الأول الهجري السادس الميلادي تعرضت لمشاكل ونزاعات داخلية انتهت بها في القرن الرابع الهجري إلى الدخول فيما عرف بالعزلة الحبشية عن العالم إذ تدهورت أحوال المملكة وتمزقت وحدتها واستقلت مقاطعاتها.
وعن حياتهم الدينية ومعيشتهم: كان يعمل رجال الفلاشا في مجال رعي الأغنام، و في الزراعة ومعظمهم كانوا يعملون كإجراء في أرض الغير لا يملكون أرضاً ويعمل الكثيرون منهم في حرف متعددة كالنسيج والحياكة وصناعة الفخار والحدادة وهي المهن التي تعتبر في الأوساط الأثيوبية متدنية وتنتمي بصورة تقليدية للفلاشا.
أما عن حياة الفلاشا الدينية تقول دكتورة حنان لكل قرية أو مجموعة قرى كاهن يتم للأفراد شعائرهم الدينية ويقودهم ويوجههم ويقوم بدور الحاخام إلا أنه ليس من نسل هارون كما هو الأمر عند غالبية اليهود فالكهانة عند الفلاشا: وظيفة يتعلمها أي فرد ومن الأسر الكبيرة على وجه الخصوص و هي لا تورث على الإطلاق، والمفروض أن للكاهن عملاً يرتزق منه نظراً لانشغاله بإدارة الحياة الدينية للطائفة وتعاليمها الوصايا العشر فإن أفراد الطائفة يقومون بالتبرع له لمساعدته على العيشة وحتى يتمكن من القيام بدوره الديني، والكاهن يسمى قس عند الفلاشا ويوجد له مساعد خاص يسمى ( دفترا ) ويعاونه في الصلوات وتعليم أبناء الطائفة في حالة وجود الكاهن كما يحل محله في غيابه، وكان بين الفلاشا في الماضي نساك يقضون سنوات من عمرهم في بيوتهم حيث يتفرغون للصلوات وقراءة التوراة وينعزلون عن الناس تماماً، ويكونوا بمثابة القديسيين الأطهار في نظر سائر الأفراد.
وحافظ الفلاشاه على ابرز صفات اليهود من حيث العزلة عن المجتمع والسكن في تجمعات على غرار ما كان اليهود عليه في بلاد العرب المسلمين وأوربا ولم يندمجوا بالمجتمع الحبشي.
ولهذا أطلقوا عليهم اسم “المنفيون” و”غريبوا الأطوار” لأنهم كانوا يحتقرونهم ولا يكنون لهم أي ود ولم يختلف الفلاشاه عن باقي يهود العالم في ما حازوه من كره في قلوب كل من عرفهم وجاورهم، واهم أسباب ذلك الكره والاحتقار هو نظرة الفلاشا لكل غير اليهود”الجويم” على أنهم أنجاس يجب الابتعاد عنهم ما أمكن،كذلك دأب الفلاشا على ممارسة السحر وصنع التمائم مما جعل الأحباش ينفرون منهم.
ويقول م. عمر سلهم صديق في دراسته عن يهود الفلاشا : يعيش الفلاشا في مناطق محددة في الحبشة حول بحيرة تانا في شمال غرب إثيوبيا ويسكنون في قرى صغيرة للغاية خاصة بهم أو في مجموعة بيوت منعزلة بجوار أحياء المسيحين ويقيم الفلاشا في قراهم البدائية الفقيرة والمعدمة وهى عبارة عن أكواخ مستديرة تسمى “طوقول” عبارة عن بيت ريفي مصنوع من فروع الأشجار المتراصة والمتلاصق بالطين، وداخل البيت يتكون من قليل من الفرش أو الأسرة وبعض أدوات المطبخ التي صنعت من الفخار ويتم الطبخ و التسخين بحرق الأخشاب أو في أفران بسيطة للغاية، كما ينيرون ظلام لياليهم بإشعال الأخشاب أو بمواقد الكيروسين.
الصراع بين اليهود والأحباش:
وكانت الحياة البسيطة والنظرة الدونية للفلاشا سبباً في إندلاع أول ثورة لهم في هـ 960/348م وقادت ثورتهم “استير”أو “جوديت” وهي أميرة مقاطعة :”سمين” اليهودية وللضعف الذي كانت عليه الحبشة تمكنت جوديت من اعتلاء عرش المملكة،وعملت خلال الأربعين سنة التي حكمت فيها على القضاء على المسيحية فهدمت الكثير من الكنائس ويثبت ذلك رسالة بعثها ملك الحبشة إلى بطريرك الإسكندرية حتى تمكنت الأسرة السليمانية النصرانية من استرجاع ملكها منهية بذلك حكم الفلاشا للحبشة. ويبدو فيما بعد أن ملوك الحبشة انتقموا من الفلاشا لاغتصابهم ملك البلاد فالأخبار اللاحقة تفيد بان الأحباش استعبدوا اليهود وجعلوهم فلاحين في أراضيهم وذكر ذلك جمال حمدان في كتابه اليهود انثروبولوجيا الصادر عن دار الهلال، والمسيري فى موسوعة اليهود وقام الفلاشا بثورة ثانية خلال حكم الملك الحبشي”اسحق بن داؤد”) 817هـ/ 1414م-فشن عليهم عدة هجمات استمرت سبع سنين انتهت باستسلامهم وابادة عدد كبير منهم ٕمما اجبر الكثيرين منهم إلى التظاهر بالتنصر وبعد تلك الهزيمة لم تقم للفلاشا قائمة إلى حين تمكن المسلمون بقيادة الإمام احمد بن إبراهيم الملقب ب الأشول أو الأعسر لأنه يستخدم يده اليسرى من هزيمة الأحباش هزيمة شاملة ولم يدم الحال بالفلاشا طويلا خارج سلطة الأحباش واضطهادهم إذ عادوا تحت سيطرتهم لما قتل الإمام وتشتت جيشه أمام الأحباش والبرتغاليين الذين ساندوهم فور وصولهم إلى ساحل شرق أفريقيا.
كيف انتقل الفلاشا من اثيوبيا إلى فلسطين؟
وظل الفلاشا في اثيوبيا حتى العصر الحديث ففى سنة 1948م ولحاجة الصهاينة لكل يهود العالم لزيادة عددهم في فلسطين ولكسب معركة الأغلبية السكانية عمل اليهود على تهجير الفلاشاه من الحبشة إلى فلسطين على الرغم من معارضة أغلب اليهود وسبب تلك المعارضة هي عنصرية الصهاينة واحتقارهم للون الأسود حتى لو كان يهوديا، ف كتب ابن ميمون أشهر فلاسفة اليهود في كتابه دليل المحتار الذي يعتبره اليهود أكبر كتب الفلسفة الدينية اليهودية: ” البدو إلى الشمال والسود إلى الجنوب وطبيعتهم تشبه طبيعة الحيوانات البكماء،هم في رأيى لم يبلغوا مستوى الكائنات البشرية،والمستوى السائد بينهم هو دون مستوى الإنسان وفوق مستوى القرد”
ورغم الرفض إلا أن عملية التهجير حازت الموافقة وتمت على ثلاثة عمليات جوية نقلت الفلاشا إلى فلسطين،عملية “موسى” سنة 1984م وعملية”سبأ” سنة 1985م وعملية”سليمان”.