سبق لي زيارة مدينة القدس الشريف, وتأملت في عدة ساعات قضيتها بين عناصر تلك المدينة المقدسة, حيث تراكمت الحقبات الزمنية وما حملته من عبق التاريخ وكذلك الإديان فوق بعضها, وهذا هو التعبير القريب جدا من الواقع علي الأرض اليوم حيث حائط المبكي (اليهودي المقدس) هو الحائط الغربي أسفل تجمع الأقصي وقبة الصخرة, وعلي يسارها بعدة أمتار الكنيسة (الخالدة) وهي موقع السيد المسيح عليه السلام وهو المقدس لدي مسيحي العالم كله ـ أي أن ثلاث مواقع دينية مقدسة سواء لليهود أو للمسيحيين أو للمسلمين, تقع جميعها في أقل من خمسمائة متر مربع, ولا يمكن الفصل بيسنهما بمعجزة منمعجزات التخطيط العمراني!!.
وحينما تأملت كيفية الوصول إلي اتفاق طرفي النزاع في هذه البقعة من الجميع, (الفلسطنيين) أصحاب تلك الأرض وأصحاب القرار السياسي عليها قبل 1948, وكذلك 1967, إلا أن التاريخ القديم جدا جدا, الذي يتمسك به الطرف الثاني وهم (اليهود), تحت الأسم العنصري (إسرائيل) بأن تلك الأراضي تعود إليهم قبل ألفي عام, أي ما قبل الميلاد, وحيث أن الأتفاق علي ما يرضي الطرفين أصبح في حساب اللامعقول, واللامحقق كما يتبدي لي في ظل تلك الأحداث الجارية والأوضاع القائمة, للقوي العالمية المتحكمة في المقوف السياسي الدولي, إلا أن من جانب آخر بحثت عن منطق يمكن أن يقرب ما بين الطرفين حتي ولو نظريا من وجهة نظري المتواضعة!!
فوجدت أن تلك المنطقة 0القدس), هي مدينة كل العالم, هي مدينة المسيحيون واليهود والمسلمون معا, ولكن المشكلة هي إدارة هذه المنطقة وخضوعها لكونها عاصمة لإحداهما (فلسطين أو إسرائيل) وفي الواقع النظري, فإن إدارة هذه البلدة دوليا, مع سيطرة علي المناطق الدينية لأطراف القضية ـ حيث الفلسطينيون هم ممثلي الديانتين الإسلامية والمسيحية, أما ذلك الطرف الثاني المنادي (بيهودية) دولته, فله ذلك الجزء من المدينة (حائط المبكي) وهو أيضا عمليا لا يمكن تطبيقه, ولعل الفكرة الجبارة التي أثارها الرئيس الأسبق الراحل معمر القذافي حينما خرج علي المجتمع الدولي بدولة (إسراطين) جامعا للدولتين في دولة واحدة مشبها بذلك دولة جنوب أفريقيا, إلا أن ذلك لم يترتب عليه أي أتفاق أوموافقة من أحد الأطراف المشتركة في مشكلة المنطقة, ولكنها كانت أيضا مجرد فكرة, مع أن مشكلة جنوب أفريقيا والعنصرية التي كانت ساندة تحتد حكم (ديكليرك) ووجود (مانديلا) في الجانب الآخر(بالسجون), لا يمكن أن تقارن بما هو واقع في أرض القدس الشريف, ولكن مازال موقع القدس والمدينة هو الأكثر تعقيدا في مجريات الأحداث السياسية القائمة اليوم وغدا.