أتيحت لي فرصة المشاركة في لقاء حواري بدعوة من مؤسسة القاهرة للتنمية والقانون، وهو اللقاء الأول ضمن لقاءات أخرى تعقدها المؤسسة في إطار برنامجها الخاص بمناهضة العنف ضد النساء. وهذه السلسلة من اللقاءات تهدف إلى إصدار مدونة سلوك مهني لمقدمي الرعاية الطبية في التعامل مع النساء ضمن مشروع “مراكز رعاية طبية أمنة للنساء”. وقد شارك فى هذا اللقاء الأول مجموعة متنوعة من المعنين والمعنيات بقضايا النوع الاجتماعي من ناحية والخدمات الطبية والصحية من ناحية أخرى. وبالتالي فقد كان الحوار متنوعا ومعبرا عن وجهات نظر متعددة حيث تم تناول الموضوع من زوايا مختلفة. وكأي موضوع حيوي، نجد أنفسنا أمام سؤالين أساسيين: لماذا؟ وكيف؟ أي لماذا التفكير في مدونة سلوك أو أى تدابير أخرى تسهم في خلق بيئة آمنة للنساء في مجال الخدمات الطبية؟ وكيف يمكن الخروج بمثل هذه المدونة وتفعليها؟
فيما يتعلق بالإجابة على السؤال: لماذا؟ فقد تم طرح العديد من الفرضيات التي تؤكد الحاجة الماسة إلى إنتاج وثيقة وإطار يسهم في توفير الحماية والأمان للنساء في مجال الخدمات الطبية. وهكذا فقد تم استعراض العديد من المشكلات والانتهاكات التي تتعرض لها النساء في سياق تلقى الخدمات الطبية نتيجة ممارسات مخالفة للقانون وبعضها يصل إلى حد الجرائم، أو بسبب سلوكيات لا أخلاقية قد تأتي من بعض مقدمي الخدمات أو من العاملين من غير الأطباء وفريق التمريض ممن يجدون فرصا لملامسة أجساد المرضى والمريضات بدون وجه حق بسبب القصور المؤسسى في الإشراف والمحاسبة واختلاط الأمور وعدم وعى المرضى بما يجب وما لايجب. وهنا تم الحديث عن حالات انتهاك جنسي وتحرش فضلا عن إجراء عمليات الختان من قبل أطباء في العيادات الخاصة. وقد حظي الحق الحق في الخصوصية باهتمام الغالبية العظمى من المشاركين والمشاركات، وقد تم الإشارة كذلك إلى الأحكام الأخلاقية على المرضى التى تتعارض مع أخلاقيات مهنة الطب. علاوة على ذلك تم الإشارة تردي أوضاع أماكن تقديم الخدمات الطبية وخاصة في المستشفيات العامة. وبالمقابل فإن النقاشات، التي ضمت ممثلين عن مقدمي هذه الخدمات، لم تغفل الضغوط والانتهاكات التي يتعرض لها الأطباء والطبيبات وفرق التمريض، وشدد الحوار على أهمية توخي الموضوعية والابتعاد عن التعميم فالأمر ليس مواجهة مع مقدمي الخدمات الطبية، ولكن هى جهود من أجل إصلاح أوجه الخلل داخل هذا القطاع الحيوي، والذي يمتلك العاملين فيه أكثر من غيرهم سلطة على الأجساد.
أما فيما يخص الإجابة على السؤال: كيف؟ فقد أجابت المؤسسة عن هذا السؤال باختيار الحوار كآلية مجتمعية للوصول إلى الهدف سواء كان هذا الهدف هو الخروج بمدنة سلوك، أو أي خيارات أخرى كتوصيات بسياسات أو حتى اقتراح تعديلات تشريعية. وبغض النظر عن طبيعة المنتج النهائي إلا أن الحوار المجتمعي يعد قيمة في حد ذاته، فإذا أمكن أن يكون حوارا دامجا لكافة الأطراف المعينة فسوف يكون له صداه الإيجابي وخاصة وأن العديد من الخروقات والانتهاكات تحدث بالمخالفة لقوانين ولوائح وأعراف موجودة بالفعل وتحتاج إلى تطبيق فعال. وإذا كان مصطلح “مدونة السلوك” يوحي بالمسئولية الأخلاقية، إلا أن مسار الحوار يمكن أن يستدعي كافة أشكال المسئوليات بداية من المسئولية السياسية إلى المسئوليات والالتزامات القانونية والمؤسساتية. إن مسار الإصلاح يقتضى مشاركة فعالة من كافة الأطراف المعنية، على أن يكون دور منظمات المجتمع بمثابة دور التنسيق لضمان حوار بناء وفعال بين الجهات التنفيذية والمؤسسات القومية والنقابات المعنية والأطراف المجتمعية ذات الصلة وحتى الجهات البحثية والأكاديمية.
ويبقى القول أهمية هذا النوع من الحوار تنبع من أنه يتطرق إلى قضايا مجتمعية على درجة قصوى من الأهمية، بعد أن أصبح مصطلح “الحوار” رهين الجدل النخبوى المتعلق بالثقافة وسياسيات الهوية الثقافية والدينية. فما أحوجنا إلى مثل هذا النوع من الحوارات التي تعالج قضايا اجتماعية حيوية تمس بشكل مباشر حقوق البشر والكرامة الإنسانية.