إن فن الحديث هو الاستماع دائما والكلام أحيانا.نحن نعيش في عالم غارق في الكلام بشتي الوسائل التي تحيط بنا.فالكلمة لها أهميتها وقدسيتها ومفعولها,ولانستطيع أن ننكر أن الله تعالي خلق الكون بكلمة منه مبينا لنا غني الكلمة وتأثيرها,لكن مانراه اليوم هو أن الإنسان أهدر قيمتها,وأصبحنا كالغريق في بحر من الكلام والثرثة.يقول المثل الياباني:فكر في سنة,وتحدث في ثانية.ولكن واقعنا يظهر لنا خلاف ذلك من كلام ووعود حتي فقدت الكلمات معناها الحقيقي.
نحن جميعا نعلم بأن الكلمة لها قيمتها الثرية وهدفها الحقيقي هو التحاور والتواصل مع الآخر,ولكنها تكبل وتقيد وتتوحش في حالة فراغ الضمير وظلام العقل وبلادة الروح كم هو مؤسف ومزعج عندما تصطدم بآذاننا شلالات من الكلمات الجوفاء المهينة! إنها كلمات لامعني لها وضررها أكثر من نفعها تهدم لاتبني,تجرح الآخرين لاتضمد جراحهم,إذا يجب علينا أن نطهر كلماتنا وألفاظنا من السطحية والأحاديث التي لا جدوي منها.نعيش الآن في عالم يفضل الثرثرة والإسراف في الكلام,والتي تدمر الصمت وتسجن الكلمة تماما,ويقول الكاتب الساحر جوفاني بابيني:هناك أشخاص لايقولون شيئا ولكنهم يقولونه جيدا,وآخرون يقولون أشياء كثيرة ولكنهم يقولونها بردائة,لكن الأسوأ من هذا وذاك الذين لايقولون شيئا علي الإطلاق ويقولونه بطريقة سيئة معظمنا واجه هذه الأنواع الثلاثة,فقد تقابلنا مع من لا ينطقون كلمات كثيرة ولكنها غنية تشبع فضولنا وتطلعاتنا وتساعد علي البنيان,ومع أشخاص لايكفون عن الكلام ونتيجة أحاديثهم الدمار والخراب,فالحكيم يمتحن ويفحص كلماته ويبنيها علي أساس متين,أما الجاهل فيصب من فمه شلالات من الثرثرة لأن حياته كلها فراغ.نحن محاطون بأشخاص ذوي النية الصافية ولكنهم يرددون كل مايعرفونه دون أن يعرفوا مايقولونه, لذلك نطلب من الله أن يغفر لهم لأنهم لايعرفون مايقولون.
ويقول الكاتب الإنجليزي أوسكار وايلد:يوجد أناس تعشق أن تتحدث في اللا شيء,وهذا هو موضوعهم الوحيد الذي يعرفونه.ذات مرة اعترض أحد طالبي الحكمة قائلا لأحد تلاميذ معلم عظيم:أتيت من أقاصي البلاد لأصغي إلي المعلم الجليل,ولكني لم أجد شيئا مميزا في كلامه.أجابه التلميذ:لاتسمع كلامه,لكن اصغ إلي الرسالة الناتجة عنه.فسأله:كيف أستطيع فعل ذلك؟ رد الشاب:اصطاد عبارة عن كلماته وغربلها حسنا حتي تقع الكلمات الأخري,وفيما بعد يتبقي ما يدخل قلبك ويمسه.إذا يستطيع الإنسان أن يتمسك بكلمات بسيطة تمر علي أذنيه وتعود عليه بالمنفعة والفائدة حتي يقاوم مايقابله من بهلوانية الكلام والشعارات الجوفاء والإشاعات لأن كل هذه أصبحت غذاء لآذاننا وعقولنا وأفهامنا للأسف توجد بعض وسائل الإعلام والاتصال تفرض علينا لغة وكلما ومصطلحات دون المستوي.
إذا فالدرس الأول الذي يجب أن نتعلمه من هذا المثل هو أن نغربل الكلمات التي تصل إلي آذاننا حتي تقع المصطلحات التي لامعني لها ولا تليق بأخلاقياتنا ومستوانا.أما الدرس الثاني هو أنه من الممكن أن نتقابل مع أناس بسطاء لكنهم ذوو عمق وحكمة ومعلمو حياة حتي ولو كانت لغتهم ومفرادتهم ضعيفة كم من مرة تصادفنا مع وعاظ وخطباء يعطون شهادة بحياتهم أكثر من كلماتهم؟إذا…يجب أن نذهب أبعد من الكلمات لأنه عندما نقتلع الأوراق من الشجرة سنكتشف الثمار أمامنا وكل ماسبيقي هو الذي يوهج قلوبنا.
ويقول الله في سفر إرميا النبي:أليست كلمتي كالنار,وكالمطرقة التي تحطم الصخر؟(23:29) فالكلمة المقدسة سيف ونار وصخر ومطر يروي ونور يخترق الظلام وطعام لذيذ كالعسل,يكفي الإنسان استعداد بسيط وقلب منفتح وإنصات بإحساس ليتأثر بهذه الكلمات ويتفاعل معها فالكلمة هي عطية عظيمة من الله للبشرية ولكن يوجد من يبدلونها بأخري تحجب الحقيقة وتصبح طريقا للكذب والخداع بدلا من أن تكون أداة لكشف الصدق ووسيلة اتصال بين البشر, ويقول سفر الأمثال:كثرة الكلام لاتخلو من زلة ومن ضبط شفتيه فهو عاقل.فكلما تضاءلت المعرفة عند الشخص,ازداد ولعا بالحديث عن هذا القليل الذي يعرفه إذا لنجعل محبسا للساننا ونتكلم أقل مما نفكر,لأن من صفات الجاهل الإجابة قبل أن يسمع والمعارضة قبل أن يفهم والحكم بما لايعلم ونكلل كلامنا بهذه الحكمة:خير الكلام ما قل ودل.