لقد أثار إعلان مجلس الدولة المنشور في نوفمبر 2018 والمقتصر في مخاطبته علي الخريجين فقط دون الخريجات،وعدم قبولهم لأوراق خريجات عام 2017 للإلتحاق بالعمل فى مجلس الدولة ،جدلا واسعا آنذاك مما جعلهم يتقدمون بدعوى رقم 12972/73 لخريجات 2017 وموضوعها إلغاء اعلان مجلس الدولة المنشور في نوفمبر 2018 والمقتصر في مخاطبته علي الخريجين فقط دون الخريجات ..لم تكن هذه هى الدعوى الأولى التى يتم رفعها بل هناك المزيد من الدعاوى التى قدمت و تهدف إلى حصول المرأة على حقها للتعيين والعمل بمجلس الدولة أسوة بالرجال ..سنوات من المطالبات التى لاتزال فى إنتظار حصول المرأة على حقها كقاضية بمجلس الدولة .
ولقد انعقدت بتاريخ 8 يونيو الجارى الجلسه الخامسة لنظر قضية المرأة المصرية وحرمانها من تقلد القضاء المنظورة امام الدائرة الأولي (دائرة الحقوق والحريات العامة) بمقر مجلس الدولة، لمعرفة قرار المحكمة في الدفع بعدم الدستورية الذي تم تقديمه لتحويل القضية للمحكمة الدستورية العليا. التى كانت طالبت مبادرة “المنصة حقها ” بحجز الدعوى للحكم ولكن قررت المحكمة تأجيل الدعوي نظرا لغياب عضو هيئة قضايا الدولة !
ترى “المنصة حقها” – وهي مبادرة حقوقية توعوية تهدف لدعم الفتيات ومكافحة التمييز فيما يتعلق بقضية حرمان المرأة المصرية من تولي القضاء منذ عام 2014 – أن محض تعطيل الحق الدستوري وما تردد علي لسان رئيس مجلس الدولة المصري الموقر يشكل مخالفة دستورية تتساوي مع الانتقاص والإنكار لهذا الحق ابتداء، فضلاً عن أن الأسباب المعلنة لذلك غير مقبولة وتصم الدولة المصرية بصبغة تأخر وتدهور في أحوالها تناقض الواقع الكاشف عن اهتمام الدولة بكافة اجهزتها بتحقيق الاستحقاقات الدستورية كاملة للمرأة المصرية، وأن حجة عدم ملائمة الأوضاع الحالية واللوجستية لتعيين قاضيات بمجلس الدولة غير قائمة أيضاً وهي عقبات متوهمة يمكن التغلب عليها بآليات متوافرة ولن تشكل عبئاً علي ميزانية مجلس الدولة.
أمنية طاهر جادالله – مؤسسة مبادرة المنصة حقها منذ عام 2014، ومدرس مساعد بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، وباحثة ماجستير في القانون بذات الجامعة، ودرست بأكاديمية لاهاي للقانون الدولي بلاهاي 2018، وعضوه بأصوات النساء حول العالم (VOWW) وممثلتها في مصر، كانت قد تقدمت قامت بطعن إلى المحكمة الإدارية العليا بمجلس الدولة، لوقف تنفيذ قرار رئيس الجمهورية، فيما تضمنه من عدم تعيينه بوظيفة مندوب مساعد بمجلس الدولة دفعة 2013.
حرمان المرأة من مجلس الدولة
تحدثنا إلى أمنية جاد الله حول قضية حرمان المرأة من تعيينها قاضية بمجلس الدولة المصري ،فقالت : إن القضية ليست قضية توظيف أو غيره، وليست سعياً للحصول علي امتيازات بعينها دون غيرها وانما هي قضية تمكين المرأة من استحقاقاتها الدستورية والانسانية علي حد سواء. فالمرأة هي نصف المجتمع ولا يمكن لعاقل أو منصف أن يتغافل عن اسهاماتها وغير متصور اقصائها وعدم تمكينها من مواقع اتخاذ القرار لمخالفة ذلك لأبسط مبادئ العدل والقانون والمنطق والانسانية.
وأضافت : تم حرمان خريجات كليات الشريعة والقانون والحقوق من التقدم لمسابقة شغل الوظائف القضائية بمجلس الدولة والنيابة العامة حتى وبعد إقرار دستور 2014 الذى كفل صراحة حق المرأة فى التعيين فى كل المناصب القضائية وتعهد مجلس الدولة أنه حال اقرار الدستور الجديد، سيتم قبول الخريجات بمجلس الدولة.
وحيث كان الجو العام ايجابياً بخصوص الدستور الجديدآنذاك، وتم نشر اعلان مسابقة مجلس الدولة للتعيين بالمناصب القضائية لخريجى عام 2013 –الدفعة التى بطبيعة الحال سيتم إقرار تعيينها بعد الاستفتاء على الدستور- تقدمتُ فى الموعد المحدد لسحب الملفات مستوفية جميع الأوراق والمستندات المطلوبة لشغل الوظيفة فرفض المجلس تسليمي الملف. سلكت كل الطرق الممكنة للتحاور مع موظفى المجلس والتظلم أمام رئيس المجلس، دون مجيب. كما تواصلنا مع أكثر من 70 عضو برلمانى و لم يتحرك منهم غير 4 فقط منهم نادية هنرى التى تقدمت باستجواب بالمجلس ، كما تقدمنا ب 60 خطاب رسمى مسجل بعلم الوصول إلى المجلس القومى للمرأة لكن دون تلقى أى رد من قبلهم .
واستطردت جاد الله قائلة : تقدمت بصفتي خريجة كلية الشريعة والقانون عام 2013 بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف- بترتيب الثانية على الدفعة، وكلى ايمان وثقة في دولة المؤسسات التي كنا نتطلع لإرساء قواعدها من خلال الدستور المستنير الذى أقر بالفعل حق المرأة في التعيين في جميع المناصب القضائية (مادة 11) ومبدأ عدم التمييز (مواد 9 و53)، بالإضافة إلى الاعتماد على الكفاءة كمعيار وحيد للتعيين في الوظائف العامة (مادة 14) التي هي تكليف وليست تشريف لنوع دون غيره. تلك الحقوق الدستورية والتي تتسق مع الاتفاقيات الدولية التي انضمت مصر إليها وصدقت عليها وأصبحت جزءا من تشريعها الداخلي بل وتسمو عليه ان تعارضت معه. وعلى الأخص اتفاقية الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (“السيداو”) وغيرها، بحيث يصير انتهاك هذه الحقوق الأساسية، يجعل مصرنا الحبيبة مخله بالتزاماتها الدولية بما لا يليق بها!
سنوات من المطالبة بالحق فى مجلس الدولة
ولما كان ذلك، لم يتبق أمامي سوى طريق التقاضي الذي سلكته مرتين في ذات القضية.
القضية الأولى: حينما رفض المجلس –دون مبرر- تسليمي ملف التقديم، قمت برفع الدعوي رقم 30105 لسنة 60 ق للطعن علي قرار مجلس الدولة السلبي بالامتناع عن تسليمي ملف الترشيح أسوة بالخريجين من الذكور، وللأسف الشديد، قام المجلس بعدة انتهاكات لحقوقيمنها : قام المجلس بتقرير أن نظر القضية سيكون أمام الدائرة الثانية بالمحكمة الادارية العليا –مما يحرمنى من درجة تقاضى وبالتالي انتهاك حقي الدستوري في الدفاع والتقاضي.بالاضافة إلى تعنت المجلس في كل إجراءات القضية وتسويفه في المواعيد إلى الحد الذى بعد مرور 4 سنوات، لم يتم تحديد جلسة لنظرها، في إخلال واضح لحقي الدستوري في التقاضي والعدالة الناجزة.
الي ان كانت الطامة الكبري في ابريل 2017 بصدور حكم في تلك القضية دون إعلامى واخطاري حتي بموعد الجلسه برفض احقيتي في تسليمي الملف ودون ادني اعتبار لنصوص الدستور، كما تضمن الحكم جملة من العبارات المهينة للمرأة خصوصا وللمجتمع بالتبعية.
القضية الثانية: الطعن على القرار الجمهوري رقم 356 لتعيين خريجي دفعة 2013 بوظيفة مندوب مساعد: وذلك بموجب دعوى رقم 20222 لسنة 62 ق. حيث أنه خلال مباشرتي لإجراءات الدعوى الأولى، فوجئت في 8 ديسمبر 2015 بصدور القرار الجمهوري الآنف ذكره مقراً لاتجاه المجلس باقتصاره علي الخريجين دون الخريجات على الرغم مما يتضمنه اتجاه المجلس من مجافاة واضحة لمبدأ المشروعية وتكافؤ الفرص بالمخالفة لمعيار التعيين في الوظائف العامة علي اعتبار الكفاءة فقط. وللأسف الشديد أيضا، صدر تقرير المفوضين كارثياً في القضية الثانية مطابقاً للتقرير الصادر في القضية الأولى على نحو يخالف الدستور والقانون بشكل صارخ ويضرب بهم عرض الحائط.
6 سنوات من المطالبات
وأضافت جاد الله قائلة : إن هذا العام هو العام السادس على التوالي لقضية المرأة والقضاء !! رغم تقديم شق مستعجل لمساسها بمستقبل الطاعنة وما يترتب عليه من اثار مهمه وفواتها لا يمكن تداركه !!! ست سنوات في محاولة ليست ناجحة بعد للحصول علي حق كفله الدستور في أولي مواده ولكن يتم الإطاحة به في مجافاة وتحدي صارخ لمبادئ الحق والعدل والإنسانية !!!
وبتاريخ 13 أكتوبر 2018، تم تأجيل القضية للجلسة الخامسة بتاريخ 22 ديسمبر 2018 لتقديم مذكرة تكميلية بناء علي طلب دفاع المدعية اجابة الي توجيه رئيس الدائرة الثانية بالمحكمة الادارية العليا بضرورة تقديم مذكرة تكميلية بشأن ما اثاره الدفاع بالجلسة من المنشور علي لسان رئيس المجلس الموقر من اعتبار مسألة تعيين الإناث بالمجلس هي (مسألة وقت) هي محض تعطيل للحق الدستوري تشكل مخالفة دستورية تتساوي مع الانتقاص والإنكار لهذا الحق ابتداء، فضلاً عن أن الأسباب المعلنة لذلك غير مقبولة وتصم الدولة المصرية بصبغة تأخر وتدهور في أحوالها تناقض الواقع الكاشف عن اهتمام الدولة بكافة اجهزتها بتحقيق الاستحقاقات الدستورية كاملة للمرأة المصرية، وان حجة عدم ملائمة الأوضاع الحالية واللوجستية لتعيين قاضيات بمجلس الدولة غير قائمة أيضاً وهي عقبات متوهمة يمكن التغلب عليها بآليات متوافرة ولن تشكل عبئاً علي ميزانية مجلس الدولة. وتم تأجيلها مرة أخري لجلسة 5 يناير 2019 والتى تقرر فيها تأجيل القضية للجلسة السابعة لتاريخ 2 مارس 2019 ثم تأجيلها لتاريخ 18 مايو 2019.
الفصل بين السلطات ضرورة
المستشار محمد سمير حلمى المتحدث الاعلامى باسم النيابة الادارية – استاذ مساعد قانون دستورى ،قال : النيابة العامة لا يوجد فيها سيدات يعملن بها و كذلك مجلس الدولة ،66 قاضية فقط فى القضاء العادى اى بنسبة 5. % فقط أقل من 1 % و تم تعيينهم على ثلاث مراحل و بشكل غير عادى و قرارات استثنائية ، بالرغم من انه لا يوجد اى نص دستورى أو قانونى بيمنع المرأة من تولى هذه المناصب بل بالعكس دستور 2014 يدعم عدم التمييز. و بالرغم من وجود هذا النص بالدستور الذى يمنع التمييز لم يحدث اى تغيير حتى الأن سواء فى النيابة العامة أو مجلس الدولة ،ولا يوجد أى سبب قانونى لمنع تعيينها .
و أوضح المستشار محمد سمير قائلا : ترفع القضية أمام مجلس الدولة فتصبح أزمة لأن مجلس الدولة يكون فى هذه الحالة هو الخصم والحكم فى ذات الوقت و هذا ضد مبدأ الفصل بين السلطات .
وأشار إلى أننا نحتاج إلى العمل على تغيير العقلية ،فعلى سبيل المثال فى الجزائر 42 % قاضيات ،والسودان فى قاضيات فى النيابة العليا و المغرب ايضا ،وبالمحكمة الأفريقية ذاتها بها 5 سيدات مقابل 4 رجال ..!!
استطرد المستشار محمد سمير قائلا: بدأ المناهضون لحق المرأة فى تولى المناصب القضائية بالشرع و لكن حينما صدرت فتاوى صريحه بعدم المنع قالوا ان هناك عدم ملائمه للاستراحات للقاضيات و ما شابه من اسباب واهيه
وأضاف المستشار محمد سمير قائلا : من المفترض أن المرأة تبدأ تأخذ حقها فى الفرصة المتساويه مع زميلها ها نحكم بناءا على الكفاءة وليس النوع ،فنحن فى عام 2019 لا يجوز ان يكون التقييم و الاختيار فى العمل بناءا على النوع وليس الكفاءة . فلقد مررنا بعام المرأة 2017 ،ولدينا وزيرات و 80 عضوه بالبرلمان و مقترحات بزيادة نسبة تمثيلها بالمجلس ، نتيجة لإحساس بأهمية دور المراة ،ومن الواجب أن يواكب كل هذا العمل على عدم التمييز ضد المراة فى مجال مهم مثل القضاء .