أنطون سيدهم .. ومشوار وطني
أنطون سيدهم .. والسياسة الداخلية
إن ما يعانيه الشباب في مصر منذ صغره من مشاكل لم تجد من يحاول دراستها بجدية سواء من المجتمع أو الدولة, ومحاولة الخوض في وقائعها والعمل علي علاجها, إن الشباب هو عماد المستقبل وما كان يصح بتاتا أن يهمل هذا الإهمال, وأن تترك مشاكله بل مصائبه حتي تتفاقم بالشكل البشع الذي وصلت إليه الآن, إننا نلوم علي الشباب الآن انحراف بعضه نحو الإرهاب أو الجريمة, وفي الواقع فإن المجتمع هو الملوم, وهو الذي يعاني الآن من نتائج إهماله وتغاضيه عن الاهتمام بأولادنا وفلذة أكبادنا ومعالجة ما يعتور طريقه من نكسات وكبوات حتي تفاقمت الحالة وأصبح علاجها من أصعب الأمور.
منذ الصغر والأبناء يعانون من الإهمال الشديد وسواء بسبب انشغال الوالدين في العمل لتوفير المبالغ اللازمة للصرف علي الأسرة واحتياجاتها من سكن ومأكل وملبس وتعليم, وكلنا يعلم الغلاء الفاحش الذي حاق بالبلاد وجعل الحياة صعبة وشاقة, أو بسبب انفصال الوالدين وتشتت العائلة وما يسببه ذلك من حياة غير مستقرة للأولاد فوق الحالة النفسية المريرة التي يعانونها وآثارها السيئة علي كيانهم. أما عن التعليم وانهياره فحدث ولا حرج, من تهور شديد في الدراسة سواء كان بسبب تهرؤ المباني وتكدس الفصول, والذي أدي إلي انعدام الرعاية السليمة لهم, وقصر اليوم الدراسي وتكدس البرامج, وفقدان القيم السليمة والتعليم الديني الحقيقي, الذي يغرس في نفوس الطلبة ما أتت به الأديان من تعاليم المحبة والسلام والسماحة, وفهم أصول الدين السليمة, هذا فوق انعدام التربية الرياضية , ورعاية الهوايات, فعندما أقارن بين التعليم قبل الثورة والتعليم اليوم أصاب بالإحباط والحزن بما أصاب تنشئة أجيال الثورة من انحدار وانهيار, لقد نشأ جيلنا في مدارس معتني بها من مبان في أحسن حال, وفصول متسعة لا يتجاوز طلبتها الأربعين طالبا علي الأكثر, فكانت الصلة بين المدرس والطالب مستمرة والرعاية كاملة, كم كان المدرس واعيا بواجبه يبذل جهده لاستيعاب طلبته لما يلقيه عليهم من دروس, لقد كان الكثير من المدرسين عندما يجدون أن المستوي العلمي لطلبته ليس كما يرجو فإنه ينظم دروسا إضافية قبل أو بعد اليوم الدراسي لتقوية تلاميذه, كان اليوم الدراسي كاملا يبدأ من الثامنة صباحا وينتهي في الرابعة بعد الظهر, كان بالمدارس ملاعب رياضية لأغلب الألعاب المعروفة, كانت الهواية معتني بها ترعاها المدرسة بمختصين, كالموسيقي والتمثيل والخطابة والرسم بأنواعه وخلافها, وفرق الكشافة والجوالة, وجماعات الرحلات, كل هذا كان يعطي لحياة الطلبة جاذبية ومذاقا طيبا, نعم لقد أخذت أجيالنا من المدارس الكثير والكثير جدا, فكانت العلاقة بين الطلبة ومدرسيهم وبين الطلبة وبعضهم البعض تظللها المحبة والاحترام والتقدير.
بعد عناء شديد في المدارس, الجامعات يخرج الشاب إلي الحياة وكله أمل في مستقبل زاهر, فيجد البطالة في انتظاره, ويقضي أيامه في السعي لدي المؤسسات المختلفة للبحث عن عمل فيقابل بهز الكتفين, ليرجع إلي بيته حيث عائلته تنتظر منه العمل لمساعدتها علي عوادي الحياة فيعتوره الخجل والألم لقصوره عن ذلك بل ولاحتياجه لإعالتهم له وحمل همومه, كم كان يحلم أثناء الدراسة في مستقبل مشرق يتخرج فيه ليجد عملا يقوم به, ويبذل جهده للنجاح والتقدم, ثم تكوين عائلة من زوجة وأولاد يرعاهم ويسعد بهم, ولكن للأسف كل هذه الآمال والأحلام تنهار, ويعيش في ضياع وهوان, تسيطر عليه الأفكار السوداء وتحتويه النوازع الهدامة أياما وشهورا قد تمتد إلي سنين طويلة, ماذا تنتظر من هذا الشباب البائس إلا اعتناق المبادئ الهدامة والانحدار إلي هاوية الجريمة.
دائما ما تصلني خطابات من شباب يشكون فيها من البطالة بعد مضي وقت طويل علي تخرجهم في الجامعة, بعضهم مضي عليه سنوات قليلة والبعض الآخر سنوات طويلة قد تصل إلي السبعة والثمانية, وهو عاطل ضاقت به الحياة وانتابه الذل والهوان, إنني أمتلئ بالألم الشديد والحزن العميق وأنا أقرأ هذه الخطابات البائسة, هؤلاء الشباب يستجدون أي عمل بدون نتيجة.
يجب علي المجتمع والدولة أن تقوم بسرعة وبكل جهد للعمل علي دراسة مشاكل الشباب والحلول الفعالة لها حتي لا يصبح مستقبل البلاد قاتما يبشر بالسوء لا سمح الله. أعان الله مصر علي الخروج من هذه الأزمة المدمرة الطاحنة.