يقول القديس بولس:فما من أحد منا يحيا لنفسه وما من أحد يموت لنفسه,فإذا حيينا فللرب نحيا,وإذا متنا فللرب نموت…(رومية14:7-8) ما أكثر هؤلاء الذين يعيشون هذه الحيا دون التفكير في غيرهم!وما أكثر هؤلاء الذين يحيون من أجل ذاتهم فقط!أتي أحد الشباب الممتلئ بالحيوية والنشاط إلي حكيم يحكي له عن مشاريعه في المستقبل,وكيف أنه يربط ساعات الليل بأطراف النهار لينال شهادة المحاماة,فسألة الحكيم:وماذا ستفعل بعد الشهادة؟ أجابه الشاب:سأقوم بالمرافعة في المحاكم وأسعي في ربح أهم القضايات التي تضمن لي شهرة واسعة-وبعد ذلك؟-مما لاشك فيه أن الشهرة سوف تدر علي أموالا طائلة-وبعد ذلك؟-أجاب الشاب:وبعد ذلك؟وماذا بعد؟سأموت!-وماذا ستعمل آنذاك حينما تجد نفسك أمام الله الديان الذي ينتظرك؟ وهنا خجل الشاب وصار وجهه شاحبا ثم مضي في صمت نتعلم من هذا الموقف ألا نحصر اهتمامنا في الأرض بالنجاح الشخصي فقط,ولكن يجب أن نتذكر الله الخالق ونسعي في خدمة الآخرين أيضا.
فالحياة مدرسة ونحن تلاميذها والزمن هو المعلم,كما يجب علينا أن نحب الحياة حتي نستطيع أن نحب الناس ونخدمهم,ونحرص علي التضحية من أجلهم ونعيد الأمل لمن فقده,والرجاء لمن ليس لهم رجاء,وبناء علي ذلك سوف تتحول الطاقات السلبية إلي أخري منتجة ومنا يقول حكيم الصين كونفوشيوس:الرجل الفاضل حقا والذي يريد أن يبني كيانه الخاص يجب عليه أن يحقق ذلك من خلال بناء كيان الآخرين,كما أن الذي يريد النجاح لنفسه,يجب عليه أن يحققه للآخرين.فإذا كانت حياتنا قصيرة وأيامها معدودة ورحلتنا في هذه الدنيا ليست طويلة,فأفضل مقياس لها الأعمال والذكريات الحسنة والخالدة والحكيم هو من يعرف كيف يقضيها في أعمال اخير والبر ومخافة الله,لأنه تعالي سوف يطالبنا بما فعلناه في هذه الحياة خيرا أم شرا,لأننا خلقنا لتمجيده ولخير القريب.ومما لاشك فيه أن كل واحد منا سيواجه هذه الحياة بحلوها ومرها,إذا يجب علينا أن نتحلي بقدرات خاصة,لأن الإنسان الواعي والناضج يتعظ بغيره ويتعلم ويستفيد منه.وكما يقول الروائي الفرنسي أناتول فرانس:إن التعليم يبدأ بعد المدرسة.
وهذا يوضح لنا كيف أن الإنسان يتعلم يوما بعد يوم من خبرة الحياة ما لم يتعلمه أثناء دراسته,حتي أنه يكتسب الخبرة والمعرفة من صعوبات الحياة ومعاركها.وكما يقول المثل:إن الناس نوعان:موتي في حياتهم,وآخرون في باطن الأرض أحياء فالحياة نعمة من الله ورسالة يجب أن نفوم بها بكل أخلاص وتفان لذلك يجب علي كل واحد منا أني ترك أثرا وبصمة قبل أن يغادر الدنيا كما أننا نعيش علي آثار وبصمات من سبقونا والذين تركوا تراثهم وحفروه علي صفحات التاريخ للأسف هناك الكثيرون الذين يعيشون علي الأرض من أجل ذاتهم فقط,حتي أنهم لايحسبون لله حسابا,والذين ولدوا في هذه الحياة وعاشوا فيها طولا وعرضا,ثم خرجوا منها وغادروها دون أن يشعر أحد بهم ولم يبق لهم أثر,لأن قياس الحياة ليس في طول بقائها,ولكن في قوة عطائها والمقصود من العمل هنا ليس من أجل تكريم الشخص وتمجيد الذات ولكن من أجل خدمة البشرية لأن الحياة دعوة للعمل الجاد والمثمر لخير الإنسانية.
كل هذا لا يعني أن ننتظر مكافأة علي كل ما نقوم به أو نبحث عن تقدير الناس لنا,أو نطمع في الأوسمة والألقاب لنتباهي بها,ولكن من المؤكد أننا سوف نصطدم بالصعوبات والمشاكل والرفض نتيجة أعمالنا ورسالتنا السامية في هذه الحياة,كما حدث غمع سقراط الذي مات بكأس السم لأنه صاحب فلسفة ومبادئ توراثتها البشرية من بعده.كما يوجد أيضا الكثير من الذين عانوا في حياتهم ولكنهم خلدوا بأعمالهم وأفكارهم بعد حياة مليئة بالجهد والتعب والرفض.
إذا نحن نعيش في هذه الحياة ولكل واحد منا رسالة يجب أن يؤديها ولا غدر البتة لأحد في عدم القيام بها,كما يجب أن نضع نصب أعيننا أننا زائلون ولن نأخذ معنا سوي ما قمنا به من خير وصلاح لذلك يجب أن نحسن استعمال الحياة بحيث تعود علينا وعلي الآخرين بالمنفعة ونختم بالقول المأثور:القيمة الحقيقية للإنسان ليست في إحساسه بنفسه,بل في عطائه للآخرين.