كنت أتمني أن تكون مصر الأولي بين دول العالم في الرياضة أو العلم أو الأخلاق, لكنها للأسف أصبحت الأولي في نسبة الطلاق وخراب البيوت وضياع الأسرة.
الإحصاءات تقول إن عام 2016 شهد 192 ألفا ومائة حالة طلاق, بواقع حالة طلاق كل دقيقتين و40 ثانية! الطلاق معروف في كل دول العالم, عرفته الإنسانية منذ نشأتها, وأحيانا يكون الطلاق حلا فعلا لزواج فاشل بين زوجين مختلفين في التربية والطباع والثقافة وفلسفة الحياة, الحياة بينهما مستحيلة والطلاق هو الحل, لكن هذه النسبة ضعيفة جدا لا تمثل من 5 إلي 10 في المائة من الزواج ولا تمثل مشكلة كبيرة. أما نسبة الطلاق عندنا فهي كبيرة جدا, بل هي مرعبة لأن الطلاق تنتج عنه مشاكل كثيرة فرعية, وكل منها يمثل مشكلة كبيرة مخيفة مدمرة. المطلقات مشكلة! الأبناء مشكلة! أمن وأمان المجتمع في هذه الحالة مشكلة أيضا.
الطلاق كلمة بغيضة مكروهة, لكنها عند معظم المصريين والعرب سهلة قريبة علي اللسان, يقولونها وهم جلوس في المقاهي والمطاعم وفي البيوت وفي كل وأي وقت لأنهم لا يقدرون خطورتها ونتائجها المدمرة, بل يعتقد البعض أن كلمة الطلاق تعبر عن الرجولة والشهامة والجدعنة!
دعانا زميل في الجامعة, وكان رجلا متيسر الحال, دعانا علي تناول الطعام في بيته, وعلي المائدة العامرة وجدنا ما لذ وطاب من الطعام لحوم وبط وأوز ومحاشي وحلوي وصواني, كان المضيف كريما وأخذ يدعونا إلي تناول الطعام أكثر, ثم أمسك بأوزة كاملة وقال لأحد الأصدقاء: أمسك وكل.. قال زميلنا: الحمد لله شبعت فعلا.. فما كان من المضيف الكريم الساذج إلا أن قال له: طيب علي الطلاق لتأكلها بحالها..! هنا تعجب الحاضرون وظهرت علي وجوههم الدهشة.. لكنهم نصحوا الزميل بأن يأكلها حتي لا يطلق المضيف زوجته.. تصوروا؟ وبدأ الزميل في تناول أجزاء من الأوزة حتي صرخ قائلا.. بطني.. وذهبنا به إلي المستشفي وكانت ليلة ليلاء وغسيل معدة ومصاريف باهظة.. والسبب مجرد لفظ سخيف سريع.. علي الطلاق!
شبابنا هذه الأيام يتزوج دون أن يدري عن الزواج ومسئولياته شيئا, يتزوج لكي يشبع غرائزه ويتمتع بفتاة جميلة, قوامها ممشوق, ويمكن يكون عندها قرشين, الغريب أن هناك من يتزوج وهو عاطل لا يعمل, وماما أو بابا سيصرف عليه, وتكون النتيجة الكلمة البغيضة.. الطلاق..
بعض الشباب يتزوج في يوم وليلة, سلق بيض, يعني يري شاب فتاة جميلة تعجبه يتحدث معها, يطلب يدها في الحال, وهو لا يعلم عنها شيئا وكذلك هي, مجرد إعجاب بالمظهر وعدم معرفة الحقائق التي يجب معرفتها عنها: ما هي أسرتها؟ ما هي طباعها؟ ما هي أخلاقها؟ مجرد إعجاب سريع, وتكون النتيجة.. الطلاق السريع..
الزواج هو أهم مشروع في حياة الإنسان, هو اختيار الفتاة والفتي لإنسان سيعاشره بقية الحياة, من هنا لابد من التدقيق في هذا الاختيار, لابد أن تكون هناك فرصة لمعرفة كل منهما للآخر, معرفة أخلاقه هل هي متفقة, وطباعه هل هي منسجمة, مستوي تفكير كل منهما هل هو قريب أم متباعد؟ الطموح والنظرة الفلسفية للحياة هل هي متطابقة أو متناقضة. لابد من استخدام العقل في الزواج, ولابد لكل منهما أن يفكر في الزواج علي أنه مرة واحدة في الحياة, لا مجرد تجربة يمكن تكرارها.
يقول الدكتور عادل صادق في كتابه: روعة الزواج:
الحب هو الزواج, والزواج هو الحب, أروع زواج يتحقق حين تقول: أريد أن أعيش مع هذا الإنسان حتي آخر يوم في حياتي. حين لا تقوي أن تعرف إنسانا غيره, حين تشعر أن علاقتك بهذا الإنسان هي علاقة ثابتة ومستقرة وخالدة جوهرها الوفاء والإخلاص وأساسها الحب.
هذا هو الزواج الحقيقي, أو أهم مشروع في حياة الإنسان, في كلمات مختصرة معبرة, فهل يعرف الشباب الذي يريد أن يتزوج معني هذه الكلمات ويعمل بها أم أن مفهومه عن الزواج مختلف تماما؟
لماذا لا نهتم بتعليم فن الزواج وأهميته ودوره في الحياة في مدارسنا وجامعاتنا ومساجدنا وإعلامنا كما يحدث في كل دول العالم المتقدمة؟ لماذا لا تقيم أنديتنا ومنابرنا الثقافية والكفرية دورات خاصة قصيرة لشبابنا قبل الزواج؟!
هكذا إذا أردنا حل مشكلة الطلاق فلنبدأ من قبل الزواج, بل منذ الطفولة والصبا, وقد تعودنا أن نقدم النصائح للشباب الرجال مع أن الحياة واحدة والزواج هو عقد وارتباط بين اثنين: الرجل والمرأة, ويجب تقديم النصيحة للاثنين معا, وهنا يقدم الكاتب الكبير سلامة موسي نصائحه للفتاة في كتابه: المرأة ليست لعبة الرجل.. فيقول لها: تعلمي صناعة, واحترفي حرفة قبل الزواج, حتي تختاري زوجك عن حب وتقدير وليس لأنه سيعولك لأنك عاطلة تعجزين عن أن تعولي نفسك.. إن أخطر ما تعملينه في حياتك, أيتها الفتاة, هو اختيارك لزوجك, ذلك لأنك بذلك العمل اخترت رجلا سوف يحيا معك ويعاشرك طيلة عمرك وسوف يكون أبا لأبنائك.. فلا تهملي الدقة في الاختيار, واعتبري هذا زوج العمر, زوج الحياة, ويجب أن تدرسيه جملة شهور قبل الزواج, أو بعام كامل.. ويجب ألا تتزوجي رجلا قد طلق زوجته إلا بعد أن تدرسي الأسباب والحجج التي بني عليها هذا الطلاق, فإذا وجدت أنه كان عادلا فتزوجيه وإلا عدلت عنه.. وعليك ألا تتزوجي رجلا يجعل لك ضرة كما يجعلك أنت ضرة لزوجة أو زوجتين أخريين, ولا يمكن أن تتحقق المساواة التي تنشدينها بالجنس الآخر إذا كنت ترضين بأن تكوني واحدة من جملة زوجات لرجل واحد.
علاج مشكلة الطلاق التي أصبحت معضلة وأم المشكلات في مصر يبدأ قبل الزواج, وعلي الشباب من الجنسين أن يقتنع ويتأكد أن أسوأ كلمة يرددها أي من الزوجين في حياتهما هي كلمة الطلاق, وكما يقول الدكتور عادل صادق في كتابه الذي أشرنا إليه: كلمة الطلاق لا تقل بشاعة عن كلمة الموت, وعلي الرغم من أن الموت حق, وأن الطلاق حلال, إلا أننا نبغض الكلمتين, والمعني واحد, الانفصال موت والموت انفصال. إن ترديد هذه الكلمة الصعبة المؤلمة, كلمة الطلاق, يسيء لقدسية علاقة الزواج وعلاقة الحب بين الزوجين.
نعود لمعضلة أو مصيبة الطلاق في مصر لنقول فعلا أصبحت ظاهرة يجب أن ينتفض المجتمع بكل فئاته وقيادته لدراستها والوصول إلي حلول جذرية لها. فليس من المعقول أن تصل عدد حالات الطلاق عام 2016 إلي 192 ألفا ومائة حالة لسيدات مازلن في شرح الشباب بين 20 و35 سنة, فهذا العدد الكبير من السيدات يمثلن مشكلة للمجتمع في حد ذاته, ثم هناك تسعة ملايين طفل, نتيجة هذا الطلاق بلا أب أو تربية صحيحة عائليا أين يعيشون وما هو مستقبلهم؟ ثم نتحدث بعد ذلك عن أطفال الشوارع وخطورتهم علي المجتمع؟! ألا يشكل عدد الأطفال المخيف هذا قنابل موقوتة تهدد حياتنا؟
أيها السادة نحن في خطر مدمر أكبر وأخطر من الإرهاب فهل نتحرك ونترك الحلول التقليدية التي وصلت بنا إلي هذه المحنة والمصيبة؟!